المسرحيّة تكشف للمرة الأولى أسراراً من بيوت الشهداء الفلسطينيين
«ألاقي زيّك فين يا علي»... بَوح الذاكرة بطعم الجرح!
| بيروت – من محمد حسن حجازي |
1 يناير 1970
05:39 ص
• العرض يُميط اللثام عن تناقضات «النضال» الذي يختلف ظاهره عن باطنه
«ألاقي زيّك فين يا علي»... الذاكرة تبوح بمكنونها، وتكشف جراحاً مخبوءة!
مسرحية انطلقت على خشبة مسرح بابل في بيروت بتوقيع المخرجة لينا أبيض، نص وتمثيل رائدة طه، وتأتي بمنزلة مفاتحة شفافة ومباشرة عن أجواء عاشتها وخبِرتها، وكانت تنتظر البوح بها حينما تسنح الفرصة... وجاءت الفرصة متمثلةً في لقاء بالمصادفة جمعها مع المخرجة أبيض، سرعان ما تحوَّل باباً للولوج إلى قصص لافتة جداً من ذكرياتها الشخصية التي أمِلت من خلالها إماطة اللثام عن أمور عالقة في الذاكرة وتريد إطلاقها أمام الجميع. رائدة لعبت مع لينا في «80 درجة» و«عائد إلى حيفا»، وهذه هي الثالثة التي تتعاونان فيها وتكون على هذا القدر من الشفافية والعمق انطلاقاً من حس قومي وواجب ثوري. وكونها عملت في مكتب القائد ياسر عرفات، فهي أرادت إيصال حقائق ربما تكون خافية على كثيرين، وكلها مرتبطة بها، تعرفها عن ظهر قلب، وتريد الفضفضة من خلالها لبلوغ لحظة التصالح مع الذات ومع الآخرين.
تعترف رائدة ابنة الشهيد علي طه الذي خطف طائرة بلجيكية العام 72 وأجبرها مع ثلاثة من رفاقه على الهبوط في مطار اللد للمطالبة بتحرير 100 معتقل في السجون الإسرائيلية، قبل أن يُقدم فريق كوماندوس إسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو على اقتحام الطائرة وقت تزويدها بالغذاء، وقتل اثنين أحدهما طه، وأسر فدائيتين، وبعد عامين من العملية خاضت السيدة سهيلة (شقيقة علي) نضالاً لاسترداد جثته من اليهود، فقصدت السفارة الأميركية في القدس ومُنعت من الدخول، وجاءتها الفكرة الصائبة وهي الذهاب إلى مكان إقامة وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر والوقوف أمامه مطالبة برفات شقيقها الشهيد، فأسهم فوراً في إطلاقه من أحد المستشفيات حيث تم تجليده على مدى عامين ودفنته في المدينة.
وترصد المسرحية عبر شهادة حية لرائدة تعرضها لمحاولة اغتصاب من أحد المسؤولين في منظمة التحرير، حيث كانت ملحقة صحافية في مكتب القائد عرفات، الذي توعد الفاعل بأيام سوداء، لكن ذلك لم يحصل، فقد صادفته بعد أسبوعين في مكتبه وكان يحملق فيها وكأن شيئاً لم يكن، فاستنتجت أن أحداً لم يؤنبه أويفتح معه السيرة قط.
وتتذكر رائدة أن عرفات أوكل إلى والدتها فتحية مهمة التخفيف عن أرملة شهيد سمّته أبوأسامة، فرافقتها إلى منزله في منطقة الروشة (شاطئ بيروت الغربي) وفتحت لهما الباب سيدة أنيقة وجميلة سألتها والدتها عن أرملة الشهيد البطل، فقالت لها: أنا هي، وفوراً غرقت الوالدة (والدة رائدة) في البكاء، بينما أرملة أبوأسامة حملت كوباً من عصير الليمون وراحت تحركه لإذابة السكر وهي تهدّئ من روع أرملة علي طه.
وروت كيف أن قيادياً في منظمة التحرير جاء يعزّيها في والدها وراح يقول عبارات ثورية ثم يقطعها ليسألها عن عدسات عينيها ولون شعرها لتقول إن عينيه لم تكفّا عن النظر إليها «بطريقة غير لائقة».
وفي إطار الكلام عن النضال وكيف كان ظاهره شيئاً فيما باطنه شيء آخر عند بعض القادة، أدّت دبكة الثوار مع حركة تشير إلى أنها تحمل الكلاشنيكوف وعلى إيقاع موسيقي حماسي صاخب.
المسرحية جاءت بمنزلة سابقة مهمة، تتمثل في إيراد هذا الكم من الانتقادات اللاذعة من امرأة هي بنت شهيد معروف عملت سنوات في مكتب القائد عرفات، ليختلط البوح بطعم الجرح.
أما الختام، فكان حياً مع العمة سهيلة التي ما تزال تعيش في القدس إلى الآن، وهي قالت بضع عبارات وختمت بغناء مقطع من أغنية الراحلة الكبيرة صباح: «ألاقي زيّك فين يا علي»،.