ديوانه يحلِّق في عوالم السحر والإبداع
قراءة / «فراشات الروح» للشاعر مصطفى حلمي ...غناء للوطن والحياة
| كتب مصطفى جمعة |
1 يناير 1970
11:39 ص
تستقبل الأوساط الأدبية والشعرية في مصر والدول العربية خلال الايام المقبلة «فراشات» الشاعر المبدع مصطفى حلمي، والتي حلق بها في سماء الابداع وعوالم السحر وضمها بين ثنايا الافئدة وخاطب بها عبر ديوانه الروح والوطن والغناء في بساطة ورقة وعفوية مثل النبع الذي يسري بين الحقول، ليروي ما يقابله من نبات وزرع، في صفاء وتفان وتضحية.
إنه مصطفى حلمي منبع الخواطر السانحة في لحظة الالهام والتجلي، وشاعر الاحاسيس السمحة النية والقصد، الذي رسم لكل واحدة منها صورة يرى فيها كل متابع عوالم الأحلام والخيال والاماني والمثل العليا، من خلال معجم وجداني يصف التجربة الذاتية بأسلوب شفاف وسهل على قدرها حجما ولونا، مرتبطة بالمشاعر والأحاسيس.
يقول الشاعر في قصيدة (فراشات الروح):
عمرك شُفت فراشة بتبكي؟
أنا شفت فـَراشة
بتلِم دمُوعها حواليها
وبتتشْرنـَّق
مش كل فراشة جوه الروح بتغنّي
فيه فراشات لِلنوُح...وفراشات ألوَان
عُمر الضَّى ماعَدّا عليها
وفراش مجروح
زي ما فيه ألوان للبوح
وألوان أحزان
والوان فرحانة
وألوان ما بتلونش
صدقني لما أقولك
فيه فراشات في الروح
بترفرف حيرانة
فالشاعر تارة يصوب فراشاته نحو الوطن لكونه مبدأ كونيا شاملا يضم الحياة والجمال والحلم والمصير، لتصوغ برشاقتها مادة الوجدانية في تشكيل متخيل، ففيها جنوح الموج حين يعانق الشطآن، وفي صوتها وتر اذا انطلقت بلابله يصير الكون اغنية تمتاز بالتعبير المباشر والجرس الغنائي.
وعندما يتحدث عن الوطن تجده غزير المناجاة، فياض المشاعر فهو يراه في نفسه ذكريات وحنين الطيور وعلى بساطة يبني لفراشاته عُشا على العينين ويسكنها ضلوع القلب، فهي غنائية ذات مدى واسع وتنوع غزير تتسع لأشواق واحلام رمزية تقوم بتطويع المفردات عبر حروف شعر نقي مصفى من الشوائب.
و«فراشات» مصطفى حلمي تتخذ من الحياة ما هو أبعد من جغرافيتها، بل يصورها وعاء لتلك العلاقة، بكل ما تحويه من تفاصيل تعد مصدر الوحي والإلهام لشعره الذي يتغنى بها بعاطفته وخواطره للوطن عامة، لكون الجزئيات في الوطن لا يمكن القبول بها، باعتبار الجزء من الوطن جزءا من الجسد الذي لا يمكن بتره.
ومصطفى حلمي يجسد العلاقة الحميمة بين الحبِّ بين الشاعر، لذلك ديوانه «فراشات الروح» مفعمة بالحميمية، ولاسيما عندما «يغني» تجده إشراقات فرح ورغبات في الانطلاق العفوية في الحياة.
ومن مجموعة فراشات للوطن...قصيدة «مظاهرة»:
كانت زعلانة
لما جَتْ على كتفي
وقالتلي: الواجب...أَمَرْ
أنا طالعة مظاهرة
ورَسَمِتْ
خط أسود ع الجناحين
وشاورت
على غيمة فراشات
سادَّه وِش القمر
ع الجنبين
وقالتلي:
دي الفراشات الطاهرة
(أرواح الشهدا )
بتهتف وبتتظاهر
وغضبانة من البُعدا
وجمع مصطفى حلمي في ديوانه «الساحر» مجموعة متنوعة من قصائده وأغنياته التي كتبها منذ بدايات الثمانينات حتى بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 واهداه لروح والده، ليقول: «لابي الذي علمني القراءة والكتابة قبل دخولي المدرسة ولأمي - متعها الله بالصحة والعافية - والتي علمتني صدق المشاعر ولكل من كان له الفضل في ظهور هذا الديوان للنور»...ومن مجموعة (فراشات للغُنا):
طير ورفرف يا فراش
واسكن ف قلبي واتمنا
الشهيد هوه اللي عاش
وانا بقيت بره الجنة
طير ورفرف ف الميدان
افرد جناحك زي زمان
احكيلي دايما ع اللي كان
وهات جناحك يتحنَّى
وقال مصطفى في مقدمة الديوان: «ان العلاقة الخاصة بيني وبين الفراشات، ربما تكون مرتبطة بالغموض والجمال الصامت الذي يغلفها والرقة التي تظهر منها في النهاية».
واضاف: «فالفراشات فتن بها الناس والشعراء على مر العصور، وكذلك في المعتقدات الدينية لبعض الشعوب القديمة، حيث كان الإغريق يعتقدون أن الروح تخرج من الجسد على شكل فراشة بعد الموت، لذا كانوا يرمزون للروح بفتاة لها أجنحة فراشة تسمى «بسيشة»، وتطلق بعض الشعوب الفراشات أثناء دفن موتاهم وذلك لاعتقادهم بوجود ارتباط ما بين الفراشات والموت».
وسافر بنا الشاعرعبر السطور الى العديد من البلدان فبين «لدى الاستراليين أسطورة تقول: عندما ظهر الموت للمرة الأولى في أرضهم كانوا واثقين بأن الأرواح انطلقت من الأجساد، وقد تطوع دود الفراش ليذهب ويرى ما حدث للموتى وعندما عاد إلى الأرض كان على شكل فراشات».
وفي ايرلندا في القرن الخامس عشر كانت الفراشة البيضاء ترمز- وفق ظنهم - إلى طفل راحل. وفي رومانيا كانت الفراشة ترمز إلى المشاعر العاطفية التي تربط بين الناس، خصوصا بين الأزواج والزوجات وتعتقد قبائل البلاك فوت الأصلية في أميركا أنه عندما تحط عليك فراشة فيجب عليك أن تهمس لها بأمنية. لتحملها معها إلى أعلى عندما تطير.
وتعتقد بعض الشعوب - وفق معتقداته - أن هناك علاقة ما بين الفراشة السوداء والموت، ومثال ذلك ما أعلن عندما كان فرديناند ماركوس رئيس الفيليبين السابق على فراش الموت، فقد أذيع في جميع الصحف الفيليبينية بأن فراشة سوداء كانت تحوم حول قصره.
وبالتأكيد أن لكل منا - في داخله - صورة تمثلها الفراشات.