خواطر صعلوك / الشرخ الأوسط!

دعيت إلى العشاء في بيت أحد الأغنياء، وذلك في ليلة رأس السنة الغراء، ثم جاء دور الغناء ودعي بالجواري وكانت أسماؤهن بالتوالي... «بصص ودنانير وليالي»، وكأنهن من العصرالعباسي، وكانت المأدبة عامرة بكل ما لذ وطاب من «أبجاج العكارم وجوازل الطواويس وصدور الدجاج وبعار المعز وثؤاج الضأن»... ولكن العبدلله والموقع أدناه لم يكن يشتهي أن يأكل أو أن يشرب شيئا، والسبب سيداتي سادتي أنني أكتشف بعد دراسة وتحليل أن أوضاع الشرق الأوسط لعام 2014 م لا تختلف عن أوضاعه في عام 1م.

فأعلم يا رعاك الله أن الناس في الشرق الأوسط أنواع ثلاثة لا رابع لهم، النوع الأول هم محدودو الدخل وهم تكملة عدد. والنوع الثاني محظوظو الدخل وهم والد عن ولد. والنوع الثالث هم مهدودو الدخل وهم في شقاء وكبد.

السياسيون نوعان... نوع يحب المديح والإطراء والثروة لحصوله على السلطة... ونوع يحب المديح والإطراء والثروة لتخليه عن السلطة.

وفي الشرق الأوسط ما أجتمع مسؤول بمواطن إلا والإعلام ثالثهما، من أجل استعراض روح الرحمة والمسؤولية.

ولاحظت أن المؤرخ في الشرق الأوسط رعديد شجاع يملك قوة الأسود في مواجهة الحكام الذين أفضوا إلى ربهم، ولكنه يرتعد خوفا وهلعا من الحاكم الحالي والمحافظ ومدير البريد. في الواقع أو قل في الواقح أننا كلنا ذلك المؤرخ.

وأفلاطون وقبله فيثاغورث كتبا على أبواب أكاديميتيها التعليميتين: (لا يدخل من لا يعرف الرياضيات)، وفي مجالس الشرق الأوسط البرلمانية والشعبية والديموقراطية والتي تعتبر أكاديمية سياسية وبداخلها فلاسفة وحكماء وكهنة ولكنهم كتبوا على أبوابها (دع المقادير تجري في أعنتها... ولا تنامن إلا خالي البال)، وفي الجاهلية كان هناك شاعر اسمه كثير عزة وسمي بذلك لان اغلب اشعاره في حب وعشق وهيام عزة، وعندنا هناك سياسي اسمه ( كثير الحكومة) فهو عاشق لها للدرجة التي تجعله يوافق على قراراتها حتى قبل أن تصدر.

كما أن كاتب هذه السطور الطائش والعائش على الهامش لاحظ أننا أصحاب عقلية تعتقد: أن كل فكرة لست صاحبها فهي فاسدة، وكل رواية لم أكتبها فهي هابطة، وكل نقاش لست مركز الدائرة فيه فهو عقيم، وكل حزب لا أنتمي إليه فهو حقير.

ولعل أكثر ما أحزنني أننا نحن العرب مساكين، ليس عندنا (سلاحف النينجا) أو سبايدر مان الذي يحمي نيويورك من المجرمين والفسدة... ولا سوبرمان الذي يلعب دور الشرطي لحل المنازعات في العالم... ولا كابتن أميركا... ولا أيرن مان الذي كل همه أن يحارب الأفغان... وليس عندنا أمثال جراند دايزر فخر اليابان.

وأكتشفت أننا لا نحتاج إلى المقعد الدائم في الأمم المتحدة، لأن المقاعد الدائمة موجودة عندنا أصلا ولا يبرحها المسؤولون إلا بحكم محكمة أو بحكم عزرائيل.

وشاهدت كيف اختفت من العالم أخلاق الفرسان باختفاء الرمح والسيف والحصان؛ وظهرت أخلاق الأمريكان بظهور الأباتشي والمدافع والنابليوم بالأطنان.

وفي الشرق الأوسط قبضة العلم والإنتاج ضعيفة والكل سائر نحو الضعف عدا القبضة الآمنة، فإنها تكبر وتقوى.

وقرأت أنه في هذه السنة مات أرييل شارون الإسرائيلي وظهرت خمسة نسخ منه عند العرب.

قديما كانت هناك فرق ومذاهب مثل المعتزلة والأشاعرة والماتوريدية والجهمية، وجميعها- رغم اختلاف أرائها وتأويلها- إلا أنها كانت عنيدة وتريد تغيير الواقع ولكن اليوم ظهرت بيننا فرقة جديدة وهي فرقة (شئنا أم أبينا)، والتي تنظر ليل نهار وشروق وغروب بأننا شئنا أم أبينا ستقسم مناطقنا، وسنتبع الغرب المتقدم، وعلينا الرضوخ لما يطلبون من أجل غد أفضل ومستقبل مشرق، وشئنا أم أبينا ففلسطين محتلة وأمريكا قوة عظمى وإسرائيل صاحبة ترسانة نووية. لقد فقدت هذه الفرقة القدرة على قول (لا) وبالتالي تخلت عن أغلى ما يملكه الإنسان وهو المقاومة.

وسينتهي بنا المطاف بسبب مثقفي هذه الفرقة في احد المتاحف حيث سنعرض كما يعرض الهنود الحمر والإنسان البدائي، ولكن مع إضافة فقرات خاصة بنا في البروشور لا يشترك معنا فيها احد، سيقال للزائر (كانت أمة تقتات على إنتاج غيرها، وتذبح بأيدي أبنائها، وكانت مثل الطائرة الهليكوبتر تصدر ضجيجا ولكن سرعتها بطيئة).

في الواقع لقد تحولنا من الشرق الأوسط إلى الشرخ الأوسط.

عموما أعود إلى بداية المقال حيث المأدبة العامرة والجواري الساحرة، حيث قال لي صاحب الوليمة: (إلى أين ذهبت بفكرك؟) فقلت إلى الشرخ الأوسط. فجاءت «بصبص ودنانير»... ورشنني بماء الورد والعنبر والمسك، ظنا منهن أني أصبت بمس، فشعرت بالبلل... فإذ بي أستيقظ من النوم على بحيرة صغيرة فعلها ولدي الصغير على فراشنا.

قصة قصيرة:

25 عاما وهو يؤدي الوظيفة نفسها... لا يستطيع أن يزيد عليها أو ينقص منها شيئا... مجموعة عبارات يرددها في الوقت نفسه كل يوم، وعندما سأله أبناؤه: (ألا تشعر بالملل أو الرغبة في التجديد؟)، فقال وقد بدا أنه يعي رسالته جيدا: (إن آذان الفجر هو صرخة للبشرية لكي تنهض من سباتها العميق).

* كاتب كويتي

@moh1alatwan