نصيحة من «هارفارد»
للمدير وليس للموظف: ساعات العمل الطويلة...تضر ولا تنفع!
| إعداد ديالا نحلي |
1 يناير 1970
07:21 م
• التخلص من العادات السيئة يتطلب أكثر من مجرّد محاولة بسيطة للتوقف
• مع تراجع طاقة المرء يميل إلى فهم من حوله بشكل خاطئ وغالباً بطريقة سلبية
في العام 2007، وبالتزامن مع إطلاق ستيف جوبز أول هاتف «آي فون» للعالم، نشر المفكر والكاتب مارشال غولد سميث كتاباً يحمل عنوان «ما أوصلك إلى هنا...لن يوصلك إلى هناك»، بمعنى أن الطريقة التي استخدمتها للوصول لهدف معين، لن تفيد بالضرورة إذا استخدمتها لتحقيق هدف مختلف.
في كتابه لفت غولد سميث إلى أن العديد من التصرفات التي أدت إلى تقدم أصحاب الإنجازات الكبيرة على السلم الوظيفي هي نفسها التي تحول دون بلوغهم القمة. ومن هذه التصرفات سلوكيات معينة على غرار الهوس بالفوز (الحاجة للفوز بجيمع النزاعات في مكان العمل، حتّى التافهة منها)، المبالغة في القيمة المضافة (إضافة رأي المرء الشخصي في جميع النقاشات)، والهوس بتحقيق الأهداف (الهوس بتحقيق الأهداف على المدى القصير ونسيان الأهداف البعيدة).
يجد غولد سميث في كتبه أن اتباع مثل هذه السلوكيات في بداية مسيرته المهنية دليل على أنه حريص، غير أنها سرعان ما تصبح سلبية مع تطوره الوظيفي وتوليه للمناصب القيادية.
وسلط الكتاب الضوء على عادة أخرى في مكان العمل تعتبر سلاحا ذا حدين، الفشل في الانفصال.
على غرار الممارسات الأخرى التي يتناولها غولد سميث في كتابه، من الصعب جداً اكتشاف الضرر الذي يتركه العمل لساعات طويلة على المديرين وموظفيهم.
يعود ذلك في جزء منه إلى أن المرء في بداية مسيرته المهنية ينجح في لفت الأنظار إليه من خلال العمل لساعات إضافية مساءً وخلال عطلات نهاية الأسبوع. وهذا ما يميزه من زملائه الأقل تحفيزاً الذين يتخلون عن الاعتراف المبكر بهم وعن الترقيات، وبهذه الطريقة يصبح الجد في العمل راسخاً كجزء من شخصية المرء.
وعلى الرغم من أن العمل لساعات طويلة قد يكون مفيداً للتطور الوظيفي المبكر للمرء، إلا أنه ومع تقدم مسيرته المهنية، فإن المحافظة على هذه الممارسة قد تضر بتوقعاته المهنية. ويعود هذا بجزء منه إلى التغيير في مسؤوليات الوظيفة.
ففي بداية مسيرته المهنية، يتمحور المعيار الأساسي لقياس الأداء حول حسن إدارته لنفسه، ولكن مع تقدمه المهني، يصبح محور الوظيفة يدور حول إدارة الآخرين، ولا تعود بالتالي القدرات التقنية بالأهمية نفسها، وإنما يصبح النجاح مرتبطاً بالمهارات الاجتماعية.
فما الذي يحدث للمهارات الاجتماعية في ظل الإرهاق في العمل؟ تشير الدراسات إلى أنه مع تراجع طاقة المرء، يميل إلى فهم من حوله بشكل خاطئ، وغالباً بطريقة سلبية، فتصبح الوجوه السعيدة عادية جداً، وتتحول الملامح العادية إلى وجوه عابسة. كما يجد المرء أنه من الصعب عليه مقاومة الحديث بغضب مع الآخرين أو توجيه الإهانات لهم، فتصبح نظرته إلى الحياة أكثر سلبية وتصرفاته بناء على هذا الأساس.
ولا يشكل تراجع مستوى التواصل مع الآخرين الخطر الوحيد الناجم عن الفشل في الانفصال، وإنما يشمل كذلك إصدار الأحكام.
وكلما تطور المركز الوظيفي، كلما زادت التوقعات لاتخاذ القرارات المعقدة. وغالباً ما تتراجع نوعية القرارات لدى الشعور بالتعب، فالعمل لساعات إضافية وما يتبعه من حرمان من النوم يحول دون رؤية المرء للمشاكل بشكل واضح وتحديد الحلول المبتكرة لها.
إلى ذلك يكمن الخطر الأكبر من الفشل في الانفصال لدى تولي المرء لمنصب عال في عمله، بأن تصرفاته تصعب على فريق عمله الاستمرار في تقديم أفضل ما لديهم في العمل. والسب في ذلك يعود إلى أن عادات المديرين في مكان العمل لا تعود مجرد أمر شخصي، وإنما تعكس التوقعات.
في الإطار نفسه، وجدت دراسة أجريت عام 2010 حول ما يمكن أن يحدث عندما يصبح الموظفون غير قادرين نفسياً على الانفصال عن العمل خلال إجازاتهم. وقد استطلعت الدراسة مئات الموظفين في عدد من المؤسسات مرتين، مرة عند بداية الدراسة ومرة أخرى بعد مرور نحو عام.
وجاءت النتائج واضحة جداً، فقد بيّنت أنه بعد مرور عام يعاني الموظفون من نقص في أوقاتهم الحرة بعيداً من العمل، ويشكون من مشاكل نفسية وعوارض جسدية على غرار آلام الرأس والمعدة.
من المؤكد أن العمل لساعات طويلة لا يؤدي بالضرورة إلى الانفصال، إذ يؤكد معظم الموظفين الذين اختبروا العمل في عطلة نهاية الأسبوع، وجود فرق كبير بين اختيار المرء الحر لأن يحضر إلى المكتب خلال عطلة نهاية الأسبوع وبين أن يتوقع الآخرون منه القيام بذلك.
ويسلط هذا الضوء على سبب آخر يجعل الانفصال عن العمل أمراً ضرورياً لأداء المديرين، فعندما يكون عدم التوقف عن العمل إجراءً إدارياً عادياً، يصبح من الصعب على الموظف الشعور بأن العمل بجهد اختيار شخصي يقوم به.
فما الذي يمكن للجميع القيام به للانفصال بشكل أسهل؟ في هذا المجال تحدث غولد سميث في كتابه عن أهمية «التفكير بأهداف صغيرة».
فعلى المرء البحث عن تفاصيل صغيرة يمكنه تغييرها بسلوكه والبدء من هناك. فمعظم المحاولات لتغيير التصرفات غالباً ما تؤول إلى الفشل لمجرد كونها طموحة جداً.
وبدلاً من محاولة تعديل جميع السلوكيات التي يتبعها المدير في مكان عمله، عليه البحث عن تعديل بسيط سيشعره بالتحسن على غرار ترك الهاتف في غرفة أخرى لحظة دخول المنزل كي لا يشعر بالإغراء لتفقد الاتصالات الواردة أو البريد الإلكتروني بشكل دائم.
كما يمكن للمدير التوقف عن «محاولة الانفصال» وإيجاد نشاط ممتع يملأ أوقات فراغه، على غرار ممارسة الرياضة. ولا تساهم هذه النشاطات بتنشيط طريقة تفكير المرء فحسب، وإنما تسمح له بإعادة جدولة وقته بعيداً عن المكتب. وبالتالي بدلاً من توبيخ نفسه على عدم العمل لساعات إضافية، فإنه سيقضي وقته في ممارسة النشاطات التي يحب.
وبحسب ما يؤكده الخبراء فإن التخلص من العادات السيئة يتطلب أكثر من مجرد محاولة بسيطة للتوقف، و إنما تستدعي إيجاد بدائل تشكل مصدر جذب يمكن للمرء ممارستها.
(رون فريدمان - هارفارد بيزنس ريفيو)