ديوانية الطيبين
دموع من أجل «جونكر»!
| عبدالرحمن الطرابلسي |
1 يناير 1970
09:47 م
نعود معا أصدقائي الطيبين للعام 1984، لنرى أنفسنا صغارا متسمرين ببلاهة، أمام شاشات التلفزة القديمة الكبيرة الشبيهة بالكروش المتهدلة، متابعين بانبهار الحلقة الأخيرة، من مسلسلنا الكرتوني الشهير «غزاة من الفضاء»، وتحديدا عند اللحظة المصيرية التي انطلق فيها «جونكر»، بعد أن ودّع صديقه الصغير «كنتارو»، ليقتحم، وبكل شجاعة مركبة «المدمرين» الأشرار، قبل أن يحدث ذلك الانفجار، الذي لم يكن في الحسبان، ويلقي بطلنا حتفه أمام عيوننا الصغيرة المصدومة، التي بدأت تمطر دموعها الحزينة، بعد تلك النهاية المأسوية المروّعة!
نعم... لقد عرف جيل الطيبين حينها، أن الابطال في الرسوم المتحركة، أيضا يموتون!
لكننا سنرجع معكم لنتعرف أكثر عن بداية هذا العمل الكرتوني الصادم، الذي ولد يابانيا (كالعادة)، في العام 1972، وعرف باسم «Astroganga».
تدور أحداث قصته «الفنتازية»، عن غزو فضائي مخيف يقوده مجموعة من المخلوقات الفضائية، الشريرة المسمّاة بالمدمرين.
مدمر واحد... مدمر اثنان... مدمر ثلاثة، كائنات غريبة تتشابه في ما بينها كالصراصير!
تضئ عيونهم الدائرية الشبيهة بصفار البيض بشكل دائم، و لا يميزهم عن بعضهم، سوى تلك الأرقام العربية، المطبوعة على جباههم.
أما عن نواياهم الاستعمارية الرهيبة، فكانت طبعا، الاستيلاء على غاز الأوكسجين من كوكب الأرض، و قد كان ذلك قريب الحدوث فعلا، حتى ظهر بطلنا الأزرق العملاق «جونكر»، ليقف محطما اطماعهم ومخططاتهم الشريرة في غزو الارض.
تميز «جونكر» صاحب الملامح الطيبة، بشخصيته الاستثنائية عن جميع زملائه في مهنة الدفاع عن الأرض، كـ (مازنجر، و خماسي، وجرندايزر، ورعد العملاق)، فهو ليس آلي يتم التحكم فيه من قبل الأشخاص، بل هو «كائن» مستقل أقرب إلى شخصية بشرية تتكلم، وتتألم، وتتفاعل بانسانية، لأنه باختصار صنع من معدن فضائي فريد من نوعه، جاء من كوكب «كنتاروس»، اسمه «المعدن الحي»، و كان يستمد طاقته من حمم البركان.
يشارك مع «جونكر» البطولة، فتى «خلوق» اسمه «كنتارو»، يقوم باستدعاء صديقه من خلال قلادته
التي يرفعها للسماء مناديا «جوووووونكرررر»، حتى يأتي الأخير، طائرا من لا مكان، ليتحد معه، مكونا قوة خارقة لا تقهر.
تمت دبلجة مسلسلنا الناجح جدا، على الصعيد الياباني، والعربي، والإيطالي، بحلقاته 26، في استديو بعلبك، ببيروت، بمشاركة لبنانية متميزة، نتذكر منها صوت الأستاذ خالد السيد في شخصية «جونكر»، والراحل ابراهيم مرعشلي بدور المفتش كانجي، بالإضافة إلى القدير عبدالكريم عمر، ووفاء طربيه.
منذ فترة ليست ببعيدة قمت بمشاهدة المسلسل من جديد، وحينما وصلت للحظة ماقبل الانفجار المأسوي، وجدت أن دموعي بدأت تنهمر بحماس غير مسبوق، لأني أعرف سلفا، مصير بطلنا في آخر الحلقة.
بدأت أكفكف دموعي، خوفا من أن يراني أحدهم على هذه الحال المزرية.
شاب في الثلاثين من عمره يبكي على رسوم كرتونية، كطفل نسيت أمه أن ترضعه!
ياااه... طبعا سيعتقد عندها، انني قد جننت، رغم اعتقادي ان البعض يرى ذلك فعلا!
لكن المفاجأة الحقيقية، التي جاءتني نهاية الحلقة، أن أسطورة الثمانينات «جونكر» لم يمت، بشكل قاطع ومؤكد، كما توهمنا سابقا!
فبعد تحطّم مركبة المدمرين في الانفجار الأخير، ومن قلب الحطام، والنيران، والحزن المرير، خرج «طيف» بطلنا «جونكر» بشكل لحظي خاطف، قبل أن يختفي سريعا في الفضاء!
ويبدوا أننا لم ننتبه لتلك اللقطة السريعة، أثناء عرضها الأول، بسبب حاجز الدموع والمخاط الذي كان يعيق تفكيرنا ذلك الوقت!
والسؤال هنا هو؟ هل كان أصحابنا اليابانيون، يستعدون لعمل جزء ثان منه؟!
نعم... ربما.
لكن، يبقى الأهم من ذلك كله.
أن «جونكر» الجبار، وماحمله للصغار، من قيم نبيلة كحب الوطن، والتضحية والصداقة والإخلاص، لم يمت من ذاكرتنا، ذاكرة الطيبين... أبدا.