د.يعقوب أحمد الشراح?/ صدى الكلمة

التعصّب الديني وساحة القتال

1 يناير 1970 03:12 م
يشتد القتال بين المسلمين بمختلف أطيافهم ومذاهبهم في الأرض العربية من أجل لا شيء سوى التطرف الديني والغلو في التفكير، وترسيخ العصبية أو «التعصب» عندما يندفع الشخص لنصرة معتقداته، وما يحمله من أوهام وازدراء للآخرين الذين يختلفون معه في المعتقد والرأي.

ولقد شوه التعصب الديني صورة المسلم في العالم بأنه إرهابي غير مسالم يلجأ إلى العدوان والعنف ونبذ الآخرين مستغلاً الدين بينما حقيقة الإسلام ترتكز على أن الإنسان مكرم عند خالقه، ليس لأحد الحق في النيل من كرامته وإنسانيته، فما بالك بقتله والتمثيل في جثته أمام العالم؟ المسلمون يقتلون المسلمين أو يذبحون معتنقي الأديان الأخرى في العراق وسورية ولبنان ونيجيريا وغيرها لأنهم يختلفون في معتقداتهم. والأدهى أن المسلم يقتل المسلم بناءً على الهوية والتخريب والطائفة والجماعة وهذا ما نعايشه اليوم من قتال دموي بين فصائل وأحزاب لا نعرف لها أول أو آخر.

نقول إن التعصب الديني في إطار الغلو الفكري والكراهية للآخرين مرض شرس يصيب الجميع، لأنه يعكس شهوة التدمير والبطش والقسوة، ويمثل الفكر الأحادي المتزمت الذي يسعى بغباء لتسخير الدين والعواطف للنيل من الذين لا يتفقون على منهج واحد أو الاعتقاد بأنهم كفرة لا دينيون. ولقد وجد أن التعصب يرتبط بالتمييز العنصري والطائفي والطبقي والعرقي والجنسي وغيرها.

الدارس للتاريخ يجد أن أكثر الحروب والدمار كان بسبب التعصب، والتعاليم الخاطئة، التي سادت في فترات متفاوتة من حكم الكنيسة في أوروبا، أو الإسلام في عصوره المختلفة، ويرى الكثيرون أن واقعنا المزري يمثل شكلا آخر من امتداد الدمار والحروب التي سادت عندما استخدم الدين مجالاً للفتنة والفتوات من قبل البعض الذين يدعون بمشايخ وأئمة الدين، فحرفوا الدين عن أصوله وتعاليمه السمحة.

لا شك أن التعصب يقيد الوسطية، أو الموضوعية، وكم نحن بحاجة شديدة إلى دعاة وأصحاب فكر ومختصين في علوم الدين والشرع يبذلون قصارى جهدهم في محاربة التعصب الديني والسياسي، مستغلين مساعيهم وجهودهم وعلومهم لإحلال الوسطية على التعصب، وخصوصاً في نفوس الشباب الذين أصبح البعض منهم فريسة سهلة للاستغلال من الذين يدعون العلم بالدين، فيدفعون الشباب إلى التهلكة والضياع والدمار. فمن يصدق أن تُعلق الرؤوس مقطوعة على الأسلاك أو أن يقتل بالدم البارد جند «شباب الصومال» أعدادا كبيرة من الناس في كينيا لأنهم لم يستطيعوا قراءة أي سورة من القرآن الكريم؟ أو يخطف «جماعة بوكو حرام» في نيجيريا فتيات من المدرسة يتم بيعهم بأقل من 100 دولار لكل فتاة؟

لا شك أن التعصب الديني آفة تزداد حدة يوما بعد يوم ولا يمكن مكافحتها إذا لم تتوحد الجهود الدولية في محاربتها. فلا يكفي تبادل المعلومات أو التصدي على مستوى الجهود الفردية وإنما لابد أن تكون مكافحة التعصب بكل أشكاله مهمة دولية تقودها الأمم المتحدة، وتلزم الدول بترجمة ذلك إلى واقع ملموس، وليس العكس الذي يؤدي إلى تنامي ظواهر العنف والتعصب والازدراء، والحروب المدمرة.

[email protected]