خواطر صعلوك
الأحمر يليق بك!
| محمد ناصر العطوان |
1 يناير 1970
11:40 ص
في كل يوم أستيقظ من النوم أنا وعائلتي الصغيرة زادها الله عدداً وجعلني لها عوناً ومدداً، وأول شيء نفعله حتى قبل أن نفرش أسناننا هو أن نروي أحلامنا في ما بيننا... وتكون هذه اللقطة من اليوم هي الأجمل على الإطلاق في عالم لا تتحق فيه الأحلام إلا بالواسطة!ولأننا أسرة تخاف من الغد، فربما نمنا الغد واستيقظنا بعد غد!
هل تعلم لماذا نحتاج الواسطة لتخليص وأخذ حقوقنا... السبب هو أننا نتعامل بروح القانون ولا نتعامل بالقانون نفسه، وكما هو معلوم في علم الميتافيزيقا فإن الروح شيء خفي لا يمكن رؤيته أو شمه أو لمسه أو وزنه، ولذلك فنحن لا نشاهد القانون!
ولي صديق لا فض فوه، و«جمعه بأبوه، وسح ادح أمبو» قال لي: (إن واقع الحياة يقول إن الوزير الفاسد لا يحاصر إلا في الشطرنج، وأن السارقين والمارقين لا يحاكمون إلا في الروايات ونهاية الأفلام السينمائية، وأن العدل موجود في المسلسلات التاريخية).
يسرني ويسعدني أيها المسلم المسالم أن أوضح لك بعض المعالم والتي لن تجدها في القواميس أو المعاجم، ولكنها إرشادات طبيعة في زمن العوالم.
هل تعلم أنك لو كنت صاحب واسطة فإنك تستطيع أن تخرج في الإعلام ليتم تلميعك كما يلمع حذاء إيطالي بجلد صيني! وإذا كنت صاحب واسطة تستطيع أن تحصل على موعد قريب لعمليتك في مستشفى العدان أو الفروانية أو مبارك... أو ربما مستشفى فرجينيا! وإذا كنت صاحب واسطة فمن الممكن ألا يخالفك الشرطي أو أن يخرج سيارتك من الحجز أو أن يخرجك أنت شخصيا... وإذا كنت صاحب واسطة فمن الممكن أن أكتب لك مقالة تثبت عبقريتك وعطاءك في المجتمع وعصاميتك! أما إذا كنت صاحب مبدأ، فسأضربك على قفاك ثم أقول لك أنظر الكاميرا الخفية أمامك... وانفخ البلالين يا نجاتي!
وفي أي جريدة محترمة تكون المسافة بين صفحة الاقتصاد وبين صفحة الحوادث والجرائم عبارة عن خمس عشرة صفحة تقريبا، ولكن إذا كان الشخص صاحب واسطة نووية فإن انتقاله من صفحة الحوادث إلى صفحة الاقتصاد لا يحتاج إلى خمسة عشر يوما... فالانتقال يكون بسرعة الضوء وليس بسرعة الطباعة!
لذلك فأنا وأبنائي الأعزاء، رفع الله عنهم الشقاء وأسكنهم القصور وشاليهات الشتاء، ليتمتعوا برائحة الشواء... وجعل الله منهم العقيد والعميد واللواء... فإننا كل يوم نغني نشيد العمل والكفاح ونحن نمسك بالفأس والمنجل والمفتاح قائلين ( أنا عندي واسطة... ساعة تروح... وساعة تيجي).
وذات صباح بعد أن رددنا نشيد الرشيد ذهبت لوزارة التربية كي أخلص معاملة وكنت أنظر لإحدى الموظفات وهي تداعب هاتفها وتعلوها ابتسامة غامضة أشبه بابتسامة الموناليزا، فدعوت الله أن تكون معاملتي عندها... وقد كان. وبمجرد أن ألقيت التحية والسلام حتى تحولت إلى زوجة سقراط في أخلاقها وعبوسها فتذكرت قول الله تعالى (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم)... ثم قلت لها ( والله يا سيدتي ما جئت الوزارة غازيا ولا ناويا بأهلها شرا، فأنا مجرد صعلوك على حافة الانقراض،فدليني كيف الخلاص لمعاملتي)؟
فقالت لي (في المسألة قولان، والمرجح منهما أن أمورك لن تمشي إلا بواسطة)... فشكرت لها صراحتها... أو وقاحتها... فلا يهم ما هو تحديدا. المهم أنه إذا كانت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي كتبت للعشاق رواية (الأسود يليق بك) فأريد أن أكتب لأؤلئك الذين أفضوا بنا إلى أن نكون باحثين عن الواسطة لتخليص معاملاتنا (الأحمر يليق بكم)... بدلة الإعدام.
قصة قصيرة:
قال له الشرطي غاضباً:
أيها السائق لا تعبر على ممر المشاة.
فقال له بكبرياء:
أنا فلان الفلاني.
فقال له شرطي مبتسما:
اعبر على المشاة.
* كاتب كويتي
@moh1alatwan