حتى لا تنقرض دودة الكتب!
| د. أحمد رمزي |
1 يناير 1970
09:02 م
اعترف انى قارئ شغوف بالكتاب الورقي،ولا اطيق القراءة فترات طويلة على الكمبيوترات اللوحية او غير اللوحية، بالكاد اتمكن من اتمام مقالة طويلة، اما الكتاب الورقي ان جذبني فلا امله لساعات، بل لا تكتمل متعتي الا بصحبته! اجد الكتاب الورقي له شخصية وكيان قائم بذاته، بخلاف النص الالكتروني الذي يمكنك استدعاءه بنقرة او لمسة لجهاز كمبيوتر، وحقيقة لست ادري لماذا يطلقون على الشخص المتيم بحب القراءة دودة كتب؟ فباستثناء دودة القز، الدود معظمه مفسد ومخرب، وصف نحلة الكتب اراه افضل واجمل، فالنحلة حياتها بين المروج والرياحين والجبال، تجمع الرحيق ولا تفسد الازهار وعطاؤها عسل مختلف الوانه، فيه شفاء، وكذلك المعرفة طيبة نافعة، المدهش ان وصف دودة الكتب شهير حتى في اللغات الرئيسية الاخرى، ففي الانكليزية (Bookworm) وفى الفرنسية (rat debibliothèque) للدلالة على القراء الشغوفين!
لي صديق من هذا النوع ـ عرفته منذ سنوات طويلة عندما تكرر لقائي به في مكتبة كانت في ما مضى عامرة بكل اصناف الكتب، اغلقت الان للاسف كما اغلق كثير غيرها، وكانت ملتقى العديد من محبي الكتب ـ قربني منه حسن خلقه وتقارب اذواقنا الفكرية، صديقي هذا مهندس من عائلة ميسورة الحال ورغم ذلك كان معرضا عن الزواج من دون مبررواضح، لكنه كان يسر عندما نمازحه بقول:
لعلك مشروع عقاد جديد!
عندما زرته في بيته وجدت ان الكتب كانت هي الساكن الحقيقي، الكتب في كل مكان على المناضد والمقاعد
والسرير...!، ولكي تجد لك مكانا تجلس فيه عليك تنحية اكوام من الكتب جانبا!
هذا الصديق مقل جدا في الكلام، لكن ان طرقت موضوعا يثير اهتمامه الفكري- وما اكثر ذلك- فهو يفيض ويسهب، واسلوبه ينم عن عمق فكر وسعة رؤية، ذات صيف كنت استجم في مدينة على ساحل البحر المتوسط ودعوته ليقضي معي بعض الوقت فلبى الدعوة وبعد ان تجولنا في المدينة وتناولنا الغداء واستراح قليلا اذا به يفيق، ويسألني اليس عندك شيء يقرأ؟ قلت الصحف، قال بل اريد كتبا...! حقيقة لقد ادهشني سؤاله، برغم اني من محبي الكتب والقراءة، الا انني لم اكن مصطحبا وقتها كتبا، قلت: عندك حق... كيف فاتني ذلك؟! لم يطل صديقي المكوث حيث انه افتقد مكتبته او بعض مايعزيه عنها، وهو فعلا، لا تكلفا لا يستطيع المكث طويلا بلا كتب، ياله من نحلة كتب!
منذ ذلك اليوم ونادرا ما يفارقني الكتاب في اى سفر... خير الرفاق كما قال المتنبي يرحمه الله... القراءة قد تكون فريضة دراسية او وظيفية، لكن لماذا يكون للقراءة هذا الولع الشديد لدى البعض؟! امرجديربالتأمل،وهوفعلا قد لفت نظرالعديدين من مشاهير الكتاب في ثقافات شتى، ما طبيعة تلك اللذة ؟! اسئلة حاول الكثيرون وضع اجابات لها كل حسب رؤيته، العقاد المفكر الموسوعي، يرى القراءة وسيلته لزيادة رقعة حياته من حيث العمق حيث يتعذر مدها في الحيز الزمني والاجل المحتوم، لذلك هو يضم اليها خلاصات خبرات حيوات من يقرأ لهم!، اما فلوبير الروائي الفرنسي الشهير فيقول: في رسالة الى الانسة شانتيبي «اقرئي كي تحيي»... هكذ ا ومن دون مواربة! القراءة عنده ضرورة حياتية معنوية انسانية.
الدكتور سلمان العودة المفكر الاسلامي يرى ان القراءة وسيلة فعالة للتجوال في عقول البشر من دون الاضطرار لتحمل رعوناتهم! بل لقد ثبت ان للقراءة فوائد تتجاوز القيمة المعرفية الثقافية، ففي بحث طريف للدكتور احمد مستجير يرحمه الله بعنوان: «شيخوخة المخ»... يفيد بانه عليك ان تستخدم مخك والا ضاع!... وانك لا يجب ان تفقد اهتمامك بالعلم مهما كان عمرك، فالاثارة العقلية مهمة والتعليم يطيل العمر!«الصينيون لديهم حكمة قديمة تقول: ان القراءة للعقل كالرياضة للجسم. اضافة لما سبق ربما كانت القراءة الوسيلة الفعالة المتاحة والتى طالما حلم بها البشر للسفر عبر الزمن... الفيلسوف اليابانى فوشيدو كندو يقول في هذا السياق»الجلوس في ضوء الشموع وامامك كتاب مفتوح في حوار مع اشخاص من اجيال لم تعاصرهم، هي المتعة التي ليس لهامثيل«، برغم كل ما سبق من فوائد عظيمة للقراءة، تجد ان المؤشرات على ضعف الاهتمام به بين شبابنا مأساوية بل مخزية، يكفي ان نعرف ان متوسط انتاج الكتب في البلاد العربية هو كتاب لكل 12000شخص بينما لدى الانكليز يصدر كتاب لكل 500 شخص! متوسط قراءة الشخص في الوطن العربي في السنة هو 6 دقائق بينما يمتد لـ200 ساعة فى اميركا واوروبا! ترى هل ياتي اليوم الذي نفقد فيه الكتاب الورقي ونؤبنه بكلمات الرثاء؟ هل سينقرض كما انقرضت كائنات كثيرة؟! اخشى ذلك وارجو الا اشهد ذلك اليوم، ان المعرفة قوة وسبيل للارتقاء الانساني والقراءة اهم ابواب تلك المعرفة ولاتزال»معرة» كلمة ان العرب لا يقرأون التي قالها موشيه ديان الصهيوني... حاضرة بقسوة كافية لان توقظ اولي الالباب!.. اقرأوا يا قومنا... اقرأوا لتحيوا!