«الجنايات» أصدرت حكمها المتضمن مصادرة حاسبه وهاتفه في قضية إساءته للسعودية
حبس صالح السعيد 4 سنوات... مع النفاذ
| كتب أحمد لازم |
1 يناير 1970
08:32 ص
قضت محكمة الجنايات برئاسة المستشار محمد راشد الدعيج بحبس صالح السعيد أربع سنوات مع النفاذ وبمصادرة جهازي الحاسب الآلي والهاتف النقال، عن تهمة القيام بعمل عدائي ضد المملكة العربية السعودية في مكان عام عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» والتي كان من شأنها تعريض دولة الكويت لخطر قطع العلاقات السياسية معها.
وأرست المحكمة في حكمها الذي أصدرته أمس مبدأ أنه «من الأصل الدستوري حرية الفكر وإبداء الرأي، بما في ذلك حرية ابداء الآراء السياسية، سواء في ما يتصل في الشأن المحلي أو الدولي، بما يخدم المصلحة العامة، بيد أن هذا الحق لا يتضمن الاساءة أو التجني أو الطعن الموجهة بشكل سافر للدول الشقيقة أو الصديقة لدولة الكويت، أو التدخل في شؤونها الداخلية بما لا يتفق مع نظم وقوانين تلك الدول، فإذا تجاوز من يحمل الجنسية الكويتية أو المقيم على أرض الكويت هذا الحد وجب مؤاخذته، باعتباره مرتكباً لجريمة القيام بعمل عدائي ضد تلك الدولة، من شأنه تعريض الكويت لقطع العلاقات السياسية معها».
دفوع النيابة
وكانت النيابة العامة قد أسندت للمتهم أنه في غضون الفترة من اخر سبتمبر حتى منتصف أكتوبر عام 2014 قام بغير إذن من الحكومة بعمل عدائي ضد دولة أجنبية «المملكة العربية السعودية» في مكان عام، وهو موقع التواصل الاجتماعي - تويتر - عبر حسابه الشخصي «salehalsaeed@» بأن سطر العبارات الثابتة في التحقيقات، والتي من شأنها تعريض دولة الكويت لخطر قطع العلاقات السياسية معها، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات، وانه تعمد الاساءة عن طريق استعمال جهاز الاتصال الهاتفي، على النحو المبين بالتحقيقات.
وركنت النيابة العامة لأدلة الثبوت في عقد الخصومة بالدعوى الماثلة قبل المتهم، والتي تضمنت شهادة الشهود، واقرار المتهم بتحقيقات النيابة، وكتاب سفارة المملكة العربية السعودية، ومن العبارات التي دونها المتهم في حسابه في موقع تويتر.
فقد شهد ضابط الادارة العامة لأمن الدولة برتبة ملازم في تحقيقات النيابة العامة بأن المتهم تعمد الإساء للمملكة العربية السعودية وذلك بالتشكيك في قضائها، ونقد سياستها الخارجية، والطعن برموزها، والادعاء بوجود خلاف حدودي بينها وبين دولة الكويت، واتخذ من حسابه الشخصي «salehalsaeed@» بموقع التواصل الاجتماعي بالإنترنت «تويتر» وسيلة لنشر تلك الاساءات بحق المملكة العربية السعودية، وقد كتب بهذا الشأن عدة عبارات «تغريدات» بحسابه المذكور خلال الفترة من اخر سبتمبر حتى منتصف اكتوبر عام 2014 أساء بها للمملكة العربية السعودية، واستطرد بالقول ان المتهم أقر له بأنه صاحب الحساب المذكور و من كتب عبارات موضوع الاتهام «التغريدات» وبأنه سوف يستمر بمهاجمة المملكة العربية السعودية. كما شهد مستشار ديبلوماسي بوزارة الخارجية في تحقيقات النيابة العامة بمضمون ما شهد به سابقه، وأضاف أن وزارة الخارجية تلقت يوم 16/ 10/ 2014 احتجاجاً رسمياً من سفارة المملكة العربية السعودية بدولة الكويت تضمن استياء شديد اللهجة بشأن العبارات «التغريدات» التي سطرها المتهم بحسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» والبالغ عددها ست عشرة عبارة «تغريدة»، أساء بها المتهم للمملكة العربية السعودية، وقد سبق لتلك السفارة وأن احتجت رسمياً على تغريدات سابقة للمتهم، وتم احالته بسببها للنيابة العامة بواقعة منفصلة عن الدعوى الماثلة، إلا أن المتهم وبالرغم من احتجاج السفارة وعلمه بذلك لم يكف نفسه عما بدر منه، بل استرسل بإساءته للمملكة العربية السعودية، وقد تضمنت بعض تغريداته استهزاء بوزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل، وأشار بمعرض أقواله إلى ان ما قام به المتهم من شأنه أن يؤدي الى قطع العلاقات السياسية بين الكويت والمملكة العربية السعودية.
وأضافت النيابة: وحيث ان المتهم صالح السعيد إذ استجوب في تحقيقات النيابة العامة، وقرر بأنه يحمل الجنسية الكويتية وبأنه صاحب الحساب «salehalsaeed@» بموقع تويتر، وأنه هو الذي سطر العبارات محل الاتهام بحسابه المذكور، ولا أحد سواه يكتب بذلك الحساب لوجود رقم سري خاص به وحده، وأنه يدخل على ذلك الحساب بواسطة جهاز هاتفه النقال أو عبر جهاز الكمبيوتر الخاص به، بعد الاتصال بشبكة الانترنت، وأضاف ان كافة العبارات «التغريدات» التي يسطرها في حسابه المذكور يطلع عليها الكافة إذ ان حسابه مفتوح للجميع، وقد بلغ عدد متابعي تغريداته 18 ألف شخصاً، وان كتاباته التي سطرها بالحساب بحق المملكة العربية السعودية كانت من باب النصح، ومطالبتها بإعادة الأراضي الكويتية بعد أن استولت عليها، وأشار الى ان العلاقة بين الكويت والسعودية لم تتأثر من تلك التغريدات، لأن هذا لا يمثل رأي الدولة بل رأيه الشخصي فقط. هذا وثبت من كتاب سفارة المملكة العربية السعودية لوكيل وزارة الخارجية الكويتية المؤرخ في 16/ 10/ 2014 والممهور بتوقيع سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الكويت الدكتور عبدالعزيز الفايز، احتجاج المملكة العربية السعودية بشأن تغريدات المتهم المتعلقة بالشأن الداخلي السعودي، وتطاوله على المملكة العربية السعودية، والداعية للتحريض على اثارة الفوضى داخل المملكة، والتشجيع على العنف، والتطاول على الأسرة المالكة والقضاء السعودي، وتشويه الصورة الحقيقية للملكة بتلك الكتابات، مما التمس ايقاف كل مما شأنه ان يمس العلاقات الثنائية بين البلدين.
رأي المحكمة
وحيث تداولت الدعوى على النحو المثبت بمحاضر جلساتها، وبها احضر المتهم من محبسه، وسألته المحكمة عما اسند اليه فأصر على الانكار، وحضر معه ثلاثة مدافعين، ترافع كل منهم على حدة شفاهة، شارحين ظروف الدعوى وادلتها بالتفنيد، كما قدم كل منهم مذكرة بدفاعه المسطر - تتمة لدفاعه الشفوي - اذ خلص دفاعهم في مجملة الى طلب براءة المتهم، تأسيسا لعدم توافر الركن المادي للجريمة المسندة اليه بالتهمة الاولى، كون ان التعبير عن الرأي لا يمكن ان يعد من قبيل الفعل المادي العدائي الذي يمكن ان يلحق الضرر بالدولة الاجنبية، الى جانب انتفاء القصد الجنائي لديه عن ذات التهمة حيث ان العبارات التي سطرها بحسابه كانت من باب النصح للمملكة العربية السعودية ولم يقصد بها الاساءة فضلا عن توافر اسباب الاباحة من جريمة القذف وفق المادة 214 من قانون الجزاء وبالاضافة إلى ما قام به المتهم لم يخرج عن نطاق حرية الرأي المكفولة بالدستور، وان العلاقات لم تتأثر بين دولة الكويت والمملكة العربية السعودية بشأن تغريدات المتهم، وببطلان التحريات وعدم جديتها وطلب استدعاء ممثل عن وزارة الخارجية لمناقشته امام المحكمة، وصمم دفاع المتهم اصليا القضاء ببراءته مما اسند اليه واحتياطيا استعمال منتهى الرأفة معه، كما اورد دفاع المتهم في متن مذكرة دفاعه بوقف الفصل في الدعوى - الماثلة - واحالة اوراقها الى المحكمة الدستورية للفصل بدستورية نص المادة الرابعة من القانون رقم 31 لسنة 1970 لمخالفته نصوص المواد 30، 36 من الدستور الكويتي.
ورأت المحكمة انه لما كان الثابت من الاطلاع على الاوراق ان المدافع عن المتهم لئن اشار في مذكرة دفاعه التي قدمها للمحكمة بجلسة المرافعة الى طلب سماع اقوال ممثل عن وزارة الخارجية، إلا انه اختتم مرافعته الشفوية بتلك الجلسة بطلب الحكم ببراءة المتهم، دون انا يتمسك بسماع اقوال الموظف المذكور، كما انه لم يورد بمذكرة دفاعه التي قدمها للمحكمة ذلك الطلب في ختامها، وعلى سبيل الاحتياط في حال ان لم تأخذ المحكمة بدفاعه، بما يفقد طلبه هذا خصائص الطلب الجازم الذي تلتزم المحكمة باجابته او الرد عليه، لذا فإن المحكمة تلتفت عن هذا الطلب، وتمضي في نظر الدعوى مكتفية بإيراد ذلك بالاسباب دون النص عليه بالمنطوق. وحيث عن الدفع بقيام اسباب الاباحة لدى المتهم من جريمة القذف وفق المادة 214 من قانون الجزاء، فلما كان تقرير الاتهام لم يتضمن اسناد تلك الجريمة للمتهم، لذا فإن في حل من الرد على هذا الدفع وتلتفت عنه. وحيث إنه عن الدفع المبدي من المحامي «المدافع عن المتهم بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون رقم 31 لسنة 1970 لمخالفته نصوص المواد الرقيمة 30، 32، 36 من الدستور الكويتي، فإنه لما كان الدفع بعدم الدستورية يتطلب وكالة خاصة يفوض الموكل فيها دفاعه بابداء هذا الدفع امام محكمة الموضوع، كما يجب ان تكون الوكالة سابقة على ابدائه وليست لاحقة عليه، حسبما افصحت عن ذلك المحكمة الدستورية بحكمها الصادر بالطعن رقم 1 لسنة 1981 بجلسة 1981/7/11 حيث انه لما كان ذلك وكانت اوراق الدعوى قد خلفت من وجود وكالة للمحامي يوسف دشتي «تبيح له ابداء الدفع المذكور، ولا يُغني عن ذلك توكيل المتهم له شفاهة بجلسات المحاكمة، كما لا ينال من وجود ذلك الحق بالوكالة الصادرة من المتهم المحامي، اذ ان الاخير لم يُبدِ ذلك الدفع بمرافعته الشفوية او بمذكرة دفاعه المسطر، ولم ينضم به للمحامي «يوسف دشتي» بجلسة المرافعة عند ابداء المحامي المذكور له، فضلا على ان المتهم لم يقر دفاعه بهذا الاتجاه، ويكون هذا الدفع قد اقيم ممن ليس لديه صفة فيه، ومما تقضي معه المحكمة بعدم قبوله مع الاكتفاء بايراد ذلك بالاسباب دون النص عليه بالمنطوق.
ومن حيث عما اثاره الدافع عن المتهم بانتفاء الركن المادي للجريمة موضوع التهمة الاولى، وان التعبير عن الرأي لا يعد من قبيل الافعال المادية العدائية التي يمكن ان تلحق الضرر بالدولة الاجنبية، فإنه لما كان من المقرر «ان النص في المادة 4/1 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء على ان: «يعاقب بالحبس الموقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات كل من قام بغير اذن من الحكومة بجمع الجند او قام بعمل عدائي اخر ضد دولة اجنبية من شأنه تعريض الكويت لخطر الحرب او قطع العلاقات السياسية»، مفاده ان الركن المادي لهذه الجريمة هو القيام دون اذن من الحكومة بجمع الجند لتحقيق غرض يتنافى مع مصلحة دولة اجنبية، او ارتكاب اي عمل عدائي اخر ضد مصلحتها يكن من شأنه تعريض الكويت لخطر الحرب او قطع العلاقات السياسية، وجمع الجند الذي تحدث عنه النص هو مثال قانوني للعمل العدائي محل التجريم الذي لا يشترط فيه حتما أن يكون من جنس جمع الجند الذي نصت عليه المادة على استقلال بحسبانه عملا عدائيا ظاهر الخطورة، واذ اردفت تلك المادة فوصفت العمل العدائي بان يكون من شأنه تعريض الكويت لخطر الحرب أو قطع العلاقات السياسية، وجب الاهتداء في تحديده بان يكون من شأنه أن يؤدي إلى هذه النتيجة التي حددها النص، وعلى هدى ذلك فان العمل العدائي في حكم نص هذه المادة هو كل فعل يكشف عن المنابذة والانتهاك وينم بطبيعته عن المعاداة أو الامتهان لمصالح الدول الاجنبية، والتي يكون لها خطرها في الظروف المختلفة التي تقع فيها سواء من حيث الزمان والمكان، أو من حيث مدى حساسية ونوع العلاقات بين دولة الكويت والدولة التي يرتكب الفعل ضدها، ومن ثم حق اعتبار كل فعل توافرت له العناصر المتقدمة عملا عدائيا ومن امثلته القيام بالتدرب على حمل السلاح أو على استعمال الذخيرة أو تلقن الفنون الحربية داخل اراضي الدولة الاجنبية، ويتعين في هذا العمل أن يكون فعلا مادياً وخارجياً ملموساً محسوساً، لان الاعمال غير المادية التي يبطنها الشخص ولا يلمسها الغير لا ينالها التجريم والعقاب، وكان تقدير ما إذا كانت الافعال محل الاتهام تدخل في عداد الاعمال العدائية التي يجرمها القانون هو من شؤون قاضي الموضوع ما دام يقيمه على ما ينتجه، «محكمة التمييز بالطعن رقم 713 لسنة 2010 جزائي الصادر بجلسة 1/ 4/ 2012».
توافر الركن المادي
ولما كان ما تقدم وهديا به، وكان الركن المادي للجريمة وفق ما اجمع عليه الفقه، استقرت به احكام القضاء، بانه نشاط الفاعل الاجرامي، الذي يشكل كيان الجريمة في الحياة الخارجية، ويستوي أن يكون فعلا ايجابيا أو سلبيا، ولا اهمية بعد ذلك للوسيلة التي ارتكبت بها الجريمة، لما كان ذلك وكان للفعل المادي في الجنائية رقم 4 الواردة بالقانون رقم 31 لسنة 1970، صورتان الاولى: هي جمع الجند ضد دولة اجنبية دون اذن من الحكومة الكويتية، والثانية: القيام بعمل عدائي ضد دولة اجنبية، ويكون من شأن أي من هاتين الصورتين تعريض الكويت لخطر أن تعلن تلك الدولة الحرب عليها أو تقطع العلاقات السياسية معها، ويستوي في الجاني أن يكون كويتيا أو اجنبيا يقيم في الكويت، والمراد بالعمل العدائي الذي يرتكب ضد الدولة الاجنبية ويكون من شأنه احداث تلك النتيجة، أو احتمال حدوثها والتي قد تحوط لها المُشرع - الحرب أو قطع العلاقات السياسية - هو كل سلوك مادي بحت يهدف إلى معاداة الدولة الاجنبية، وليس باللازم أن يتسم العمل العدائي بطابع العنف المادي أو بوسائل القسر كما هو الشأن في الاعتداءات الانتقامية في البحر على سُفن الدولة الاجنبية أو الاعتداء على حدودها، إذ ان عبارة الاعمال العدائية من العموم بحيث تتسع لكثير من الفروض، فالمرونة هي الصفة التي تُميز الجرائم الواقعة على امن البلاد الخارجي، ويُعزى ذلك أنه يصعب تحديد الافعال الماسة بأمن البلاد الخارجي سلفا، إذ انها تتطور بتطور الازمنة، وهذا على خلاف باقي نصوص التجريم فهي دقيقة التعبير واضحة الالفاظ صريحة الدلالة على مراد النص، ولهذا عمد المشرع على تسمية عبارة تواكب تنامي الاسلوب الاجرامي بغية حماية امن البلاد الخارجي، وعلاقتها بالدول الاخرى وترك الحرية لقاضي الموضوع في توصيف الفعل المادي لبيان مدى انطباق مادة العقاب عليه، ولما كان الواقع قد اثبت - بما لايدع مجالا للشك - من ان هناك كثيرا من الاعمال العدائية التي توجه ضد بعض الدول لا تتجلى بطابع العنف، بل تتخذ وسائل مادية اخرى تحت غطاء اخر كحرية الرأي، وهي قد تكون اكثر عداء واشد خطراً وضررا وايلاما على الدول وأمنها واستقرارها من بعض اعمال العنف التقليدية.
ورأت المحكمة: «ان الكتابة الصحافية والخطب وما اليها افعال مادية، خارجية وملموسة، ويصح ان تكون عدائية، فتدخل في نطاق النص، اذا تجاوزت الحدود القانونية لحرية ابداء الرأي، وكانت تلحق اذى او تعرض للخطر مصلحة دولية اجنبية.
ولما كان ذلك وكان المتهم قد أنشأ على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) حساباً خاصاً به وأعلن عن نفسه فيه بوضع صورته واسمه ورمز حسابه «salehalsaeed@»، واستخدم وسائل الاتصالات الهاتفية «جهازي الكمبيوتر والهاتف النقال» للنفاذ لذلك الموقع، وكتب فيه عبارات (تغريدات) اتسمت بالطابع العدائي وتضمنت عبارات وأقوال جاءت واضحة الألفاظ وصريحة الدلالة والمعنى على الاساءة للمملكة العربية السعودية، ومن شأنها التأثير على العلاقة القائمة بينها وبين دولة الكويت - وبهذا يُعد سلوك المتهم - وفق ما انتهت إليه المحكمة على النحو المتقدم - سلوكاً مادياً عدائياً تحققت به جريمة القيام بأعمال عدائية ضد دولة أجنبية - وهي المملكة العربية السعودية - كما عناها القانون. وحيث انه عن الدفع المبدئ من دفاع الحاضر مع المتهم بعدم توافر القصد الجنائي لديه بشأن الجريمة موضوع التهمة الأولى، وبأنه لم يكن ينوي الاضرار بعلاقة دولة الكويت مع أي دولة أخرى، فإن هذا الدفع غير سديد، ومردود عليه بأن الجريمة المؤثمة بنص المادة 4/1 من القانون رقم 31 لسنة 1970 هي من الجرائم العمدية، والتي لم يتطلب فيها المُشرع قصدا خاصا لدى الجاني حتى يكتمل بناؤها، ولا ينفي القصد الجنائي العام فيها لدى الجاني اعتقاد هذا الاخير على خلاف الواقع من ان مسلكه لا يتصف بالعمل العدائي تجاه الدولة الاجنبية، ولما كان ذلك وكان المتهم دأب على الاساءة للمملكة العربية السعودية ولم تصدر منه عبارة منفردة اساء بها للمملكة العربية السعودية، بعد ان اعوزه التعبير ومن ثم تداركها لاحقا بالاعتذار او التنويه، لكنه قام عامدا متعمدا بتسطير عدد ست عشرة عبارة «تغريدة» خلال قرابة خمسة عشر يوما في حسابه المتاح للكافة بموقع التواصل الاجتماعي «توتير» بحق تلك الدولة، تجنى فيها عليها بالقول، وانه لم يكف نفسه بعد شكايته من قبل سفارة المملكة العربية السعودية بشأن ما بدر منه، هذا فضلا عن اقراره لضابط المباحث - الشاهد الاول والذي تطمئن لاقواله المحكمة - من انه سوف يستمر بمهاجمة المملكة العربية السعودية حتى تعود الاراضي الكويتية المغتصبة منها حسب زعمه، الامر الذي ينم عن سوء مقصده وشدة عداءة لتلك الدولة، وبما يؤكد على ان المتهم قد انصرفت ارادته للقيام بنشاط عدائي تجاه المملكة العربية السعودية ومن ثم الاضرار بعلاقتها مع الكويت، ويضحى الدفع فاقدا لسنده الواقعي والقانوني.
تغريدات عدائية
وحيث انه لما كان ذلك وكانت واقعة الدعوى - حسبما استقرت في يقين المحكمة - واطمأن اليها ضميرها، وارتاح لها وجدانها - مستخلصة من اوراقها وما تم بها من تحقيقات، وما دار بشأنها بجلسات المحاكمة تتحصل في ان المتهم وهو كويتي الجنسية، استخدم الشبكة العالمية الانترنت، التي يستطيع الدخول اليها اي شخص من اي مكان في العالم، وان يقرأ ما يكتب فيها، وانشأ على تلك الشبكة العنكبوتية باسمه على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) وأعلن عن نفسه فيه بوضع صورته واسمه ورمز حسابه «salehalsaeed@»، واستخدم وسائل الاتصالات الهاتفية «جهازي الكمبيوتر والهاتف النقال» للنفاذ لذلك الموقع، وكتب فيه عبارات (تغريدات) اتسمت بالطابع العدائي وتضمنت عبارات وأقوال جاءت واضحة الألفاظ وصريحة الدلالة والمعنى على الاساءة للمملكة العربية السعودية، ومن شأنها التأثير على العلاقة القائمة بينها وبين دولة الكويت، وتكدير صفو تلك العلاقة حين هاجم المملكة العربية السعودية وقضاءها وادعى احتلالها لبعض الأراضي الكويتية، ووجود خلاف حدودي بين البلدين بهذا الشأن، بالإضافة لاحتلالها لأراضي مملكة البحرين، كما تطاول على وزير خارجية المملكة العربية السعودية، وقد نشر تلك العبارات البالغ عددها ست عشرة تغريدة في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي الالكتروني (تويتر) عن طريق شبكة المعلومات الدولية، وكان ذلك بأسلوب عدائي موجه استمر قرابة خمسة عشر يوماً من أواخر سبتمبر حتى منتصف أكتوبر عام 2014، مع علمه بأنه موقع عالمي ومتاح للكافة مشاهدته من داخل وخارج دولة الكويت، قاصداً اطلاع الغير عليها، إذ ان المملكة العربية السعودية وهي من دول مجلس التعاون قد استنكرت وقدمت احتجاجاً رسمياً لوزارة الخارجية بشأن عبارات المتهم «تغريداته» بما يُنبئ عن احتمال تأثر العلاقة الاخوية بين البلدين بسبب أفعال المتهم العدائية التي تتحقق بها جريمة القيام بأعمال عدائية ضد دولة أجنبية، واساءة استعمال وسائل الاتصالات الهاتفية كما عناها القانون. وحيث انه لما كان ما تقدم وهدياً به، وكانت المحكمة - بعدما أحاطت بالواقعة موضوع الاتهام، ووجوهها القانونية عن بصر وبصيرة، وأمعنت النظر وفي كافة أدلة الدعوى - تطمئن إلى أدلة الثبوت المار بيانها لسلامة مأخذها ولخلوها من ثمة شائبة لتساندها مع بعضها البعض، وكفاية مضمونها ومؤداة للتدليل على صحة الاتهام المسند إلى المتهم، وثبوته في حقه بالوصف الذي أسبغته عليه النيابة العامة، والمستمدة من شهادة الشهود، واقرار المتهم بتحقيقات النيابة، وكتابي سفارة المملكة العربية السعودية، ووكيل وزارة الخارجية للنائب العام، ومن العبارات التي سطرها المتهم في حسابه في موقع تويتر، وذلك على الصورة التي استخلصتها المحكمة على النحو المقدم - ولم يلق دفاع المتهم أمامها ما يزعزع عقيدتها فيما انتهت إليه لا سيما وقد انصرف أوجه باقي دفاعه الى الجدل في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى، والتشكيك فيها، وهو ما تستقل به المحكمة، ولا يجوز الدخول في نطاق سلطتها في تقدير أدلة الدعوى، والتي اطمأنت إليها وعلى نحو ما حصلته المحكمة، ووقر في وجدانها، فان هذا الدفاع برمته يكون على غير ذي اساس حرياً برفضه.
يقين بالجريمة
ومن ثم يكون قد استقر في عقيدة المحكمة بيقين، لا يحوطه ادنى شك ان المتهم في الزمان والمكان سالف الذكر قد قارف الجريمتين المستندتين اليه بكيفهما ووصفهما الواردين في تقرير الاتهام، حسبما انتظم به القيد مواد وسطر بالوصف افعالاً، ما يتعين معاقبته عنهما بالعقوبة المقررة لهما، وحيث ان التهمتين التي ادين بهما المتهم قد وقعتا لغرض اجرامي واحد، وارتبطا ببعضهما ارتباطا لا يقبل التجزئة ومن ثم بتعين، وعملا بنص المادة 84/1 جزاء الا يعاقب بغير العقوبة المقررة لاشدهما بما يستوجب اعتبارهما جريمة واحدة، ومن ثم معاقبته وفق عقوبة الجريمة موضوع التهمة الاولى، وذلك نزولا على مقتضى حكم المادة 172/1 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية. وحيث انه عن جهازي الحاسب الآلي والهاتف النقال، فان المحكمة تقضي بمصادرتهما عملاً بنص المادة 1/3 من القانون رقم 9 لسنة 2001 بشأن اساءة استعمال اجهزة الاتصالات الهاتفية.
هذا واذ تنوه المحكمة في عاقبة قضائها، ومن ان الاصل الدستوري هو حرية الفكر وابداء الرأي، بما في ذلك حرية ابداء الآراء السياسية سواء في ما يتصل في الشأن المحلي او الدولي، بما يخدم المصلحة العامة، بيد ان هذا الحق هو الذي لا يتضمن الاساءة او التجني او الطعن - الموجهة - بشكل سافر للدول الشقيقة ا الصديقة لدولة الكويت، او التدخل في شؤونها الداخلية بما لا يتفق مع نظم وقوانين تلك الدول، فاذا تجاوز من يحمل الجنسية الكويتية او المقيم على ارض الكويت هذا الحد، وجب مؤاخذته باعتباره مرتكبا لجريمة القيام بعمل عدائي ضد تلك الدولة، من شأن تعريض الكويت لقطع العلاقات السياسية معها.
حيثيات الحكم الصادر:
- الأصل الدستوري في حرية الفكر خدمة المصلحة العامة.
- حرية الرأي لا تتضمن الإساءة أو الطعن السافر في دولة صديقة أو شقيقة.
- العمل العدائي الذي يتخذ غطاء بعيداً عن العنف يكون أكثر خطورة وضرراً.
دفوع النيابة العامة في اتهامها:
- إقرار المتهم بامتلاكه حساب (تويتر) موضوع الدعوى.
- تضمن الحساب 16 تغريدة تسيء للسعودية.
- إصرار المتهم على الاستمرار بمهاجمة المملكة.
- احتجاج السفارة السعودية شديد اللهجة.
دفوع محامي المتهم:
- الركن المادي للجريمة غير متوافر في القضية.
- التعبير عن الرأي لا يمكن أن يعد فعلاً مادياً عدائياً.
- المتهم لم يخرج عن نطاق حرية الرأي المكفولة دستورياً.
- العلاقات الكويتية - السعودية لم تتأثر بتغريداته.
رد المحكمة على الدفاع:
- الكتابة الصحافية وغيرها أفعال مادية يصح أن تكون عدائية.
- الدفاع لم يتمسك بطلب سماع أقوال ممثل وزارة الخارجية.
- الدفوع افتقدت خصائص الطلب الجازم الملزم بالرد عليها.
- الاتهام لم يستند إلى المادة 124 من قانون الجزاء.