ذكر المَيْداني في كتابه مَجْمَعُ الأمثال أن قصة المثل «مُكْرَهٌ أخاك لا بَطَل»، مفادها أن رجلاً من بني فَزَارة بن ذُبْيَان بن بَغيض يُدعى بَيْهس كان له ستة من الإخوان هو سابعهم وأصغرهم، وكان فيه غباء وحمق وجبن، غار عليهم ذات يوم رجال من بني أشجع كان بينهم وبين بني فزارة ثأر وحروب كثيرة، فقتلوا إخوته الستة جميعهم في تلك الغارة المفاجئة، فبقي بَيْهس لوحده فقبضوا عليه، فلما هَمَّ أحدهم بقتله اعترض عليه رفاقه وعنّفوه، لأنَّ قتل بَيْهس يُلحق العار بهم ويجعلهم ندرة للعرب. فمضت أيام طويلة على هذه الحادثة حتى سمع بَيْهس من رجل أخبره أن هناك رجالاً من أشجع اجتمعوا في غارٍ يأكلون ويشربون فيه، فقرّر بَيْهس أن يأخذ بثأر إخوته الستة من هؤلاء النفر المجتمعين في ذلك الغار، فذهب مسرعاً إلى خاله أبو حنش المعروف بشجاعته، فقال له: هل لك في غارٍ فيه ظِباء لعلّنا نصيبُ منها؟ فوافقه على ذلك، ثم انطلق بَيْهَس بخاله حتى جاء به إلى فَمِ الغار، ثم دفع بخاله بقوة إلى داخل الغار، وقال: ضَرْباً أبا حَنَشٍ. فلما رأوا أولئك النفر أبا حنش أمامهم، قال بعضهم: إنه أبو حنش البطل. فقال: أبو حنش: «مُكْرَهٌ أخاك لا بَطَل». فانتشر هذا المثل بين العرب بسرعة الضوء.
هذه المثل العربي القديم ينطبق على حالي مع كتابة المقالات السياسية، إنني أكره السياسة، ولا أهوى التطرق لها، ولست من هواتها، ولست من جُلساء السياسيين، ولا أمتلك كتباً سياسيةً، ولا أحفظ أي رواية سياسية، ولم ألتحق من قبل في أي حزب أو جمعية سياسية، ولا أؤمن كثيراً بما يقوله السياسيون، ولا أتعاطى أي مصطلحات أو مفردات سياسية في حديثي، لأنني باختصار أكره السياسة وعالم السياسة، لكن ماذا أفعل إن كانت السياسة تشرّبت نكهتي؟ كيف أبتعد عن الكتابة في السياسة، وهذا الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه يهمس في أُذني: اكتب في السياسة، كيف أهرب لخارج السياسة وأشياء كثيرة في المجتمع تدفعني لداخل السياسة؟ ماذا أصنع والسياسة تدفعني بشدة للكتابة عنها. أُحب أن أكتب في الأدب وما يثقف الناس ويدفعهم نحو الوعي والبصيرة، لكنني فجأة أجدني رافعاً قلمي في وجه السياسة متأهباً لمواجهتها، وأنا أقول لها حينها: «مُكْرَهٌ أخاك لا بَطَل»!
حسين الراوي
[email protected]