الجميّل في الجنوب و«حزب الله» رحّب به

حوارات داخلية متعدّدة الاتجاه في لبنان تلاقي احتضانه الدولي

1 يناير 1970 01:06 ص
بدا المشهد اللبناني في الايام الاخيرة مشدوداً الى حركة مزدوجة خارجية وداخلية تراوح بين حديْن، الاول السعي الى حماية الاستقرار على النحو الذي يحدّ من تداعيات الحرائق الاقليمية على الداخل اللبناني الذي ينعم بحد أدنى من الاوضاع المريحة، والثاني محاولة كسر المأزق السياسي - الدستوري عبر انتخاب رئيس للجمهورية لضمان انتظام الأخطار الناجمة عن الارهاب العابر للحدود وعن شظايا الانفجار الاقليمي المتمادي.

وعلى قاعدة ان هذه الحركة في بُعديها الخارجي والداخلي اذا لم تنفع فانها لا تضر، تعاملت بيروت مع المحادثات الماراثونية التي أجراها اخيراً موفدا موسكو نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وباريس رئيس دائرة الشرق الاوسط في
الخارجية فرنسوا جيرو مع مروحة واسعة من المسؤولين الرسميين والحزبيين، اضافة الى زعماء روحيين.

ورغم ان ما رشح عن الحركة الروسية والفرنسية في بيروت لا يوحي بأن في الافق مبادرات من النوع الذي يمكّن لبنان من إنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية المستمرّ منذ اكثر من ستة اشهر، فان الدوائر المراقبة رأت في هذه الاندفاعة الدولية في اتجاه بيروت ما يؤشر الى استمرار مظلة الحماية الخارجية للبنان في لحظة المتغيرات العاصفة التي تشهدها المنطقة بأسرها، علماً ان الاسبوع الطالع سيشهد محطة مهمة لنائب الامين العام للأمم المتحدة يان الياسون الذي يصل الى بيروت اليوم في زيارة تستمر حتى الثلثاء يجتمع خلالها مع المسؤولين اللبنانيين الكبار، ويتخللها مشاركته غداً في إطلاق خطة الاستجابة لأزمة لبنان للسنتين 2015 و2016 التي تسعى الى التعامل مع أثر وجود اللاجئين السوريين في البلاد.

والأكثر اثارة للانتباه ان الداخل اللبناني بدأ يفيد من تلك المظلة القائمة على تقاطع مصالح اقليمية، عبر إعلان نيات متبادلة بين اللاعبين المحليين لإطلاق عمليات حوار ثنائية بـ«اجندات مختلفة»، وهو ما يجري عملياً في ثلاثة اتجاهات:

* الحوار المرتقب بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» على قاعدة الحد من الاحتقان السني - الشيعي والتفاهم بـ «الاحرف الاولى» على الملف الرئاسي المعلّق منذ 25 مايو الماضي.

* الحوار بـ«الواسطة» بين «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع و«التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون، وامكان تتويجه بلقاء بين الرجلين حول جدول أعمال ببند وحيد هو رئاسة الجمهورية.

* الحوار الدائر بين «حزب الكتائب» بزعامة رئيس الجمهورية السابق امين الجميل و«الثنائي الشيعي» المتمثل برئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله»، وجرت في ظلاله امس جولة للجميّل في مناطق عدة في جنوب لبنان.

ورغم «الهزّة الموْضعية» التي عكّرت صفو التحضيرات لانطلاق حوار «المستقبل» - «حزب الله» على خلفية حصار عرسال واعتداء «سرايا المقاومة» التابعة للحزب على دوريّة لـ «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي في تعمير عين الحلوة (ملاصق لمخيم عين الحلوة) خلال محاولة توقيف أحد المتورطين بإشكال، فان كل المؤشرات تدلّ على ان تطورات من هذا النوع تُبرز في جانبها الآخر ضرورة الإسراع في سحب فتيل الاحتقان المذهبي ومحاولة ملاقاة المناخ الدولي الضاغط لإنهاء الفراغ الرئاسي بحوارات داخلية.

وذكرت معلومات في هذا الاطار ان نادر الحريري، مدير مكتب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، عاد الى بيروت لاستكمال البحث في جدول أعمال الحوار المرتقب مع «حزب الله» والذي يسعى من خلاله «المستقبل» الى تكريس مبدأ الرئيس التوافقي باعتبار ان حظوظ مرشحيْ «8 مارس»، أي العماد عون، و«14 مارس» أي جعجع، سقطت نتيجة حدة الاستقطاب في البلاد.

وتبرز في هذا السياق المساعي «على الموجة» نفسها لعقد لقاء بين جعجع وعون في شكل ثنائي او تحت مظلة البطريركية المارونية التي شهدت في الايام الماضية حركة شملت زيارة عون والنائب سليمان فرنجية للبطريرك الكاردينال مار بشارة الراعي.

ورغم قنوات التواصل المفتوحة بين عون وجعجع، فان حصول أي لقاء بينهما يبقى رهن تسليم زعيم «التيار الوطني الحر» بمبدأ الرئيس التوافقي، الأمر الذي لم يَبْلغه عون بعد، مستفيداً من اتكائه على التحالف مع «حزب الله» الذي لا يبدو حتى الساعة مستعجلاً بتّ الملف الرئاسي.

وفي ملاقاة هذا المناخ، بدا من الصعب فصل الزيارة البارزة التي قام بها الرئيس الجميل للجنوب (ولا سيما لمرجعيون وحاصبيا) وهي الاولى له منذ العام 1983 (كان خلالها رئيساً للجمهورية) عن الملف الرئاسي ومحاولات رئيس «الكتائب» إحداث «اختراقات» في صفوف فريق «8 مارس» تتيح له التقدم نحو هذا الاستحقاق الذي يخوضه كمرشّح «طبيعي» رغم استمرار تمسك قوى «14 مارس» بترشيح جعجع.

وكان لافتاً الاستقبال «السياسي» الذي أُقيم للجميّل في الخيام وتحديداً في دارة وزير المال
علي حسن خليل، مستشار بري، وحضره نائب «حزب الله» علي فياض الذي رحّب برئيس
«الكتائب» في الجنوب الذي «هو ميزان الاستقرار والسياسية على مدى عقود، وعلى الاخص في منطقة مرجعيون حاصبيا أرض المقاومة والاعتدال والتعايش».

وأشار فياض الى ان «الحوار شكل استراتجيتنا الدائمة لتقريب المواقف بين اللبنانيين»، مضيفاً: «نبادل كل موقف مرن بانفتاح وتعاون وانشداد صوب الوحدة الوطنية للمضي قدماً»، مشدداً على «ضرورة التعاون لمواجهة التحديات».

يُذكر ان الوزير خليل أقام غداء على شرف الجميل والوفد المرافق.