ممدوح إسماعيل / ساركوزي والمتوسطي... نتيجته سباحة أمام الشاطئ

1 يناير 1970 06:04 ص

عُقد في العاصمة الفرنسية في منتصف يوليو الجاري مؤتمر غريب ومريب تحت عنوان «الاتحاد من أجل المتوسط»، وغرابته تنبع من جمعه لمجموعة من الدول في شمال وجنوب المتوسط، لا يجمعها أي رابط مطلقاً سوى أنها تطل على البحر المتوسط، والاختلافات بينها شديدة... سواء من ناحية التاريح، أو الدين، أو الثقافة، أو اللغة، أو العادات، والتقاليد، فضلاً عن الفجوة بين الشمال والجنوب من الناحية الاقتصادية والعسكرية. والأخطر أن جنوب المتوسط يحتفظ لشمال المتوسط، خاصة فرنسا، بتاريخ قريب مملوء بالذكريات السيئة نتيجة الاستعمار الفرنسي، الذي كلف دولة واحدة وهي الجزائر مليون شهيد.

ولذلك يبقى السؤال خاصة بعدما انتهى المؤتمر: لماذا اجتمعوا؟

هل هي رغبة شخصية للرئيس ساركوزي في البحث عن دور زعامة في العالم؟ خاصة أن شخصية ساركوزي كما وصفها أحد المعلقين الفرنسيين: «سياسي طموح مزعج، ينفرد بمبادراته، ويتسرع بتصريحاته، ويسعى للشهرة على حساب الفكرة، ولا يفكر إلا بمصلحته على حساب الآخرين، ويعد بتحقيق أكثر مما يستطيع، وربما أكثر مما يريد».

وهنا لا يفوتنا أن ميعاد المؤتمر كان بعد تسلم فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي بأسبوعين، وقبل يوم واحد من ذكرى استقلالها، لذلك فإن الحديث عن تطلع فرنسي، مبطن بالحنين لحلم الإمبراطورية الفرنسية بقيادة نابليون فرنسا الجديد ساركوزي له جديته، وذلك عبر مؤامرات السياسة وليس عبر القوة المسلحة.

المعلن عن الهدف من «الاتحاد من أجل المتوسط» تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول الـ 35 وفق رؤية جديدة، وهو العنوان الذي اعتبره البعض مريباً وغير حقيقي، عبر ما تم في المؤتمر من استضافة العدو الصهيوني، باعتباره دولة تطل على المتوسط، واستضافة بشار الأسد، واستضافة أبومازن، وكلاهما له ملفات وصراع شائك مع العدو الصهيوني. لذلك وضح لكثير من المراقبين أن من أهداف المؤتمر فرض التطبيع السياسي على جميع العرب المجتمعين، من سورية حتى الجزائر، وهو ما اعتبره البعض وعاء سياسياً جديداً يجمع العرب والصهاينة.

لكن الواضح أن ما أُعلن عن التعاون الاقتصادي، مع فرض التطبيع السياسي مع العدو الصهيوني، يعتبر بمثابة رشوة للعرب الممانعين للتطبيع، والبعض يعتبر أن ترويض ساركوزي لسورية، وإقناعها باستئناف المحادثات مع العدو الصهيوني لم يتم من دون عِلم أميركا، وأن فرنسا تقوم بدور الوكيل أو المحلل فقط. ثم كان إعلان ساركوزي اعتبار انضمام تركيا للاتحاد المتوسطي بديلاً للانضمام للاتحاد الأوروبي كاشفاً عن نزعة ساركوزي العنصرية ضد تركيا، وهو مارفضته تركيا.

لكن الواضح أن هناك الكثير من النزاع حول «الاتحاد المتوسطي» ووضح هذا من خلال تدخل ألمانيا وإصرارها على الحضور، رغم أنها دولة لا تطل على المتوسط، كان هذا التصرف يعكس رغبة ألمانية في عدم انفراد فرنسا بالزعامة، خاصة مع الرغبة الفرنسية العارمة في مزاحمة الولايات المتحدة الأميركية النفوذ خاصة في مستعمراتها السابقة في الشمال الأفريقي، ورغبتها في القيام بدور حيوي فعال في الأحداث العالمية عبر تقديم بديل للأميركان المغضوب عليهم في المنطقة العربية، مع بعض المساعدات الاقتصادية والتكنولوجية.

لكن رغم طموح ساركوزي، ومحاولته بـ «المتوسطي» القفز للقيام بدور محوري قيادي في العالم، إلا أن الواقع يشهد أن العرب لا يجتمعون مطلقاً، فقد فشلت الجامعة العربية وجميع محاولات التكامل بين الدول العربية في جمعهم على رؤية ومنهج وتخطيط استراتيجي واحد، بل أحياناً تفشل محاولات توحيد قرارهم في الأمم المتحدة، ومن الطريف أن القوميين العرب اعتبروا المؤتمر تفكيكاً للعروبة، ومتى كانت العروبة متحدة حتى تتفكك!

 لذلك فإن كانت حالة المنطقة العربية شديدة الضعف قد فتحت شهية ساركوزي للزعامة، إلا أنها أيضا شديدة الخلافات لاختلاف الأجندات والمصالح لذلك فهي غير صالحة للاستهلاك مطلقاً. وإن كانت حالة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة العربية من حيث إخفاقاتها في العراق، وحالة الغضب الشعبي العربي ضدها، قد فتحت شهية ساركوزي للزعامة إلا أن الولايات المتحدة تراقبه وتعلم أنه لن يخرج مهما فعل عن دور التابع لها لا القائد الزعيم، وهي تريده خلفاً لتوني بلير في أوروبا لا زعيماً للمتوسطي.

ويبقى أن أي اتحاد بين دول عدة يتطلب نوع من التوافق، إن لم يكن تاريخياً ودينياً، فليكن اقتصادياً وسياسياً، وهذا غير موجود مطلقاً بين شمال المتوسط وشرقه وجنوبه... فعلى أي شيء سيتحدون؟

وأخيراً... بعد انتهاء المؤتمر وضح للمراقبين أن «المتوسطي» لم يخرج عن الوجاهة السياسية للمجتمعين، ومحاولة يائسة لفرنسا والمجتمعين للخروج من الشرنقة الأميركية. وفي عالم تسوده القوة الغاشمة وينفرد بتوجيه القرار فيه طرف واحد (الولايات المتحدة الأميركية) يصعب تصديق أن فرنسا ستعود إلى قوتها السابقة وتنافس أميركا في المنطقة.

 ونتيجة «المتوسطي» كالسباحة أمام الشاطئ فقط، فلن يستطيع ساركوزي ولا غيره العبور أو السباحة إلى جميع الشواطئ في المتوسطي، لأن الألغام كثيرة وجهده محدود، فهو كمن يسبح في دائرة، ولا يسبح في اتجاه واحد للوصول إلى شاطئ آخر.

والسؤال الأخير: متى يفيق العرب إلى وحدتهم، ولا يذهبون يطلبون الوحدة في باريس أو برشلونة؟


ممدوح إسماعيل

محامٍ وكاتب مصري

[email protected]