في الذكرى التاسعة لرحيل أمير القلوب
جابر الأحمد ... مؤسس نهضة «عروس الخليج»
1 يناير 1970
08:39 م
• بنظرته الثاقبة وَضَعَ مبادئ الاستثمار الأساسية لفوائض البلاد النقدية من مبيعات النفط
• سعى إلى توسيع القاعدة الاقتصادية الضيِّقة للكويت باعتماد مواردٍ أخرى غير النفط
• ديوان المحاسبة من أشهر إنجازات الأمير الراحل التي مازالت صرحاً شامخاً
• صندوق احتياطي الأجيال أبرز إنجازات جابر الأحمد وفكرة عظيمة ورائدة على المستوى العربي
• قانون التأمينات الاجتماعية حقق حالة عامة من الشعور بالاستقرار والأمان للموظف الكويتي
• منظومة مجلس التعاون نبعت من قناعته بأن العصر المقبل هو للتكتلات السياسية والاقتصادية
• خاطب دول العالم بأن تُسقط فوائد الديون المستحقة على الدول الفقيرة وتخفيض أصل الدَّيْن على الأشد فقراً
• القضايا العربية كانت شغله الشاغل فكان صاحب فكرة إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية
كونا - تمرعلى الكويت اليوم الذكرى التاسعة لوفاة الأمير المغفور له الشيخ جابر الأحمد، طيَّب الله ثَراه، الذي انتقل إلى جوار ربه يوم 15 يناير عام 2006.
ففي هذا اليوم فجع أهل الكويت بخبر أليم اعتصر قلوبهم، بفقد رجل لطالما أحبهم وعمل من أجل إسعادهم ورفعة وطنهم، فبادلوه الحب والعمل حتى غدت الكويت في عهده «عروس الخليج».
تولى المغفور له الشيخ جابر الأحمد مقاليد الحكم في البلاد في 31 ديسمبر عام 1977 بعد وفاة سلفه الشيخ صباح السالم، وهو الابن الثالث للشيخ أحمد الجابر، والحاكم الثالث عشر للكويت منذ تأسيسها قبل أكثر من قرنين من الزمان.
وقد بزغ نجمه رحمه الله، منذ توليه أولى مهامه الإدارية والسياسية في البلاد عام 1949، عندما عينه والده حاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر نائباً له في مدينة الأحمدي، حيث برزت جهوده وعقليته المنظمة في الاهتمام بالتخطيط العمراني المميز للمدينة، إلى جانب اهتمامه بحفظ الأمن وبناء علاقات مميزة مع شركات النفط.
وطوال 10 سنوات من العمل في محافظة الأحمدي، تبلورت لدى الشيخ جابر الأحمد رؤية اقتصادية شاملة لنهضة الكويت، ظل يعمل على تحقيقها طوال حياته الزاخرة.
وقد أدرك حكام الكويت ممن سبقوا سموه على سدة الحكم تميز فكر هذا الشاب، ولاسيما في المجال الاقتصادي ونظرته المستقبلية للأمور التي تنبع من حبه للكويت وأهلها وحرصه الدائم على توفير سبل العيش الكريم لهم.
فعهد إليه عام 1959 بمهمة إدارة دائرة المال والأملاك العامة للدولة، إضافة إلى مسؤوليته عن مكتب شؤون النفط والإسكان، حيث بدأ سموه في عملية تثمين البيوت بأعلى الأثمان ليستفيد المواطن ولتبدأ الكويت نهضة عمرانية شاملة.
وفي العام نفسه - 1959 - عين الأمير الراحل أيضاً رئيساً لمجلس النقد الكويتي، حيث عمل جاهداً على صدور أول عملة كويتية بعد الاستقلال، والتي صدرت في 1 أبريل 1961 لتحمل صورة أمير البلاد آنذاك الشيخ عبدالله السالم، وتوقيع سمو الشيخ جابر الأحمد، رحمهما الله.
وفي أول تشكيل وزاري في كويت ما بعد الاستقلال والذي شكل في 28 يناير 1963، عين الشيخ جابر الأحمد نائباً لرئيس مجلس الوزراء و وزيراً للمالية والصناعة، لتبدأ البلاد منذ ذلك اليوم عهداً جديداً من التطور والازدهار السريع في مختلف الميادين، ولاسيما الاقتصادي، بفضل إرادة سموه وإصراره على بناء كويت حديثة يشار لها بالبنان.
وقد عمل الأمير الراحل خلال تلك المرحلة على إنجاز العديد من المشاريع المهمة، كتأسيس ميناء الشويخ وإنشاء محطة تكرير مياه البحر، وتأسيس شركة البترول الوطنية الكويتية.
كما كان الشيخ جابر مهندس الاستثمار الكويتي، حيث أسهم بنظرته الثاقبة في وضع مبادئ الاستثمار الأساسية لفوائض البلاد النقدية من مبيعات النفط، ساعياً إلى توسيع القاعدة الاقتصادية الضيقة للكويت باعتماد موارد أخرى غير النفط.
ومن هذا المنطلق جاء إنشاء مكتب الاستثمار الكويتي عام 1950 الذي تطور على يد سموه من مكتب صغير يعمل فيه 11 موظفاً عام 1965 إلى هيئة عامة للاستثمار تشرف على صندوق الاحتياطي العام وصندوق احتياطي الأجيال وجميع الاستثمارات الكويتية الهائلة في الخارج.
ولعل إنشاء ديوان المحاسبة يعد من أشهر إنجازات سموه، التي مازالت صرحاً شامخاً إلى اليوم، يدل على نزاهة سموه وحرصه على المال العام.
فقد حرص سموه منذ اللحظات الأولى لإنشاء ديوان المحاسبة عام 1964 على متابعة كل ما يقع تحت مسؤولياته من مهام وفقاً لما حدده الدستور والقانون، ولاسيما ما يتعلق بالاستثمارات الكويتية في الخارج.
واستمر الشيخ جابر الأحمد في منصبه وزيراً للمالية حتى 30 نوفمبر 1965، حينما اختير من قبل الشيخ صباح السالم أمير الكويت آنذاك، ليكون رئيساً لمجلس الوزراء وفي 31 مايو 1966 بُويِع من مجلس الأمة ولياً للعهد بعد تزكية الأمير له.
ولم تتوقف طموحات المغفور له الشيخ جابر الأحمد وإنجازاته بعد توليه تلك المسؤولية الجسيمة، بل زاده إصراراً وعزيمةً على تحقيق المزيد من النجاحات في مسيرة التقدم الاقتصادي للكويت.
وكان أبرز إنجازات الشيخ جابر خلال فترة ولايته للعهد، والتي لن ينساها الكويتيون جيلاً بعد جيل تلك الفكرة العظيمة والرائدة على مستوى الوطن العربي ككل بإنشاء صندوق احتياطي الأجيال القادمة.
وبناء على ذلك فقد صدر عام 1976 المرسوم بقانون رقم 106 في شأن احتياطي الأجيال القادمة، الذي قرر اقتطاع نسبة 10 في المئة من الدخل العام للبلاد سنوياً، واستثمارها في محافظ استثمارية عالمية، تحت إشراف نخبة من الخبراء الاقتصاديين محلياً وأجنبياً، على أن تودع عائداتها لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال القادمة.
لقد أثبت الزمن وبرهنت الأحداث على مدى صواب هذه الفكرة العظيمة و بُعد نظر الشيخ جابر رحمه الله، حيث شكلت أموال صندوق احتياطي الأجيال الركيزة الأساسية في تمكن القيادة السياسية الكويتية خلال فترة الاحتلال العراقي الغاشم للبلاد عام 1990 من دعم أبناء الكويت في الداخل والخارج والمساهمة الفعالة في تحرير الكويت وإعادة الإعمار.
وللأسرة الكويتية نصيب كبير في اهتمامات المغفور له، فقد حرص على توفير كل ما من شأنه تحقيق الأمن والطمأنينة للمواطن الكويتي، حتى ينعم بحياة سعيدة ومرفهة.
ومن أجل ذلك صدر القانون رقم 61 لسنة 1976 الذي نظم عملية التأمينات الاجتماعية في البلاد وكفل معاشاً تقاعدياً لجميع العاملين في القطاعين الحكومي والخاص والقطاع النفطي بمختلف فئاتهم وحالاتهم، محققاً بذلك حالةً عامةً من الشعور بالاستقرار والأمان للموظف الكويتي.
وقد كان إنشاء بنك مركزي في الكويت أحد تطلعات الأمير الراحل، منذ أن كان وزيراً للمالية ليقوم بمهمة تنظيم سياسة النقد الكويتي والذي تحقق بافتتاح المقر الجديد للبنك في أبريل 1977 لتبدأ الكويت مرحلة جديدة في بناء اقتصاد راسخٍ وثابتٍ.
وبعد وفاة الأمير الشيخ صباح السالم، أصبح سمو الشيخ جابر الأحمد أميراً للبلاد في 31 ديسمبر 1977، لتشهد الكويت في عهده نقلةً كبيرةً على مختلف الأصعدة.
ولم تتوقف مسيرة إنجازات سموه الاقتصادية بعد توليه مقاليد الحكم، بل اتسع نطاقها لتشمل المحيطين الخليجي والعربي ومن ثم العالمي.
فعلى النطاق الخليجي كان الأمير الراحل مهندس فكرة إنشاء منظومة مجلس التعاون الخليجي، النابعة من قناعته بأن العصر المقبل هو عصر التكتلات السياسية والاقتصادية.
ورغبة منه في أن تكون قرارات دول مجلس التعاون منسجمةً مع تطلعات شعوبها، اقترح في قمة الدوحة عام 1996 فكرة إنشاء مجلسٍ استشاري من 30 عضواً من مواطني الدول الست الأعضاء، تُوكل إليه مهمة تقديم النصح والمشورة والرأي للمجلس الأعلى الذي يعتبر السلطة العليا في مجلس التعاون.
أما على الصعيد العربي، فقد كانت القضايا العربية بمختلف أبعادها السياسية والاقتصادية، الشغل الشاغل للشيخ جابر منذ اللحظات الأولى لاستقلال الكويت، فكان صاحب فكرة إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في 31 ديسمبر 1961.
وتولى رئاسة أول مجلس لإدارة الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لتصبح الكويت في طليعة الدول التي تقدم المساعدات في مجال التنمية للدول الأخرى، حتى وصل حجم تلك المساعدات إلى أكثر من 8 في المئة من الناتج القومي الإجمالي للكويت.
ولن ينسى العالم مبادرة الشيخ عام 1988 من على منصة الأمم المتحدة، عندما وقف مخاطباً دول العالم بأن تسقط فوائد الديون المستحقة على الدول الفقيرة، وتخفيض أصل الدين على الدول الأشد فقراً، في هدف سامٍ لتقريب الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
ولم تثنه أشد الأزمات التي مرت عليه وعلى أهل الكويت، من أن ينسى شعوب العالم الفقيرة فوقف رحمه الله، مرة أخرى على منصة الأمم المتحدة في 27 سبتمبر 1990 في عز كارثة الاحتلال العراقي الغاشم للكويت، ليعلن أن الكويت قررت إلغاء جميع الفوائد على قروضها، كما ستبحث أصول القروض مع الدول الأشد فقراً، وذلك من أجل تخفيف عبء الديون التي تقع على كاهل تلك الدول.
كانت تلك نقاطاً قليلةً في بحر مسيرة إنجازات هذا القائد العظيم الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، الذي عشق الكويت وتفانى من أجلها، فقال يوماً «إن عمر جابر الأحمد مهما طال الزمن هو عمر إنسان يطول أو يقصر، ولكن الأبقى هو عمر الكويت والأهم هو بقاء الكويت والأعظم هو سلامة الكويت».
«قائد من طراز فريد بمواقفه الثابتة وسياسته الحكيمة»
مبارك الدعيج: أمير القلوب قاد الكويت إلى بر الأمان وسط عواصف عاتية
كونا - أكد رئيس مجلس الإدارة المدير العام لوكالة الأنباء الكويتية «كونا»، الشيخ مبارك الدعيج، أن أبناء الكويت يستذكرون بكل تقدير وإجلال مسيرة أمير القلوب المغفور له بإذن الله الشيخ جابر الأحمد، الذي قاد سفينة الكويت إلى بر الأمان، وسط أمواج متلاطمة وعواصف عاتية شهدتها المنطقة في العقدين الاخيرين من القرن الماضي.
وقال الشيخ مبارك الدعيج في تصريح صحافي أمس، بمناسبة الذكرى التاسعة لوفاة الشيخ جابر الأحمد، وتصادف اليوم، إن العالم كله أجمع على حكمة الأمير الراحل ونظرته الثاقبة في مواجهة التحديات وإبعاد الكويت عن الصراعات الاقليمية والدولية التي عصفت بالمنطقة.
وأضاف أن التاريخ يذكر للشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه، أنه كان قائدا من طراز فريد، استطاع أن يحافظ على أمن الكويت واستقرارها، وأن يحقق لها مكانة متميزة في العالم، من خلال مواقفه الثابتة و سياسته الحكيمة، التي أدت الى الانفتاح على العالم وإرساء قواعد لعلاقات دولية متوازنة، تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وأوضح أن الأمير الراحل عرف بمبادراته الحضارية، التي اسهمت في اشاعة الخير والتنمية في كثير من دول العالم، مثل تبنيه فكرة إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الذي يقوم بتمويل مشاريع تنموية عملاقة في نحو مئة دولة حول العالم اضافة إلى إعلانه إعفاء الدول الفقيرة من ديونها المستحقة للكويت وغيرها من المبادرات التي ساهمت في إعلاء راية الكويت اقليميا ودوليا.
وذكر أن الأ مير الراحل أسكنه الله فسيح جناته، كان وراء فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي انطلاقا من ايمانه بأن قوة الدول الخليجية واستقرارها يكمن في اتحادها وتماسكها، وهو ما أكدته الايام، حيث كان المجلس درعا واقية لدوله في مواجهة الاحداث في المنطقة العربية.
وقال الشيخ مبارك الدعيج إن الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، حمل منذ أن بدأ العمل السياسي في ريعان شبابه هموم الكويت في قلبه وطموحات شعبها في وجدانه، وبذل الجهد والوقت حتى اللحظات الاخيرة من عمره، فحقق الكثير من الانجازات الخالدة، ونجح في اضافة العديد من الصفحات الناصعة لتاريخ الكويت.
وأكد أن مسيرة الشيخ جابر الأحمد تختزل تاريخ الكويت الحديث وكان رحمه الله شريكا في كل الانجازات التي حققتها الكويت منذ الأربعينات لبناء نهضة شاملة ثم واصل المسيرة بنجاح كبير بعد أن تولى مسند الإمارة أواخر سبعينات القرن الماضي.
وأشار الى الجهود التي بذلها الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، مع رفيقي دربه الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، وسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، في مواجهة الغزو العراقي عام 1990 والوقوف بقوة وصلابة، من أجل استعادة الحق الكويتي وإجبار قوات الاحتلال على الانسحاب من كامل الأراضي الكويتية.