ضوء

السودان (1)

1 يناير 1970 06:24 ص
منذ أن كنت طفلة صغيرة وأنا أحلم بزيارة السودان، ربما لأنها أكبر دولة عربية مساحة، أو ربما لأنني قرأت روايات الطيب صالح وأشعار محمد الفيتوري منذ نعومة أظفاري وتمنيت أن أتعرف على موطنهما، وكنت أسأل نفسي لماذا سميت عاصمة السودان بالخرطوم؟

وأخيرا تحقق حلمي بعد سنين طوال، وزرت الخرطوم لأول مرة في العام 2013، بدعوة كريمة من (الألكسو) المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

لم تفاجئني طيبة الشعب السوداني، فكما كنت متوقعة تماما، وجدت هذا الشعب على سجيته وطيبته وأصله الكريم، لكنني انبهرت من شغف هذا الشعب للثقافة وحبه للقراءة، وجدت شعبا يتلهف للكلمة المكتوبة ويتابعها بكل اهتمام، شعباً يحترم الكتاب ويقدره، شبابه وشيوخه، نساءه ورجاله، أيضا أعجبت بالحفاوة التي تم التعامل معنا بها، كانت الصورة التي تراود ذهني قبل زيارتي للخرطوم والتي تبثها وتروجها كل من أجهزة الإعلام الغربي والعربي، وتثبتها في عقل المرء، بأنني متوجهة إلى أرض عذراء ليس بها من وسائل الحداثة والتحديث أي شيء، وإذا بي أرى أمام عينيّ الحفاوة الواضحة من قبل الجهات المختصة، سواء في مكتب الرئاسة أو العلاقات العامة وغيرها من الجهات، وذلك التنظيم الجميل من قبل منظمي المؤتمر، فمنذ أول ما حطت قدماي على أرض مطار الخرطوم، فإذا بسيارة خاصة تنقلنا مباشرة من بعد نزولنا من سلم الطائرة إلى قاعة استقبال كبار الزوار، ويتم بعدها اتخاذ الإجراءات اللازمة في الجمارك والعفش، ليتم تسلمنا جوازات السفر دون أي جهد جهيد، ومن ثم يتم نقلنا بسيارات رئاسة الجمهورية إلى فندق كورنيثيا الفخم والمطل على النيل الأزرق، ومن شرفة الغرفة المطلة على التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق في منظر مشرق بديع، تيقنت من جمال الخرطوم، وأمامنا تلك الواحة الخضراء الممتدة من الأشجار الوارفة في جزيرة توتي والتي تمد العاصمة كلها بكافة أنواع الحمضيات الطازجة، وذلك الكورنيش الممتد الطويل الذي تمنيت أن تنتشر المحلات الصغيرة والباعة على ضفتيه ليعج بالحياة، والذي أجزم لو كان مثله في القاهرة أو بيروت لكان يعج بالبشر والباعة والحركة والروائح والأشكال ليل نهار، لكن عندما مررت على الكورنيش ولم أر إلا قلة قليلة من السائرين بجانبه، شعرت بأن السودان فعلا بلد حجمه الجغرافي أكبر بكثير من تعداد سكانه، فالثلاثون مليون نسمة فقط يتوزعون على مساحة قدرها 650 ميلا مربعا، أي على أكبر دولة عربية مساحة، وكنت أشعر أن هذه المساحة يمكن أن تستوعب كل الشعب العربي من كافة أقطاره.

كان المشاركون في المؤتمر من مختلف أقطار الدول العربية، وكان ما يميز المؤتمر بشكل لافت للنظر ذلك التنظيم الواضح، فمن افتتاحه من قبل رئيس الجمهورية في قاعة المؤتمرات، إلى جدول أعماله حتى جلساته وأوراق العمل وكل فعالياته، وحتى تنظيم دعوات الغداء والعشاء، ولم يتوقع أي من المشاركين هذا التنظيم والدقة في العمل، فقد تحولت قاعات الفندق إلى خلايا نحل في العمل والتنظيم، وكان دور المرأة السودانية واضحا و بيّنا لكل عين، أبهرتنا هذه المرأة الفارعة الجميلة بالتزامها وعملها الدؤوب المخلص، والذي كسرت بفضله كل ما يقال عن الكسل والتباطؤ الذي يُتهم به الشعب السوداني.

وقبل أن أنهي شهادتي أعود إلى السؤال الأول لأجيب، ذلك أن من ينظر إلى خارطة السودان، يلاحظ أن التقاء النيلين الأبيض مع الأزرق في العاصمة يظهر على شكل خرطوم الفيل، لذلك سميت العاصمة بالخرطوم.

أخيرا كم أتمنى أن يلتفت الإخوة العرب إلى هذا البلد الشاسع الجميل، نعم لا يخفى على الجميع ما قدمته بعض أقطار الخليج العربي مثل الكويت والإمارات من مساعدات مادية ومشاريع خيرية، لكن الحاجة على ما أعتقد إلى عمل مشاريع استثمارية تنموية تدر الخير على السودان وشعبه من جهة، وتحقق من جهة أخرى الأرباح للأفراد والدول المستثمرة.