أحمد وعبدالله صديقان حميمان منذ زمن بعيد، درسا معا منذ بداية المرحلة الابتدائية حتى مرحلة الثانوية ومن ثم أكملا دراساتهما الجامعية والتخصص نفسه. كانا يعيشان في المنطقة نفسها، يخرجان معا ويقضيان أوقات فراغهما، أيضا معا، في ما يسليهما.
أحمد ينتمي لعائلة متوسطة الدخل، والده موظف في إحدى الوزارات وأمه مدرسة. كان أحمد يبذل الغالي والنفيس في سبيل الحصول على أعلى الدرجات، فكان بكل امتياز متفوقا في دراسته، يحصل على المراتب العليا وبمجهوده الشخصي.
أما عبدالله فلم يكن كذلك، فلقد كان متعثرا في دراسته، ولأن والده تاجر وذو دخلٍ عالٍ وسلطة وجاه، فاضطر به للاستعانة بالمدرسين الخصوصين لكي يتخرج ابنه من الثانوية العامة وبالعامية (بالدز).
ولأن أحمد متفوق، فقد استطاع الحصول على قبول الجامعة الحكومية في التخصص الذي يريد، أما عبدالله فلم يكن يسعفه معدله من الدراسة في الجامعة الحكومية، فاضطر للدراسة في إحدى الجامعات الخاصة وتخصص أحمد نفسه، والطريقة نفسها تخرج عبدالله (بالدز) من الجامعة، أما أحمد فقد تخرج بامتياز مع مرتبة الشرف.
وبسبب سلطة وجاه والد عبدالله، فلم يعانِ عبدالله أبدا من الحصول على الوظيفة التي يريدها وبالمكان الذي يريد وبراتب مميز. أما أحمد فقد حاول جاهدا الحصول على وظيفة مناسبة، في مكان يليق بمؤهلاته ومعدله العالي الذي استطاع الحصول عليه بمجهوده وعرق جبينه، ولكن من دون جدوى.
ولأن والد أحمد موظف بسيط، لم يتمكن من إيجاد (الواسطة) المناسبة التي تمكن ابنه من الحصول على عمل مناسب. وبسبب ذلك، عاش أحمد طويلا من دون عمل، حتى اضطر به الأمر إلى التقدم لديوان الخدمة المدنية الذي رشحه للعمل في مكان لا يناسب إمكاناته وقدراته وتخصصه، وضاع بذلك كل حلم كان يتمنى أحمد أن يصنعه لنفسه.
القصة أعلاه هي من نسج الخيال، ولكنها كثيرا ما تحاكي الواقع، ليس هنا فقط في الكويت، ولكن في كثير من الدول العربية على وجه الخصوص. لا أجد تفسيرا دقيقا لذلك، إلا أننا علينا أن نعيد النظرجميعا بالمفاهيم والمبادئ التي نعيشها ونتعايش معها كل يوم وأن نطبقها على الجميع وبالتساوي. كثيرا ما نشتكي من تأخر وتخلف مجتمعاتنا عن مواكبة ركب الدول المتقدمة ولكن من دون أن نبحث عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك، ولعل السبب في ذلك قد يكون عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وغياب مبدأ العدالة في التعيين وغيرها من الأسباب المتعلقة! والله من وراء القصد.
[email protected]