نساء مسلمات / ذات النطاقين (أسماء بنت أبي بكر)

1 يناير 1970 08:21 ص
أسلمت مبكرًا، وعاشت حياتها تنصر الإسلام في شجاعة وبطولة، وتضرب المثل في التضحية والفداء، فتقول: لما خرج رسول الله ( أتانا نفر من قريش، منهم أبو جهل عمرو بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قلتُ: لا أدري والله أين أبي، فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشًا خبيثًا، فلطم خدِّي لطمة خرَّ منها قُرْطي(نوع من حلي الأذن)، ثم انصرفوا.

فمضت ثلاث ليالٍ ما ندري أين توجّه رسولُ اللَّه ( إذ أقبل صوت من أسفل مكة، يغني بأبيات شعرٍ غنى بها العربُ، وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته ولا يرونه، حتى خرج بأعلى مكة، فقال:

جَزَى اللَّـهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِـهِ

رَفِيقَـيْنِ قَالا خَـيْمَـتَي أمِّ مَعْــبَـدِ

هُمَـا نَزَلا بِالهُـــدَي، فَاهْـَتَـدَتْ بِهِ

فَأفْلَحَ مَنْ أمْسَى رَفِيقَ مُحَـمَّــدِ

لِيهْنِ بني كَـعْـبٍ مَـكَانُ فَـتَاتِـهِـمْ

وَمَقْعَدُهَـا لِلْمُـؤْمِنِينَ بِمَـرْصَــدِ

فلما سمعنا قوله - عَرَفْنا حيث وجَّه رسول اللَّه،صلى الله عليه وسلم، وأن وَجْهَهُ إلى المدينة، وكانوا أربعة: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعامر ابن فهيرة مولى أبي بكر، وعبد اللَّه بن أريقط دليلهم.

إنها السيدة الفاضلة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وأمها قُتيلة بنت عبد العُزّى بن عبد بن أسعد بن نصربن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وأخت عبد اللَّه بن أبي بكر لأبيه وأمه، وأخت عائشة لأبيها، وكانت أَكبر من عائشة في السن، ووالدة عبد الله بن الزبير، وآخر المهاجرات وفاة.

ولدت أسماء قبل الهجرة النبوية بسبع وعشرين سنة. وتزوجت من الزبير بن العوام قبل هجرتها إلى المدينة.. فلما استقر النبي - صلى الله عليه وسلم وصحبه - هاجرت مع زوجها وكانت حاملاً، وفي المدينة، ولدت عبد اللَّه بن الزبير، فكان أول مولود في الإسلام بالمدينة بعد هجرة المصطفى،صلى الله عليه وسلم، كما ولدت له عروة، والمنذر، والمهاجر، وعاصم، وخديجة الكبري، وأم حسن، وعائشة.

وسُميت «ذات النطاقين» لأنه لما تجهز - رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - للهجرة ومعه أبو بكر الصديق أرادت أن تجهز طعامًا، ولم تجد ما تربطه به، فشقت نطاقها نصفين، نصفًا تربط به الطعام، ونصفًا لها.

فقال لها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم: «قد أبدلكِ اللَّه بنطاقكِ هذا نطاقين في الجنة». فقيل لها: ذات النطاقين.

وكانت -رضي الله عنها- صامدة صابرة، بعد هجرة أبيها (أبي بكر) إلى المدينة، حسنة التصرف والتدبير، قالت: ولما توجه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -من مكة إلى المدينة -ومعه أبوبكر- حمل أبو بكر معه جميع ماله: خمسة آلاف أوستة آلاف، فأتاني جدي أبوقحافة، وقد ذهب بصره، فقال: إن هذا واللَّه قد فجعكم بمالِه مع نَفسه! فقلت: كلا يا أبتِ! قد ترك لنا خيرًا كثيرًا.

فعمدتُ إلى أحجار فجعلتهن في كوة في البيت - كان أبو بكر يجعل ماله فيها - وغطيت على الأحجار بثوب، ثم جئتُ به، فأخذتُ بيده فوضعتُها على الثوب، فقلتُ: ترك لنا هذا ! فجعل يَجِدُ مسّ الحجارة من وراء الثوب. فقال: لا بأس، إن كان ترك لكم هذا، فقد أحسن، ففي هذا لكم بلاغ. قالت: لا والله ما ترك لنا شيئًا، لكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك.

وكانت تثق فيما عند الله ورسوله، وترتاح إليه، فذات يوم بعثت إلى أختها عائشة -لما أصابها ورم في رأسها ووجهها-: اذكري وجعي لرسول اللَّه،صلى الله عليه وسلم، لعل الله يشفيني. فذكرت عائشة لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وجعَ أسماء، فانطلق رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل على أسماء، فوضع يده على وجهها ورأسها من فوق الثياب. وقال: «اللهم عافها من فحشه وأذاه».

وكانت -رضي الله عنها- تؤثر رضا الله تعالى، وتجعل دونه كل رضا، فلما جاءتها أمها «قتيلة بنت عبد العزى» -وكانت مشركة- وقدَّمت لها هدايا، فرفضت أن تقبلها، وقالت: لا أقبلها حتى يأذن لي رسول الله،صلى الله عليه وسلم، ولا تدخلي علي. فذكرت ذلك عائشةُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)[الممتحنة: 8].

وكانت تقول ما تراه حقًا وما تتمناه صدقًا، مصرحة بذلك من غير إيماء ولا استحياء، فقد حدّث هشام بن عروة عن أبيه، قال: دخلت أنا وعبد اللَّه بن الزبير على أسماء -قبل قتل ابن الزبير بعشر ليالٍ، وأنها وَجِعَة- فقال عبد اللَّه: كيف تجدينك؟ قالت: وجِعَة. قال: إن في الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهي موتي، فلذلك تتمناه، فلا تفعل. فالتفت إلى عبد اللَّه فضحكت، فقالت: والله ما أشتهى أن أموت حتى يأتى على أحد طرفيك: إما أن تُقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقرَّ عيني عليك.

وكانت باحثة عن الحق، فإذا وجدته كانت أسرع الناس عملاً به، ومرشدة غيرها إليه؛

وقد روت أسماء الكثير من الأحاديث، وروى عنها أبناؤها وأولادهم، فعن عبد اللَّه بن عروة بن الزبير، قال: قلتُ لجدتي أسماء: كيف كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تَدْمعُ أعينهم، وتقشعر جلودهم، كما نعتهم الله، قال: قلتُ: فإن ناسًا هاهنا إذا سمع أحدهم القرآن خر مغشيَّا عليه! فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

امتد العمر بأسماء حتى بلغت مئة عام، وتُوفِيَت في سنة 73 هجرية، ولم يسقط لها سن، ولم يُنكر لها عقل! رضي الله عنها.