الموفد الفرنسي في بيروت لاستطلاع الحلول الممكنة للفراغ الرئاسي

قطر تنسحب من الوساطة في قضية العسكريين اللبنانيين

1 يناير 1970 11:10 م
يمضي لبنان في «كوابيسه» الأمنية والسياسية التي يعبّر عنها في شكل رئيسي ملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيميْ «داعش» و«جبهة النصرة» والمفتوح من 2 اغسطس الماضي والفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية المستمرّ منذ 25 مايو الماضي.

ومن خلف «الغبار» الكثيف الذي يلفّ قضية العسكريين التي تشي بمزيد من الفصول «الداكنة» بعد تصفية «النصرة» الدرَكي علي البزال واعلان قطر انسحابها من الوساطة التي كانت تضطلع بها، تشهد بيروت محاولات لإحداث اختراق في ملف الفراغ الرئاسي سواء من خلال الاستعدادات لانطلاق الحوار الثنائي بين «تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) و«حزب الله» او عبر اللقاءات التي بدأها امس في بيروت المبعوث الخاص لوزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، مدير دائرة الشرق الأوسط وافريقيا الشمالية جان فرنسوا جيرو الذي سيبقى في بيروت اياماً عدة حيث سيلتقي عدداً من المسؤولين اللبنانيين قبل ان يواصل جولة في المنطقة تشمل إيران والمملكة العربية السعودية والفاتيكان وتتمحور حول ايجاد ارضية لفك الاشتباك بين الانتخابات الرئاسية اللبنانية وبين المشهد الاقليمي العاصِف وحسابات «الأقطاب» فيه.

واذا كان جيرو اكتفى بعد لقائه امس رئيس الحكومة تمام سلام بالاشارة الى ان «فرنسا تضع نفسها في تصرّف لبنان لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية يتوافق عليه اللبنانيون»، فان دوائر مراقبة تؤكد ان زيارته لبيروت هي لاستطلاع مكامن العقد وآفاق الحلول الممكنة لهذا الملف الذي سيحضر غداً في باريس التي ينتقل اليها سلام حيث سيجري محادثات مع كل من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء مانويل فالس، ووزير الدفاع جان ايف لودريان، بالإضافة إلى رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه والجمعية الوطنية كلود بارتولون، والجالية اللبنانية تشمل ايضاً موضوع اللاجئين السوريين وتسليح الجيش اللبناني من ضمن هبة الثلاث مليارت دولار السعودية.

وعلى اهمية الحركة الديبلوماسية في اتجاه العاصمة اللبنانية التي تستقبل اليوم ايضاً الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني، فان قضية العسكريين الاسرى بدت أمام منعطف بالغ الخطورة ولا سيما بعدما أصابت تصفية البزال الوساطة القطرية بـ «مقتل» مع اعلان وزارة الخارجية القطرية عن عدم إمكان استمرار الدوحة في لعب دور الوساطة للافراج عن المخطوفين «نتيجة فشل الجهود المبذولة»، معربة عن بالغ أسفها لمقتل علي البزال، ومجددة الحرص على بذل كافة الجهود الديبلوماسية من أجل الحفاظ على الأرواح،

ورغم اعتبار اوساط سياسية في بيروت ان استقالة قطر من دور الوساطة الذي كان يتولاه الموفد السوري احمد الخطيب يمكن ان يساهم في جعل خاطفي العسكريين يشعرون بضغط كبير للإسراع في بت الملف من ضمن الشروط المتاحة لبنانياً، فان دوائر متابعة لهذا الملف قرأت الخطوة القطرية في سياق الامتعاض من التخبط اللبناني والتردد في مقاربة مطالب الخاطفين ولا سيما لجهة مقايضة الاسرى بسجناء في لبنان وسورية، علماً ان كشف توقيف سجى الدليمي طليقة زعيم«داعش»ابو بكر البغدادي (كان معها ابنته وصبيين من زواج آخر) وزوجة احد قادة المجموعات المسلحة في سورية«ابو علي الشيشاني»ساهم في تعقيد هذه القضية وصولاً الى إعدام«النصرة»العنصر في قوى الامن الداخلي علي البزال.

وغداة انسحاب قطر من الملف، بدا لبنان مجدداً امام تحدي التفاوض المباشر مع الخاطفين وهو ما أعرب هيئة العلماء المسلمين عن استعدادها للاضطلاع به شرط ان تحصل على تفويض رسمي بذلك من حكومة الرئيس تمام سلام وعلى تعهد بقبول مبدأ المقايضة. علماً ان الهيئة بدأت امس عبر وفد يترأسه الشيخ سالم الرافعي جولة على عدد من القادة استهلّتها من دار الفتوى حيث التقت المفتي عبد اللطيف دريان مكررة تحديد الإطار العام لأي وساطة ستباشرها انطلاقاً من«مبادرة الكرامة والسلامة»التي سبق ان اعلنتها وتقوم على افراج لبنان عن النساء (الدليمي وعلا العقيلي) والأطفال مقابل وقف الخاطفين التهديدات بقتل العسكريين وذلك كبادرة حسن نيّة من الطرفين لاستئناف المفاوضات.

وفي موازاة ذلك، ووسط المخاوف من تطور الامور في ملف العسكريين ولا سيما مع تلويح بعض الاطراف بخطف رعايا اتراك او قطريين لمبادلتهم بالعسكريين، يحاول لبنان«استجماع قواه»و«أوراقه»المتمثلة بالدليمي والعقيلي (زوجة ابو علي الشيشاني) والضابط الكبير في«الجيش السوري الحر»العقيد عبد الله الرفاعي والقيادي في«النصرة»عماد جمعة (موقوفون في عهدة الأمن العام) في محاولة لدخول المفاوضات المباشرة من موقع قوة.

وكان بارزاً في سياق متصل، تشديد الجيش اللبناني إجراءاته ابتداء من يوم امس في جرود عرسال من ضمن قرار بمنع إمداد الخاطفين بالمؤن والمازوت والأموال وإقفال أي مسارب تجعلهم يتواصلون مع مخيمات النازحين في عرسال ومحيطها وذلك في إطار الضغط عليهم بملف العسكريين.

وفي هذه الأثناء لفت كلام لرئيس«اللقاء الديموقراطي»النائب وليد جنبلاط اكد فيه أنه يجب الإسراع في إنجاز التبادل بين العسكريين المخطوفين وبعض الموقوفين، موضحاً«ان المطلوب الآن إجراء المقايضة من دون إبطاء، على ان تشمل سجناء لبنانيين وحتى غير لبنانيين، في سجن رومية».

واذ دعا في تصريح صحافي الى«الكف عن المزايدة والعنتريات والتباهي والتذاكي»، اشار الى«ان هذه التصرفات تسببت بإحداث فوضى في خلية الازمة (الحكومية)»، معلناً«أنا صامت حتى الآن وفي فمي ماء، لان همي وأولويتي في الوقت الحاضر إنقاذ العسكريين وإطلاق سراحهم، لكن في الوقت المناسب سأقول كل ما لدي إذا لم يتغير النهج المتبع».

وطالب بعض أجهزة المخابرات ان«تركز جهدها على الاستعلام العملاني في منطقة جرود رأس بعلبك لتفادي سقوط المزيد من الشهداء في صفوف العسكريين بدل ان تتلهى بتسريب تفاصيل التحقيقات مع الموقوفات الى الصحف». علماً انه كان وصف عبر«تويتر»المخابرات اللبناني بانها تريد«العنتريات» رداً على عدم اعتماد السرية في موضوع اعتقال الدليمي.