رجل المال والأدب فتح قلبه ودفتر ذكرياته لـ «الراي» وتحدث عن مصالحة قام بها بين الجزائر وإيران
عبدالعزيز البابطين: بدأت بائعاً جائلاً فأصبحت وسيطاً بين الدول
| حوار حمد السهيل |
1 يناير 1970
10:53 م
• اهتممنا بالقصائد المغناة منذ 1998 وأصبح لدينا رصيد كبير من تلك الأغاني بصوت المبدعة غادة شبير
• كلما حصلت على وسام أو شهادة أشعر بثقل المسؤولية وتعطيني حافزاً لتجاوز أي عقبة تقف أمامي
• أسسنا عام 1974 «بعثة سعود البابطين» للدراسات وابتعثنا طلاباً عرباً غير قادرين مادياً للدراسة بالخارج
• «جائزة البابطين للإبداع الشعري» كانت حلم حياتي الذي تحقق وسيترك لي بصمة في عالم الأدب العربي
• من أسباب نجاح المؤسسة ارتفاعها فوق الخلافات السياسية والدينية وانحيازها للمثقفين العرب بمختلف انتماءاتهم
• «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين» يضم 2514 شاعراً وطُبع 3 مرات وتحوّل نسخة رقمية
• بعد انخراطي في الوظيفة الحكومية اكتشفت أنها لن تحقق لي ما أطمح إليه ...فانضممت إلى قافلة العائلة بالتجارة
• تسلّمت مكتبة ثانوية الشويخ وفيها 2800 كتاب وغادرتها مخلّفاً 15 ألف
• بعد 40 سنة رجعت إلى المكتبة زائراً ... فعثرت على 9 كتب صنّفتها بخط يدي مازالت موجودة
• أخي عبداللطيف دوّن أشعار شعراء النبط وبعد 50 سنة طبعت مخطوطاته فكانت كتاباً نادراً
• التقطت «رنة» الشعر في ذهني من خلال خدمة الشعراء في ديوانيتنا فكانت أول قصيدة لي في عمر 11 عاماً
• لدينا 450 إصداراً وزعناها مجاناً على الجامعات والمكتبات العربية والمتخصصين وطلبة الدراسات
• بعد انتشار الأغاني التافهة فارغة المضمون نسعى لإعادة الأغاني العربية الأصيلة إلى مكانتها القديمة
• كرسي مجلس الأمة أصبح هدفاً بحد ذاته يسعى إليه النواب ويعملون على استمرار بقائهم عليه وتحقيق مصالحهم
• لم تعرض عليّ ولم أفكر بالحقيبة الوزارية فما منحني الله إياه من إمكانات تجعلني أخدم وطني بطرق شتى
• العالم يرغب في سماعنا ولكن حكوماتنا قصّرت ... واستطعنا تغيير نظرة العالم للإسلام
• بالشعر غزونا العالم ومن خلاله نحاور الحضارات وقد وجدنا قبولاً كبيراً في كل الدول
• بإمكاناتنا القليلة اقتحمنا أوروبا في دورة «قرطبة» وأوصلنا فكرنا وتقبلنا الآخرون وحرصوا على استضافتنا
بين المادية والروحانية كان إبحارنا، وعلى أمواج الشعر العربي انتقلنا إلى عالم المال والأعمال، فـ«عندما يوضع المال في خدمة أهداف الشعر السامية ورفعة شأنه وشأن قائليه فإن الشقة تضيق بين التجارة والشعر».
هكذا قال، وبذلك كانت رحلة الذكريات معه، لنجني من عالم الماضي ثمرة يانعة نقدمها لجيل لم يعش ما عاشه ضيفنا، ولم يعانِ ما عاناه، ولكنه ربما يحلم بتحقيق ما حققه. إنه الشاعر والأديب عبدالعزيز سعود البابطين الذي رافقنا في رحلة امتدت من الماضي إلى الحاضر، في لقاء حصري مشترك بين برنامج «شخصيات كويتية» الذي يبث عبر البرنامج العام بإذاعة الكويت والتلفزيون، جريدة «الراي»
الذي قلب دفاتر سنوات حافلة من العمل والكفاح حتى سجل اسمه وإنجازاته بحروف من ذهب، فمن بائع جائل امتهن مهنة الآباء والأجداد، إلى وسيط استغل صداقته بعبدالعزيز بو تفليقة ليعمل على المصالحة بين الجزائر وإيران.
تحتار من أين تبدأ مع عالم من الذكريات تمتد لثلاثة أرباع القرن، وتحمل في طياتها كل معاني الإصرار والعصامية والكفاح لتحقيق حلم رآه تحول إلى حقيقة، فكان إنجازه الذي يقف راسخاً إلى جوار مسجد الدولة الكبير، دالاً على تاريخه ونضاله، الذي وجد أن أعظم ما حققه أنه استطاع أن يغزو العالم بالشعر ويحاور الحضارات بالقافية، ليستدرك ما قصرت عنه الحكومات العربية في مواجهة الهجمة الصهيونية بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
ولد عبد العزيز سعود البابطين عام 1936، وكان منذ طفولته لديه اهتمام واسع بالثقافة والأدب والشعر العربي تأثراً بوالده وأخيه اللذين كان لهما دور كبير في تعزيز حبه واهتمامه بالأدب. شاعر ومن رجال الأعمال المعروفين في الكويت وله نشاط تجاري وصناعي بارز في أوروبا وأميركا والصين، والشرق الأوسط، وله استثمارات متنوعة في عدد من الدول العربية. فلنبحر مع ضيفنا في هذا الحبر الزاخر بالعطاء والعبر.
• نبدأ لقاءنا بسؤال قد يكون تقليديا، ولكنه مهم ويحمل في طياته الكثير للشباب الكويتي، وهو حياة عبدالعزيز سعود البابطين العملية، كيف كانت بداياتك؟
- كانت بدايتي كموظف في «المعارف» التي تعتبر الآن وزارة التربية والتعليم، دخلت العمل يوم 10 /10 /1954، وتسلمت العمل كأمين لمكتبة ثانوية الشويخ.
استفدت من هذه الوظيفة فائدتين، أهمهما كانت إثراء معلوماتي الثقافية لأن عملي يضطرني إلى أن أقرأ عددا من صفحات ذلك الكتاب الذي عزمت على تصنيفه وإعطائه الرقم الصحيح بالمكتبة، فاضطررت لقراءة غالبية كتب المكتبة وكان عددها 2800 كتاب، وتركتها عام 1958 بها 15000 كتاب كلها مصنفة على نظرية ديوي.
ولم أكن آنذاك أسمع بديوي، ولكن رغبتي بالعمل جعلتني أقرأ مدة عن ديوي ونظريته، إلى أن استوعبت هذه الفكرة وعملت على تصنيف المكتبة تبعاً لنظريته.
المكتبة التي صنفت بها 15000 كتاب تعتبر نواة للمكتبة الكبيرة الآن التي تحتويها مكتبة ثانوية الشويخ والتي كنت أول أمين لها. وفي عام 1998 وبعد مرور 40 سنة كنت في الطريق إلى مستشفى الرازي لزيارة صديق مريض، وأثناء مروري بدوار ثانوية الشويخ قلت في نفسي طالما ليس لدي عمل مهم لم لا أقوم بزيارة المكتبة التي كنت أول أمين بها؟ وفعلاً ذهبت إلى تلك المكتبة وأخذت أقلب في الكتب حتى أرى هل هناك كتب بخط يدي مصنفة؟ أم ذهبت؟
خلال ساعة وجدت بخط يدي 9 كتب قد قمت بتصنيفها مسبقاً.
وأتذكر أنني بعد هذا الموقف بنحو 6 شهور ذهبت إلى مصر للمقناص، وبعد عودتنا في مطار الإسكندرية كنت أقرأ جريدة فجاءني أحدهم وسألني: ألست عبدالعزيز البابطين؟ فقلت نعم.
فقال لي إنه برفقة أربعة وجلست معهم وسألني أحدهم، مستغربا: سألنا بعضنا عن عمرك، وقدرناك بـ 48 سنة، وأنت لك 40 سنة على ترك جامعة الشويخ. فكم عمرك عندما كنت بجامعة الشويخ؟ فقلت 8 سنوات. قال معقول 8 سنوات تصنف مكتبة بها 18 ألف كتاب.
• عندما نتكلم عن بدايتك في الطفولة وكيف تأسس بداخلك حب الأدب والشعر. كيف كانت نشأتك وطفولتك والبيئة التي عشت فيها في ظل والديك؟
- أنا الحقيقة نشأت في بيت كبيوت كل الكويتيين، محافظ ويهتم آنذاك بالقراءة ويهتم بالشعر في المجالس، وكان أخي الأكبر عبداللطيف يهتم بجمع الشعراء النبطيين ويأخذ منهم أشعارهم وما يروونه عن شعراء سابقين لهم، وبعد مرور 50 سنة قمت منذ حوالي 15 سنة بأخذ هذه المخطوطة وطبعتها بصيغة كتاب ويعتبر كتاباً نادراً، حيث إن هؤلاء الشعراء ماتوا منذ أكثر من 40 سنة ويروون عن سابقيهم أيضاً بـ 50 سنة.
والشعر الموجود في هذا المخطوط لم يتداول بين الناس فقمنا بطباعته ونوزع هذا الكتاب مجاناً، كما هي عادة إصداراتنا حيث لدينا أكثر من 450 إصداراً يتم توزيعها للجامعات والمكتبات العربية والمهتمين والذين يقومون بعمل أطروحات الماجستير والدكتوراه يتم إعطاؤها مجاناً لهم.
هذا الجو الأسري الذي كنت فيه وأثناء طفولتي في سن 7 سنوات كنت أقوم بخدمة هؤلاء الشعراء في ديوانيتنا ونتيجة لذلك استقرت رنة الشعر في ذهني وفي ذاكرتي وكبرت معي وقلت أول قصيدة بالنبط وعمري 11 سنة فكان أخي عبداللطيف ووالدي يأخذانني للدواوين الشعرية، ونتيجة لذلك زادت عندي مفردات اللغة وقلت أول قصيدة بالفصحى في عمر 14 سنة.
ثم نمت هذه الرغبة في نفسي وكنت أتمنى وأنا صغير بعمر 8 سنوات ومن إعجابي الكبير بالشعراء تمنيت أن يكون لي بصمة في حياة الشعر العربي، وقد حقق الله هذه الرغبة في نفسي وأسسنا مؤسسة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري في عام 1989، وكما كنا قبل شهر ونصف في مراكش بالمملكة المغربية وبرعاية جلالة الملك محمد السادس للاحتفاء بمرور 25 سنة على التأسيس، وبنفس الوقت نتحدث عن أبي تمام الطائي وهو من الشعراء الكبار والذين أثروا في مسيرة الشعر العربي وأنا أبشر المتابعين من خلالكم وحصرياً بأننا نحرص جداً عند إقامة أي دورة بأن نسميها باسم أحد فحول الشعر الكبار ونحاول قدر الإمكان أن نعثر على قصيدة أو قصيدتين لم يسبق أن نشرت.
والحمد لله وهذا يعتبر نصراً كبيراً بالنسبة للشعراء والمثقفين العرب، وقد حصلنا في أحد مساجد يزد وهي مدينة تقع في أقصى شرق إيران على حدود أفغانستان، وهي المدينة التي ولد فيها الرئيس سيد خاتمي، وجدنا مخطوطاً في أحد المساجد وكان يظن بأن الكتاب ديني وإذا به ديوان شعر لأبي تمام يحتوي على 387 قصيدة لأبي تمام لم تر النور منذ 1200 سنة. وقمنا بطباعة ديوانه بما فيها الـ 387 قصيدة بثمانية مجلدات وتم توزيعة مجاناً في مراكش.
في كل دورة نقوم بعمل كتب جديدة، والآن قمنا بعمل 29 كتاباً وزعت أيضاً مجاناً هناك، منها 23 كتاباً جديداً و6 كتب أعدنا طباعة المطبوعات التي نفذت عندنا بالدورات السابقة من أجل توزيعها.
وكما تعلمون اهتمامنا الكامل بالأمسيات الشعرية والثقافية والأمسيات الغنائية، فللأسف في السنوات السابقة وقعنا في وحل الأغاني التافهة التي ليس لها معنى بالمرة وفي المؤسسة نحرص حرصاً كاملاً بان ترجع الأغاني العربية الأصيلة إلى موقعها القديم، ووجدنا رغبة كاملة من الناس للاستماع لهذه الأغاني بالفصحى وعلى النمط الفني الذي يرتاح له أي عربي.
• بالنسبة إلى ديوان أبي تمام والذي تمت طباعته وتم توزيعة مجاناً. كم نسخة وزعت هناك ؟
- عندنا أكثر من 500 نسخة، ولدينا أكثر من 400 ضيف، وحوالي 150 شخصا من داخل دولة المغرب ما بين أكاديميين ومثقفين وشعراء والحضور رائع جداً ونحن لا نهتم بوجهة نظر الضيف سواء يساري أم يميني ام معتدل. نحن نهتم بالإبداع فطالما الضيف مبدع سنقوم بدعوته وكله من أجل الإبداع على طاولة واحدة، وهذا يقوم بالتقريب لوجهات النظر ونقاط الالتقاء التي تجمع المتخاصمين.
قصائد مغناة
• إذا نقول أنكم من خلال هذا الحدث سوف تركزون على أصالة الماضي والإبداعات الشعرية وحتى الغنائية. وما تقييمك بما أننا نتكلم عن حضارة الماضي من خلال الشعر والأدب والواقع الحالي الذي نعيشه من خلال هزالة الكلمات وظهور شعراء شباب ليس لديهم الإمكانية لصياغة الشعر وحتى القاموس الأدبي للشعر؟
- التاريخ العربي بني على الشعر، اللغة العربية حفظت خلال آلاف السنين من خلال القرآن الكريم ومن خلال الشعر العربي، كل المواقع المهمة في التاريخ العربي نستطيع أن نستدل عليها من خلال الشعر العربي.
بدأنا بالاهتمام بالقصيدة المغناة باللغة الفصحى من دورة الأخطل الصغير والتي أقمناها برعاية المرحوم رفيق الحريري في بيروت عام 1998 وغنت لنا مطربة شفافة ورقيقة وجميلة الوجه وجميلة الصورة وجميلة الأداء وهي تحمل الدكتوراه وتدرس الموسيقى العربية في جامعة الكسليك في بيروت، وهي الدكتورة غادة شبير، ومنها انطلقنا باهتمامنا بالقصيدة العربية والآن في المغرب ستغني لنا فرقة «إليك سرواني» وهو أب مسيحي ويهتم باللغة العربية القديمة وسوف تستمعون إلى أغانيه وتعجبون بها إن شاء الله.
وأنا أدعوكم لزيارة موقع البابطين وترون الشباب والشابات المعجبين بأغاني غادة شبير لأنها تغني بالفصحى، فهذا شيء يسعدني شخصياً لأنني كنت أعتقد بان هذه الأغاني القديمة يطرب لها فقط كبار السن، ولكن تعليقات الشباب والشابات تسعدنا كثيراً وتشجعنا على أن نمضي في هذا الطريق حتى يتم تنظيف الذوق العربي من الشوائب التي للأسف الشديد وقعنا فيها.
حوار الحضارات
• الدورة القادمة لمؤسسة البابطين هي الدورة الرابعة عشرة، والدورة الثالثة عشرة كانت في بروكسل لتفعيل الحوار العربي الأوربي، ولم تكن مخصصة للشعر، فمن الجيد نقل الثقافة العربية إلى دول العالم وكل الشعوب في ظل الواقع المؤلم أمامنا والحروب والإرهاب في كثير من الدول حولنا للأسف، لماذا انتهجتم نهج نقل سماحة الأديان وتغيير النظرة الغربية للعالم العربي؟
- أنا لم أنتقل من الشعر إلى حوار الحضارات. فالشعر هو الطريق الصحيح لحوار الحضارات، وهو الذي أوصلنا إلى أوربا، وقد كرمت في عدة حفلات في فنلندا وباريس وروما وعدة مواقع.
في فنلندا أتوا بشاعر من فرنسا ومن البرتغال ومن أسبانيا ومن إيطاليا ومن ألمانيا وأنا أمثل الشعراء العرب، وكلنا قلنا قصائدنا بلغاتنا وتترجم، وكانت هي المدخل الحقيقي، حيث إن الشعر يدعو إلى السلام وإلى المحبة وإلى التعاون فكان الشعر مدخلنا إلى حوار الحضارات.
في عام 2002 كان حفلنا في البحرين تحت اسم علي بن المقرب العيوني وقبلها بعام حدثت حادثة أزعجت العرب والمسلمين جميعاً واستغلها الصهاينة استغلالا كبيراً لتشويه صورة العربي والمسلم وهي أحداث 11 سبتمبر، اقترحت على أعضاء مجلس الأمناء في أثناء تقييم الدورة ومتابعة استطلاع رأي الضيوف، وبعد تقييم تلك الدورة المقامة في البحرين اقترحت على الأعضاء بأنه للأسف الشديد لم تتصدى حكوماتنا التصدي الصحيح لما يقوله الصهاينة عن العرب والمسلمين من خلال أحداث 11 سبتمبر، نحن إمكانياتنا متواضعة لكن لا تحتقر كيد الضعيف فربما تموت الأفاعي من سموم العقارب.
ووافقني كل أعضاء مجلس الأمناء على هذه الفكرة، وقمنا بتحضير دورة كانت في قرطبة واخترناها لسبب رئيسي فقد كانت أفضل مكان لتعايش الأديان تحت الراية الإسلامية فتجد اليهودي والمسيحي والمسلم يتعاونون وأسسوا حضارة عربية إسلامية كبيرة عمت أوروبا في وقت لم تكن أوروبا تعيش بالعصر الحضاري بل تعيش بعصر الجهل وقد كان لنا الفضل في إخراجهم من الظلام إلى النور وهذا يشهد به الغرب.
ولاحظنا إقبالاً أوروبياً على دورتنا منقطع النظير، وذهبنا إلى الملك خوان كارلوس بصحبة الدكتور محمد الرميحي والدكتور محمود علي مكي والدكتور سهيل شحيبر الذي كان سفيرنا في مدريد ووجدنا عنده حماساً كبيراً وشكرنا على اهتمامنا بالشعر الأسباني الكبير لابن زيدون.
طبعاً استمررنا في هذا الكلام لأننا نعتبر أن التاريخ العربي جزء من تاريخ أسبانيا وهذا شيء نعتز به، وكان الحفل تحت رعاية جلالة الملك وحضور ابنته في ذلك الوقت، وكان الحضور كبيرا، ودعوني على أثره عدة جهات ثقافية رفيعة المستوى فدعاني مدير اليونسكو لغداء عمل، وطلب مني أن نقوم بعمل دورة مشاركة معهم وقال لي أنكم تصبون بنفس الأهداف التي نهدف إليها، ودعتني وزيرة الثقافة الفنلندية، ودعتني جامعة كوبرا في إيطاليا، ودعتني جائزة نوبل وكلهم كانوا راغبين بعكس ما كنا نتوقع كعرب ومسلمين بأن يستمعوا إلينا وإلى آرائنا ويستمعوا إلى توجهنا السلمي والأخوي، وحضر أيضاً مندوب عن البابا ومندوب عن الأزهر، وفي ندوتنا في باريس تحت اسم لا مارتين وأحمد شوقي وكان كلاهما أثر في المسيرة الحضارية العربية والأوربية والتقارب بين الأديان وكنا تحت رعاية الرئيس جاك شيراك، فكان الاهتمام على أعلى المستويات.
• في أثناء تفقدنا لمكتبك، وفي الممر وحيث إنك من الشخصيات المميزة والمؤثرة في الوطن العربي، وجدنا العديد من الشهادات والأوسمة والدروع التي تملأ المكتب، أكيد كل إنجاز تحققه يقدمك خطوة إلى الأمام لرؤية كنت تنظر لها مستقبلاً ويترك أثراً في شخصيتك؟
- الأوسمة أو شهادات الدكتوراه الفخرية التي حصلت عليها هي بلا شك تشجيع كبير من جهات كبيرة سواء رؤساء أو ملوك أو جامعات. وكلما حصلت على وسام أو شهادة دكتوراه أشعر بثقل المسؤولية أكبر من فرحتي بحصولي على الوسام، وذلك لإحساسي على تحميلي مسؤولية أكبر وأيضاً أشعر بأنني قادر على تجاوز ما يمر بي من عقبات، ولو تلاحظون المؤسسة منذ تأسيسها عام 1989 تجدونها تكبر عاماً بعد عام.
• ما أحب الشهادات إلى قلب عبدالعزيز البابطين الأجنبية أم العربية؟
- أقرب شهادة إلى نفسي هي الشهادة الأولى في عام 1995، أما أقرب الشهادات العربية فكلهم إخواني لا أفضل أحدا على الآخر.
إنجازات وإصدارات
• ما أهم الإنجازات إلى قلب عبدالعزيز سعود البابطين؟
- فكرة إنشاء مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري كانت حلماً بالنسبة لي، نشأ في ذهني منذ طفولتي، ولكنني لم أكن أتوقع أن تكون لدي القدرة المادية لإنشاء مؤسسة تهتم بالشعر عندما كنت في ذلك العمر، ولم يكن والدي يمتلك المال الكافي ليقيم مثل هذه المؤسسة، كذلك لم يكن لدي الإمكانات المادية في ذلك الوقت، ولكن إنشاءها كان حلما يروادني بين فترة وأخرى، أملًا بأن يكون لي بصمات في مسيرة الشعر العربي.
والحمد لله الذي حقق لي هذا الحلم عندما شعرت بأن لدي القدرة المادية لتكون لي تلك البصمة وفكرت بها جديا سنة 1985 واستمرت دراستي لهذه الفكرة والبوح بها لأصدقائي المقربين ثم اتسعت الدائرة إلى أصدقاء أبعد قليلاً، وإلى آخرين لا أعرفهم، إلى أن استطعنا والحمد لله أن ننطلق بهذه المؤسسة سنة 1989 من القاهرة التي هي مركز الإشعاع العربي..
لقد جعلنا مجال عمل هذه المؤسسة تكريم المبدعين من الشعراء ونقاد الشعر وإصدار المطبوعات عــن الشعــراء الذين تحمــل دورات المؤسسة المتتابعة أسماءهــم، ومنـذ إنشائها أقامت المؤسسة أربع عشرة دورة، وأصدرت عدداً كبيراً من المطبوعات المهمة عن الشعر والشعراء يأتي في مقدمتها «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين» الذي صدرت طبعته الأولى عام 1995 وطبعته الثانية عام 2002 وطبعته الثالثة عام 2014 حيث بلغ عدد الشعراء في هذا المعجم 2514 شاعراً، وأصدرته في نسخة ورقية ونسخة إلكترونية، كما أصدرت «معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين» في العام 2008 في (25) مجلداً حيث ضم حوالي أحد عشر ألف شاعرٍ كما نظمت المؤسسة (7) ملتقيات شعرية.
وكان من الخطوات الموفقة لتجربة هذه المؤسسة أنها انطلقت منذ نشأتها الأولى من منطلق قومي عربي، حيث فتحت جوائزها أمام شعراء العرب كافة، إيمانًا بأن الثقافة العربية - والشعر في مركزها - لا يمكن تجزئتها، وإذا كان الوطن العربي مؤطرًا بالحدود الثابتة، فإن الشعر العربي يتجاوز هذه الحدود، ولا يمكن أن يكون هناك شعر خاص بقطر عربي دون آخر، بل هناك شعر عربي واحد يصدر عن شعور واحد.
ومن المبادئ التي حافظت عليها المؤسسة منذ انطلاقتها الأولى وكانت من أسباب نجاحها أنها ارتفعت فوق الخلافات القطرية والسياسية والدينية والمذهبية، وكان انحيازها الوحيد هو للمثقفين العرب بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم.
لقد أعادت المؤسسة للشعر العربي وجهه النبيل كنداء للوحدة ومنارة الإبداع. وأدركت المؤسسة أن من مميزات العمل الناجح أن يبدأ من نقطة معينة ثم يتنامى ويتصاعد مستفيدًا من تراكم الخبرة ومن تنامي الإمكانات، فانتقلت المؤسسة منذ عامها الثالث إلى خطوة أبعد من الجوائز وتحفيز المبدعين بعد أن ازدادت خبرة ومعرفة بالساحة الأدبية العربية، ومعرفة بمتطلباتها، فأقرت إقامة دورة كــل سنتــين باســم أحــد أعلام الشعــر العربي، وتخصيص ندوة أدبية يشارك فيها النقاد لدراسة نتاجه الشعري، وإعادة إصدار تراثه الشعري، وتعريف الجيل الجديد بأسلافهم الشعراء، وكانت هذه الدورات فرصة ثمينة لإزالة الحواجز والتعارف بين مثقفي الوطن العربي، وفتح قنوات الحوار العلمي لترسيخ ثقافة الحوار الغائبة عن كثير من قطاعات الشعب العربي. وفي عامها الحادي عشر مضت المؤسسة إلى طريق جديد سعت من خلاله إلى فتح أفاق واسعة للحوار بين الحضارات والأديان فبدأنا سلسلة من الندوات التي جمعت مثقفي الشرق والغرب على أمل التفاهم والتعايش بين بني الإنسان.
وبعد 25 عاماً من العمل الجاد والدؤوب ننظر إلى هذه التجربة بعد أن تحولت من حلم إلى واقع، وبعد أن انتقلت من وطنها الصغير إلى وطنها العربي الكبير، ومن أمتها العربية إلى العالم الإسلامي، ومن الشرق إلى الغرب، وبعد أن أحاطت بالمشهد الشعري العربي من مختلف زواياه وجوانبه، ننظر إلى هذه التجربة بعين الرضا والاطمئنان، وإذا كانت هذه التجربة قد بلغت أعلى درجات النجاح وأصبح للمؤسسة مكانتها واحترامها على كل المستويات، فإن هذا النجاح لم يكن ليتحقق إلا بجهد جماعي من جمهرة من المثقفين العرب، منحوا هذه المؤسسة ثقتهم الكاملة لما لمسوه من إخلاصها وتجردها، وأسهموا بفكرهم وجهدهم في تحقيق ما تصبو إليه.
ومـن أهـم الإنجــازات أيضًا إنشـاؤنـا لمكتبــة البابطيــن المركزيــة للشعــر العربي التي أنشاناها في دولة الكويت وتم افتتاحها برعاية حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، وتعد هذه المكتبة أول مكتبة متخصصة في الشعر العربي تقام في الوطن العربي وهي تضم مئات الآلاف من المراجع والمصادر الشعرية والأدبية المختلفة إضافة إلى أكثر من (15) ألف مخطوط ما بين أصلي ومصور وحوالي (4) آلاف رسالة جامعية.
ابن أسرة مكافحة
• ماذا بعد مرحلة أول وظيفة شغلها السيد عبدالعزيز البابطين؟ ماذا عن الزواج وتكوين الأسرة؟ هل شغل ذلك تفكيرك في ذلك الوقت؟
- عملت موظفًا في مقتبل حياتي، واكتشفت بأن العمل في الوظيفة الحكومية لن يكون مجديا لأن الفرص كانت متاحة وتحتاج فقط إلى العزم والمثابرة، وكنت أملك ولله الحمد منهما ما يلزمني لأبدأ وأصمم، وأنا أساساً من أسرة تعمل بالتجارة فوالدي وإخوتي الكبار كانوا يعملون في حقل التجارة وإن كانت الظروف لم تساعدهم في ذلك على تحقيق ما استطعتُ تحقيقه، بعد ذلك فإنني مدين لهم، فأنا امتداد لأبي وإخوتي الكبار من أبناء أسرتي وأشقائي الذين شاركوني الكفاح من أجل أخذ مكان في وسط هذا العالم المتلاطم الأمواج الذي يدعى «التجارة».
ووطني الحبيب الكويت بلد تجار أصلًا وموطن قديم للتجارة، وقد بدأت بائعًا متجولًا أحملُ البضاعة البسيطة من محل إلى آخر، ثم افتتحت دكانًا صغيرًا في محافظة حولي لكنني أعتبر أن النجاح الحقيقي في التجارة بالنسبة لي يعود أولًا إلى الصدق مع الذات والصبر والنزاهة مع الآخرين، وذلك بالابتعاد عن الشبهات والرجوع دائمًا إلى قيمنا الدينية والأخلاقية التي توارثناها عن أسلافنا الكرام في بيئتنا المحافظة على عاداتها وتقاليدها العربية.
إن التجارة وما ينشأ عنها من أموال تتكفل اليوم بتحمل جزء كبير ورئيسي مما كان يتمتع به الشعر والشاعر من اهتمام وتقدير في الماضي، هذا بطبيعة الحال إلى جانب اهتمام الدول من خلال الوزارات المعنية بالثقافة.
في رأيي إنه عندما يوضع المال في خدمة أهداف الشعر السامية ورفعة شأنه وبالتالي شأن قائليه، فإن الشقة تضيق دائمًا بين التجارة والشعر، بحيث تصبح العلاقة بينهما موضوعية تمامًا ولا تناقض بينهما أبدًا.
أما عن الزواج، فقد تزوجت كما يتزوج الآخرون ورزقني الله سبحانه وتعالى ذرية صالحة بإذن الله ولقد أوليت أبنائي العناية الضرورية، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يرشدهم دائمًا إلى الخير والصلاح والعمل لما يحب ويرضى وأن يسهموا دائمًا في خدمة وطنهم وأمتهم بما يستطيعون إلى ذلك سبيلًا.
سياسة واقتصاد
• هل الحياة البرلمانية الكويتية تغيب عنها الرؤية المستقبلية؟
- تعد التجربة البرلمانية الكويتية الأقدم من بين التجارب في الخليج العربي، فقد تشكل أول مجلس نيابي منتخب في عام 1963 بعد صدور دستور 1962 وحصول البلاد على استقلالها إلا أن التجربة لم تخل من كثير من الإخفاقات بالرغم من تحقيقها إنجازات كثيرة في طريق إرساء الحكم الدستوري النيابي وتشكيل المجالس النيابية.
وعلى الرغم من حالة عدم التوافق أحيانًا بين المجلس والحكومة إلا أن التجربة البرلمانية ظلت المتنفس السياسي للاستقرار الداخلي مع استمرار النمو الاجتماعي والاقتصادي بالرغم من أن الدور الرقابي للتجربة البرلمانية أدى إلى قيام الحكومة بحل مجلس الأمة مرات عدة.
إن فكرة الديموقراطية رائعة وهي بلا شك موجودة في الكويت منذ سنوات طويلة كما قلت، وكان النواب والوزراء يعملون يدًا بيد لخدمة الوطن، ولا أحد يسيء للوطن أو للمواطنين. إلا أننا بدأنا نشهد تغيرا في أداء بعض أعضاء المجالس النيابية المتتابعة، وأصبح العديد من النواب ينحصر همّهُ في كيفية إعادة انتخابه من خلال البيانات الرّنانة والأصوات العالية والاستقواء على الوزراء والنواب الآخرين.
والبعض من النواب يرشح نفسه لتحقيق مصالحه الخاصة وينسى بعد ذلك مصلحة الكويت وشعبها.. لذلك لابد من إعادة النظر فيمن يجري انتخابه، ينبغي الحرص على الأشخاص الموثوق فيهم ومن يسعى لتطوير تشريعات وطنه، ويخدم وطنه بكل ما أوتي من إمكانات.
• هل تمّ عرض حقيبة وزارية على عبدالعزيز البابطين؟
- لم تعرض عليّ حقيبة وزارية، ولم أفكر للحظة واحدة بهذا الموضوع، فأنا بفضل الله وما منحني إياه من نعم وآلاء كثيرة أستطيع خدمة وطني وأمتي بطرق كثيرة من خلال العمل على الارتقاء بالثقافة العربية التي هي سمة من سمات الكويت وإعطاء الشعر العربي المزيد من الاهتمام والرعاية كما أفعل ذلك من خلال المؤسسة التي أنشأتها لهذا الغرض منذ العام 1989.
وبما أصدرته من كتب وأبحاث ومعاجم ودواوين شعرية وإقامة الدورات الخاصة بحوار الحضارات والثقافات في عواصم الدول الأوروبية وما لمسناه من مردود إيجابي كبير لهذه الدورات من خلال توطيد العلاقات وإقامة جسور من التواصل الذي يصب في مصلحة الأمة العربية والكويت.
فليست خدمة الوطن مقتصرة على المنصب الوزاري، فكل إنسان يستطيع أن يخدم ويفيد حسب إمكاناته وقدراته.. فالمعلم والطبيب والمهندس والمزارع والعامل.. كلهم يخدمون وطنهم ويسهمون في تنميته.
• كيف توفق بين هذه المشاريع الخيرية الكبيرة وبين كونك من رجال الاقتصاد البارزين بدولة الكويت؟
- نشأت في بيئة شعرية وأثرت في نفسي كثيراً وفي ذهني وكنت أتمنى أن يكون لي بصمة في مسيرة الشعر العربي.
هذه البذرة كبرت معي، فأنا أعرف الشعر قبل أن أعرف التجارة وكان لا بد أن أعود له فكما يقول البيت «ما الحب إلا للحبيب الأول». ولكن هجرت الشعر منذ عام 1955 تقريباً بداية عملي إلى عام 1968 فكنت مشغولاً جداً بتكوين وضعي التجاري، وكنت وكيل لشركات ناجحة في الكويت وفي السعودية وفي كابل في أفغانستان وفي طهران وفي إسطنبول وكنت لا أجلس في الكويت أكثر من 4 أيام وأسافر لأعمالي.
في عام 1968 عندما شعرت بالاستقرار المادي التفت مرة ثانية للحبيب الأول ألا وهو الشعر وبدأت أقول الشعر، وفكرت فيما كنت أحلم به سابقاً وفكرت تفكيرا جديا في تأسيس مؤسسة ولكن كنت خائفاً من الفشل، فالشاعر العربي للأسف الشديد فقد الثقة في أمته من المصائب التي تحصل لنا، وعودة الثقة للشاعر العربي هي عودة الثقة للمواطن العربي لأن الشاعر يعتبر ضمير الأمة، فخفت من الفشل وأن يتكرس الفشل مرة أخرى في ذهن الشاعر العربي.
فكنت أدرسه بعناية فائقة جداً مع أصدقائي والقريبين حولي إلى أن تبلورت الفكرة في عام 1986، وأذكر أنه بعد التحرير قد جئت من جنيف وقابلت صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، وكانت مؤسستنا مازالت وليدة وأول دورة نظمناها كانت تضم 15 ضيفا فقط وكانت في القاهرة قبل الغزو بشهرين ونصف الشهروكانت متواضعة جداً.
فعندما جلست مع صاحب السمو رحمه الله قال لي أنا أشكرك أنك أقمت جائزتك في القاهرة، ظننت أنه يعاتبني أنني لم أنظمها في الكويت فقلت له سوف أعطيك المبررات لتنظيمها في القاهرة، فقال لا أريد مبررات أنا أشكرك مرتين، للشجاعة في ذهنك وأقدمت عليها وأشكرك مرة ثانية لأنك أقمتها في القاهرة لأنها تعطينا سفارة أفضل من سفارتنا في القاهرة.
في عام 1998 ذهبت له أنا وعبدالكريم نستأذنه فقد كان رحمه الله لا يمر ثلاثة أشهر إذا ما ذهبنا له إلا ويرسل لنا فقد كان يرتاح لسماع أخبارنا.
• بعد مرور ربع قرن على تأسيس هذه المؤسسة. ما تقييمك لمدى تأثير هذه المؤسسة وأثرها ونتائجها بعد كل هذه المسيرة ؟
- أعطانا الشيخ جابر رحمه الله وساماً من أعلى الأوسمة في الكويت والذي ألبسني إياه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، وطبعاً انا سعيد جداً بالنتائج التي توصلنا لها فكانوا يراهنون علينا في المغرب وفي تونس وفي الجزائر وحتى هنا في الكويت.
• لو تكلمنا عن ديوانية البابطين بالكويت فأغلب الناس كانت تعرف أنها كانت أثناء الغزو مقرا للأمير الراحل. ما هي ذكرياتك في خلال هذه الفترة التي قضاها الشيخ الراحل جابر الأحمد الصباح في ديوانيتك واعتبارها مقراً ما بعد الغزو؟
- وجود صاحب السمو رحمة الله عليه وأعضاء الحكم آنذاك واجتماعاتهم اليومية في ديوانيتنا وصاحب السمو أقام في ديوانيتنا 73 يوما وهذا طبعاً شرف كبير لأسرة البابطين.
أنا قبيل مجيئي إلى الكويت عندما بدأت بشائر التحرير كنت في جدة أنا وعائلتي، فذهبت إلى الطائف لأقابل صاحب السمو وكان عنده الشيخ جابر العلي رحمه الله والشيخ مشعل الأحمد الله يعطيه الصحة والعافية، وكان موجودا أيضاً الأخ عبدالرحمن العتيقي، وعلمت بهدم مواقعه بالكويت فعرضت عليه ديوانيتنا وقلت له الحقيقة الأجنحة لم تسكن. فقال معقول؟ أنتم بنيتوها من سنتين.
فقلت إن أصحابي الكويتيين عندما يرونها ويشاهدوا الفرش يقولون اجعلنا نسكن فيها ولو أسبوعا فأقول لهم ممازحاً من يتزوج على زوجته أعطيها له أسبوعا كاملا.
فقال ولا واحد استجاب؟ قلت ولا واحد استجاب. فقال أنا باستجيب لدعوتك فقد كان مرحاً رحمة الله عليه.
ووافق هو على الحضور وسبقته بالحضور يوم الأربعاء وجاء أولادي قبلنا ورتبوا المكان ولله الحمد أنها صارت مقرا لصاحب السمو فأنا الحقيقة لم أذهب إليه إلا مرتين المرة الأولى حين استقبلته فيها يوم الخميس وسافرت السبت وجئته برمضان لأبارك له برمضان.
وكان- رحمه الله- لا يقبل أن تلبس الحراسة الخاصة به لباسهم الرسمي حتى لا يشعر الناس بالرسمية فقد كانوا يدخلون عليه من دون تفتيش ولا إجراءات مشددة فكنت تشعر بأنها ديوانية كويتية طبيعية والحقيقة أن كل الشخصيات التي زارته في ديوانيتها خلال ال 73 يوما كلهم لدينا صور لهم فقد أعطاني إياها رحمه الله حوالي 70 صورة، تضم أول وزارة شكلت وأسميها وزارة الشجعان والتي قبل فيها الوزراء المسؤولية في وقت صعب والتي تم تشكيلها في ديوانيتنا.
واكتشفنا شيئا مهما في صاحب السمو رحمه الله. أنا أعلم أنه يقول شعرا بالعامية ولكن لم أكن أعرف أنه يقول شعرا بالفصحى.
في ذلك اليوم أعطانا بيتين بالفصحى أنا وأخي عبدالكريم، وسألناه هل هذا الشعر لك فقال نعم، فاستبشرنا وجئنا العصر فأيضاً أعطاني بيتين وأخذهما عبدالكريم ووضعهما في المحفظة الخاصة به، وبعد مرور فترة حوالي 3 سنوات وجدها عبدالكريم بالمحفظة، فاقترحت أن نضعها في برواز في ديوانيتنا واتصل أخي بالشيخ ناصر المحمد وكان وزير الديوان وقلت له عن البيتين وأني أود أن أضعهما في الديوانية فقال ضعهما. فقلت لا أرجوك اسأل صاحب السمو وخذ رأيه وبعد قليل اتصل بي تلفونياً وقال صاحب السمو يسلم عليك ويقول اكتب لي كتابا بهما كي أعطيك كتاباً حتى لا يلومك أحد.
وساطة بين الجزائر والمغرب
• كان لك دور كبير في محاولة إعادة العلاقات بين الجزائر وإيران، حدثنا عن هذا الدور؟
- الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة صديق عزيز قبل أن يأتي لرئاسة الجزائر، وبعد انتخابه كان سفير دولة الكويت والسفراء العرب ذهبوا لتهنئته فسأل سفير الكويت عني، فقال إنني موجود بالمغرب فسأله أن أمر عليه وفعلاً ذهبت إليه وصارت بيننا عدة زيارات، وكان جزاه الله خيراً لا يجعلنا ننزل بالفندق ولكن دائماً بالقصر الجمهوري أنا ومن معي.
وفي يوم من الأيام سألته وقلت له إن إيران دولة إسلامية وتربطنا معهم علاقات وثيقة ولدعم عمقنا الاستراتيجي وأيضاً نحن كعرب عمقهم فما هو سبب قطع العلاقات بينكم وبينهم؟
فقال هي قطعت في عهد الرئيس بن جديد وقام بقطعها بسبب تمويل الإيرانيين لعلي بلحاج، أما أنا بالنسبة لي فلا يوجد عندي مشكلة فإن استطعت أن تعيد العلاقات فجزاك الله خيراً.
أنا لم أجاوبه وجئت إلى صاحب السمو رحمه الله الشيخ جابر فقلت له على الموضوع فسألني هل تستطيع إعادة العلاقات فقلت ربما يوفقني الله في ذلك. فقال هذا يكون شرفا كبيرا للكويت إن استطعت ذلك فتوكل على الله واذهب وابذل ما بوسعك من أجل ذلك.
قمت بالاتصال بالسيد رفسنجاني ولم يكن يعرفني وعرفته بنفسي وطلبت مقابلته فبدا لي من رده أن الأمور إيجابية حيث أجابني بلهفة عن موعد المقابلة وحددت الموعد ووجدت خمسة ينتظرونني بالمطار منهم أحدهم يتحدث العربية بطلاقة فقال لي أنا المترجم للسيد الرئيس فقلت له هو يعرف العربية وأنا أفهم العربية، فقال هو رغبته في هذا فقلت له أبلغه برغبتي، وذلك لأنني لا أريد أحدا بيننا فربما يتعذر ويقول إن الأمر عند الرئيس السيد خاتمي أو عند خرازي وزير الخارجية، وإذا ذهبت لهم يكون الأمر بارداً فلا أريد أحد معنا.
وعند وصولنا ذهبت إلى بيته وثاني يوم وجدت المترجم موجودا فقال لي أعلم أنك غير مرتاح لوجود المترجم ولكني أريده ليترجم لك كلامي بالفارسي أما العربية فلست محتاجاً فقلت له أنت تعلم بأن اللغة العربية لغة أهل الجنة وتعلم أن الله عز وجل أنزل القرآن الكريم باللغة العربية لأنه سبحانه وتعالى فضل اللغة العربية على كل اللغات، وأنت خير من يعلم بان الدستور الإيراني به المادة الثانية تقول بان اللغة العربية هي اللغة الرسمية الثانية في الدولة فإن لم تفعل هذه المادة معي فستفعلها مع من؟ وقلت له أنا لست شخصاً رسمياً فلست وزيراً ولا أميراً أنا رجل عادي فلو كنت بصفة رسمية فلك الحق بالتحدث بلغتك الرسمية. فابتسم ابتسامة خفيفة وقال لي كلامك منطقي ولكن أرجوك ان تسمح لي أن أتكلم بالفارسي وأن يترجم لك وليس هناك داع لأن يترجم كلامك.
والحمد لله خلال نصف ساعة عادت العلاقات. وعندما هممت بالقيام فرحاً طلب مني الجلوس وقال أنا أسمع عن نشاطك الثقافي وأتمنى أن يكون بالخليج عشرة مثلك.
وعدت إلى الجزائر وأخبرت الرئيس وعين حالاً سفيرا وعاد السفير إلى طهران وعادت العلاقات ولله الحمد.
رسالة خبير
• ما رسالة السيد عبدالعزيز سعود البابطين للشباب الكويتي؟
-أريد من الشباب الكويتي أن يقرأ ويعمل كثيرًا ويجعل دائمًا من الفشل قاعدة للنجاح. فالصعوبات التي تواجه الشباب في الوقت الراهن لا شك أنها كبيرة ومتعددة ومتشعبة، وأنا أدركها تمامًا، ولقد مررت بها في مقتبل حياتي، لكن التصميم والمثابرة والرغبة في شق الطريق لحياة أفضل يجب أن تكون دافعًا قويًّا للتغلب على كل الصعوبات والعقبات، بل ينبغي تحدي كل ذلك لتحقيق الذات أولًا ثم الغايات والأهداف.. ويجب أن يكون الحق والإنصاف دائمًا نصب الأعين، وكذلك الامتثال للقيم الدينية والأخلاقية التي نشأنا عليها في ديرتنا ومجتمعنا.
الشباب الكويتي بل الشباب العربي بشكل عام هم الفئة الأكثر وجودًا في الوطن العربي.. ونتيجة للظروف والتقلبات الحاصلة في أرجاء الوطن العربي ووجود الصعوبات التي تواجه الجميع.. ينبغي على الشباب التزود بالمعرفة لأنها أساس التنمية، وأن يقرأوا كثيرًا ويقرأوا آيات الله البينات ويتدبروا معانيها السامية المبنية على الوسطية وتقبل الآخر وأن يحصنوا أنفسهم بالعلم النافع حتى لا تجرفهم رياح الجهل أو تؤثر فيهم سموم الأفاعي والثعابين الضالة المضلِّلة.. فنحن نرى اليوم أن كثيرًا من الجهلاء الذين لا (يفكّون) الخط كما يقال، يصدرون الفتاوى في العقيدة والتشريع والعبادات ويبيحون لأنفسهم أن يكونوا الصوت الأعلى وهذا ما نراه حولنا من تنظيمات ومجموعات خارجة على كل مألوف وثابت وهم يؤثِّرون على فئات كثيرة من الشباب - للأسف - خصوصًا من كان تعليمه بسيطًا أو من العاطلين عن العمل.
ولذلك ينبغي على الأقطار العربية الالتفات إلى قضية التعليم المجدي وإيلائها العناية التامة، وإنشاء المشاريع التي تستقطب الشباب تنفعهم وتنفع بلدانهم وتعود بالخير على سائر الوطن العربي.
كذلك ينبغي على الشباب القراءة والاطلاع على تجارب الآخرين ممن حققوا الطموحات والآمال وشاركوا في تنمية أوطانهم عربيًا وعالميًا وألا يجعلوا من الإحباطات والصعوبات التي تواجههم كل شيء.
«عملكم أكبرمن عمل كل سفرائنا في الخارج»
من حديث الذكريات يتذكر عبدالعزيز البابطين أنه في عام 1998 قابل سمو الأمير الراحل الشيخ جابرالاحمد رحمه الله لاستئذانه للذهاب إلى بيروت لإقامة دورة الأخطل الصغير برعاية المرحوم رفيق الحريري، ويصف الموقف فيقول: وضع رحمه الله يده على لحيته وقال لي يا عبدالعزيز العمل الذي تصنعونه من أجل الكويت يساوي أعمال سفرائنا مجتمعين في الخارج.
وما كنا نتكلم بهذا الأمر ولكن أراد الله أن يظهرها للجميع عند رجوعنا من دورة سعد الشيرازي في طهران وجئنا خمسة الدكتور خالد المذكور والدكتور محمد الرميحي والدكتور عبدالله المحارب وعبدالعزيز السريع وأنا، واجتمعنا بديوانيتنا وكل واحد أخذ دوره للتحدث في دقيقتين ووضع يده أيضاً على لحيته وقال رحمه الله: تذكر عام 1998 عندما قلت لكم ان أعمالكم تساوي أعمال سفرائنا بالخارج؟ الآن أقول لكم من على هذا الكرسي ان أعمالكم تزيد عن أعمال سفرائنا مجتمعين بالخارج.
الحقيقة كنا نجد تشجيعاً كبيراً منه رحمه الله وكان هذا التشجيع يدفعنا إلى بذل المزيد من الجهد وسنعمل بإذن الله إلى النهاية.
تعريب شعب جزر القمر
تحدث البابطين عما يقومون به من جهود في نشر اللغة العربية فقال: نقوم بالكثير من الجهد، حيث ذهبنا إلى دول عربية كثيرة وعلمناهم الدول العربية، ذهبنا إلى إيران وأوزبكستان قرغيزستان، تركمانستان، طاجيكستان، الهند، وعدة مناطق في أفريقيا، وذلك مع 57 جامعة عربية من المحيط إلى الخليج قمنا بعمل دورات تدريبية للغة العربية ولتذوق الشعر العربي، وبذلنا جهودا كبيرة جداً كللت بالنجاح.
وأضاف: أبشركم الآن أنه منذ 1 /5/ 2009 إلى اليوم، بدأنا بتعريب شعب جزر القمر، وعملنا في ذلك الوقت 15 دورة تدريبية 3 دورات للقضاة والوزراء و 12 دورة لمدرسي المرحلة الابتدائية، تمت دعوتنا كمجموعة كويتيين إلى هناك وبعد نزولنا في المطار كانت هناك فرقة كبيرة أنشدت لنا نشيد طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وكانت مؤثرة جداً في نفوسنا. ومنها انطلقنا إلى دورات تدريبية كثيرة فبعد البداية بـ 15 دورة وصلنا إلى 67 دورة تدريبية الآن تغطي الجزر الأربع كلها، وقمنا بتعريب جميع أسماء الشوارع في موروني العاصمة والمحافظة شمالي العاصمة، وأيضاً أدخلنا أسماء عربية في أسمائهم، وقمنا بتعريب كل الوزارات والدواوين الرسمية والمدارس وهذا جهد كبير نتمنى من الله سبحانه وتعالى الأجر عليه.
لا أعرفك ولكنني درست على حسابك 12 سنة
تحدث العم عبدالعزيز البابطين عن «بعثة سعود البابطين العربية للدراسات» التي اسسها منذ عام 1974 إلى اليوم. فقال: بدأنا بالتدريس بها من ذلك الوقت وكنا نأخذ طلابا عربا ندرسهم بالخارج في حالة عدم مقدرتهم ليدرسوا ببريطانيا وأميركا، ثم بعد التحرير قمنا بتحويلها إلى الدول الإسلامية التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي وبنينا 26 مدرسة من عام 1996 إلى اليوم في هذه المناطق بشرط أن تكون الدراسة باللغة العربية إلى جانب الدين الإسلامي، ونجحت التجربة من قرغيزستان إلى مراكش.
ونقوم بمتابعة تطبيق هذه الشروط دائماً وتخرج إلى الآن في بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات أكثر من 6000 طالب وطالبة والعديد منهم أصبحوا في وظائف متميزة.
ويضيف: كلمني أحدهم منذ 8 أشهر طالباً زيارتي فقال لي هل تعرفني؟ فأجبت بالنفي، فقال وأنا أيضاً لا أعرفك، ولكني درست على حسابكم 12 سنة إلى أن أخذت الدكتوراه والآن أنا وزير في تتارستان وجئت بمهمة رسمية من حكومة تتارستان إلى حكومة الكويت وعند مجيئي أصررت على زيارة المؤسسة التي كان لها الفضل في تعليمي. فشكرته على وفائه وهناك العديد منهم أصبحوا وزراء ومستشارين لرؤساء ومنهم رؤساء كانوا ضد الدين الإسلامي والآن هؤلاء الرؤساء قاموا ببناء معاهد دينية. بعضهم كان يعتقد في البداية أننا نأتي لتدريس الدين الإسلامي المتطرف، ولكن عندما لاحظوا أننا لا نوجه الطلبة ولا نملي عليهم ما يدرسونه ولهم حرية الاختيار في المجال المهتمين به قاموا بمساندتنا وأعطونا شهادة الدكتوراه الفخرية.
عُدت بعد 40 سنة لآخذ الكرسي !
يتذكر عبدالعزيز البابطين موقفاً حدث له وهو مروره من أمام ثانوية الشويخ بعد 40 سنة على تركها، فوجد نفسه يتوقف ويدخل إلى المكتبة وأخذ يقلب في كتبها، ويضيف: خلال تفقدي الكتب جاءتني بنت تعمل بالمكتبة، ولاحظت أنني أقلب في الكتب.
قالت: هل تريد مساعدة؟
فأجبتها بالنفي شاكراً عرضها للمساعدة، ثم جاءتني بعد نصف ساعة أخرى، وسألتني هل تريد المساعدة؟ فرددت بالإيجابي وأنني أرغب أن تذهب بي إلى أمين المكتبة، فذهبنا وعندما دخلنا على امينة المكتبة وإذا هي جالسة على مكتبها وأمامها قطعة صغيرة مكتوب عليها سعاد العتيقي.
سلمت عليها وجلست، وكان موجود نحو سبعة أساتذة.
فسألتني: ماذا تريد؟
فقلت: ألست بنت العتيقي؟
قالت نعم.
قلت: أعلم أنك بنت أهل كرام، لم تطلبي لي الشاي أو القهوة ولا أي شيء. تسألين أولاً؟
قالت: عفواً عفواً. وطلبت لنا الشاي. وبعد شرب الشاي قالت نعم؟،
قلت: أريد هذا الكرسي الذي تجلسين عليه.
قالت: ما فهمت.
قلت: هذا الكرسي الذي تجلسين عليه هو خاص بي.
فاستغربت واستنجدت بالأساتذة الموجودين. وعندما استفسروا مني عن الأمر قلت لهم هذا الكرسي خاص بي قبل 40 سنة وأنا الآن جئت لآخذه. فكانت نكتة لطيفة وبداية تعارف فعرفتهم عن نفسي.