«الراي» واكبته وعاينت الحضور الكويتي
معرض بيروت للكتاب ... واحة «حوار أفكار»
| بيروت - من أسرار شبارو |
1 يناير 1970
11:10 م
انطلق «عرس» الكلمة في العاصمة اللبنانية التي تحتضن «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في دورته الثامنة والخمسين.
زحمة السير الخانقة على الطريق المؤدية للمعرض الذي يستضيفه مركز «البيال» للمعارض توحي بتعطّش اللبنانيين والعرب الى تلك الفسحة الفكرية التي تطلّ عليهم كل عام...كباراً وصغاراً ومراهقين قصدوا المكان، سياسيين وأدباء وشعراء اجتمعوا للاطلاع على آخر إصدارات دور النشر اللبنانية التي بلغ عددها 167 داراً، ودور النشر العربية التي بلغ عددها 56 داراً بالإضافة الى مؤسسات البحوث والجامعات اللبنانية والعربية.
الأشقاء العرب التقوا في مكان واحد...من الكويت، المملكة العربية السعودية، سلطنة عُمان، فلسطين والعراق، عرضوا كتبهم وساهموا في نشاطات ثقافية متعددة الوجوه، من المحاضرات والندوات والأمسيات الى اللقاءات التي تتناول مختلف جوانب الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما يشهد المعرض عشرات التواقيع.
الكتاب الذي أصبح عادة سنوية للوزير السابق غازي العريضي الذي يطلّ على شؤون المنطقة بكل ما يجري فيها من احداث وتطورات في محطات مختلفة على مدار السنة، كان حاضراً هذا العام تحت اسم «إسرائيل إلى الأقصى»، حيث شرح لـ «الراي» أثناء توقيعه مؤلَّفه «أردتُ من عنوان كتابي الجديد مسجداً ومدى، مسجداً بمعنى استهداف الأقصى وما يرمز اليه من مقدسات في حياتنا العربية والاسلامية والانسانية، ومدى بمعنى التمادي الاسرائيلي المستمر في الاعتداء على الشعب الفلسطيني في ظل وضع عربي مأزوم وتراجُع في موقع القضية الفلسطينية التي أصبحت في آخر القضايا».
لم يؤثر الربيع العربي على كتابات العريضي «كونه كانت لي قراءة خاصة، فلم أنجرف عاطفياً مع الأحداث، بل كنت أتطلع دائماً الى ان القضية المركزية هي القضية الفلسطينية وما قلته الآن كتبتُه قبل اعوام في كتاب عنوانه «حرب بلا قضية»، وذلك على عكس الكتّاب الذين انجرف الكثير منهم معتبرين ان المسألة انتهت بسرعة بمعنى التغيير، أما انا فكنت ضد هذا الرأي، ومنهم مَن انكفأ منتظراً، وفي النهاية كان موضع ملامة من قبلي».
الكتب التي نقلت حقيقة ما جرى في عالمنا العربي قليلة بنظر العريضي رغم مساحة الحرية التي أعطيت للكتاب وعن ذلك يقول: «مساحة الحرية التي اعطيت للكتاب في ظل الربيع العربي كبيرة جداً وكانت هناك فرصة للكتابة لكن الكثيرين فضلوا الانتظار».
الكويت كانت حاضرة في المعرض من خلال جامعتها ومكتبة «آفاق» التي تحدّث مدير مكتبها في بيروت زهير ميداني لـ «الراي» عن مشاركتهم للعام الثالث على التوالي وقال: «نحرص على المشاركة كون الإقبال على المعرض جيدا. كما ان من المعروف ان بيروت هي مركز بيع جملة يقصدها الزبائن من مختلف الدول العربية والعالمية، من دون إغفال انه يهمنا المشاركة لإثبات تواجدنا».
مكتبة «آفاق» مختصة بالروايات والكتب الفكرية المعاصرة وكتب الادب واللغة والانسانيات والتاريخ والدراسات الانسانية المعاصرة. وبحسب ميداني، فان الحركة في المعرض «مقبولة بشكل عام في ظل الازمات التي تمر بها الدول العربية» وميل القراء هو «إلى الروايات والكتب المعاصرة».
من جانبه اعتبر خالد سعيد ناصر مدير عام وصاحب «دار العلوم العربية للطباعة والنشر» التي تتميز بإصداراتها المتنوعة في كل المجالات الأدبية والفكرية والسياسية والجامعية والاكاديمية، في حديث لـ «الراي» أن «الربيع العربي أثر في توجهات الناس الذين بات 70 الى 75 في المئة منهم يميلون الى الروايات والكتب الادبية والشعر»، اما السبب في رأيه فهو «محاولتهم الابتعاد عن الأخبار والواقع المؤلم والكتب السياسية».
«روح» جديدة برزت محاولة لبثها في المعرض، وبحسب ناصر «نحن كـ ناشرين نساهم من خلال الموضوعات الجديدة والمحاضرات في بث تلك الروح، لكن لا اتصور انها تكفي للنقلة التي نحلم بها، ومع ذلك نتأمل الوصول اليها».
صاحب رواية «نقّل فؤادك»، المأخوذة من بيت لأبو تمام حسن داوود، اعتبر في حديث لـ «الراي» ان «الاقبال جيد هذا العام وهو يفوق العام الماضي». وعما اذا كان الربيع العربي منح الكتاب مساحة اكبر من الحرية اجاب: «الربيع العربي جعل الناس اقرب الى المتابعة اليومية ولا أستطيع الجزم اذا كان الناس يقتربون من الثقافة ام يبتعدون، ولكن أستطيع القول ان الناس باتوا يضعون الثقافة خلفهم، فالسياسة وهمّ الحياة هما الطاغيان، كذلك فان الخوف ونسبة سيطرة أطراف كارهين للثقافة ترتفع، اما بالنسبة للكتّاب ففي لبنان ما زلنا نكتب كالسابق لكن في بعض البلدان بات مجال الحريات اوسع، فالسلطة التي كانت حاكمة فيها ضعفت و زالت».
كلام داوود اكدته مديرة التحرير في دار «الساقي» رانيا المعلم لـ «الراي» اذ قالت: «الحركة في المعرض جيدة رغم المخاوف التي ساورتنا قبل انطلاقه من تأثير الطقس والظروف سلباً على الاقبال، لكن عدد الزائرين الى حد الآن يقترب من العام الماضي ولم يتغير شيء».
وعن الكتب المرغوبة لفتت الى ان «اكثر الكتب المطلوبة هي الادب والفكر والسياسة، والروايات لها السوق الاكبر اما الشعر فقليل، ونحن بتنا مقلين في الاصدارات الشعرية حيث اقتصرت على المجموعة الشعرية الكاملة لادونيس ومجموعة شعرية جديدة لعباس بيضون».
واضافت: «الطلب على الرواية قد يكون رغبة من الناس في الهروب من الواقع، أما بالنسبة للفكر والسياسة فالمطلوب الكتابات التي لا تتناول الامور الراهنة، ونحن بالنسبة لدارنا نحاول الابتعاد قدر الامكان عن الكتابات الآنية واللحظوية، فمنذ بدء الربيع العربي تلقينا آلاف المخطوطات حول ما يحصل في الدول العربية من مصر وسورية واليمن، وهي عبارة عن مقاربات ليست جدية وتحتاج الى وقت كي تختمر في رأس الناس والكتّاب حتى يستطيعوا الكتابة عن التجربة».
وتابعت: «مَن يلاحظ إصداراتنا يعرف اننا أصدرنا شيئاً مفيداً للحظة الراهنة، يقاوم التطرف ورفض الآخر المختلف، وهذا الاختلاف حاولنا ترجمته في النشر سواء في الأدب أم في الفكر، وكمرافقة آنية أصدرنا كتابين عما يسمى بـ «داعش» للصحافي الانكليزي باتريك كوكبيرن وكتاب «الدولة الإسلامية الجذور التوحش والمستقبل» لعبد الباري عطوان».
على العكس من ذلك اوضحت لـ «الراي» مديرة المركز العربي للابحاث ودارسة السياسات ميرفت ابي خليل ان المركز تأسس في فترة الربيع العربي ولذلك «من الطبيعي ان تغطي الكتابات تلك المرحلة، ولذلك الكتب التي لدينا تتناول الواقع الراهن، مع وجود كتب تاريخية تطلّ على التطورات الجارية في العالم العربي، وآخر كتاب هو للدكتور نادر سراج بعنوان مصر الثورة وشعارات شبابها».
سراج الذي كان يقف أمامها يتبادل اطراف الحديث معها شرح لـ «الراي» ان كتابه «يفكك ويحلل 1700 مفتاح دلالي لشعارات وهتافات الثورة المصرية، ويفتح أفق علاقة اللغة بالمجتمع في زمن الأزمات».
وعن حرية الكتّاب بعد الربيع العربي قال سراج: «نظرة صغيرة على كتب المركز العربي، يمكن الاستنتاج منها ان الكتّاب وإن لم يكتبوا في بلدانهم فهم يكتبون عن بلدانهم في دول اخرى. مثلاً لبنان وقطر يفسحان المجال لاصدارات جديدة تتناول كل مجالات التغيير التي تتم في المجتمعات العربية وذلك بغض النظر عن مقالات التغيير، فالباحث مثلنا ليس عمله رصد «إلى أين ستوصل الثورات» بل درس الثورات والقائمين بها وخلفيتها وبلاغتها والتشكيل اللغوي والفكري الذي سعى الى قيامها».
صاحبة دار «كتاب سامر» للاطفال وفاء الحسيني اغتنمت الفرصة لتوجه علامات استفهام لدولة الكويت عن سبب رفض طلبها بالمشاركة في معرض الكويت حيث قالت لـ «الراي»: «للاسف للمرة العاشرة وانا أراسل دولة الكويت و وزارة ثقافتها من اجل المشاركة في معرض كتابهم وأقدّم كل الاصدارات الموجودة لديّ مع نبذة عن المؤسسة، وكل كتبي لا خوف على الاطفال منها، وهناك قسم من كتاباتي موجود في دولتهم، كل ما أتمناه معرفة سبب رفض طلبي وإفساح المجال لي للمشاركة في المعارض المقبلة».
كتب الاطفال بحسب الحسيني كانت رائجة في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي قبل ان تبدأ شمعتها بالانطفاء كما ان «معرض الكتاب كانت له نكهة خاصة، اذ كان حديقة تجمع كل أقطار الدول العربية التي تنتج اجمل الكتب، لكن اذا عدنا للارشيف اليوم فنجد الفارق في مضمون الكتب الذي بدأ يتراجع على عكس البذخ على غلافه، مع عدم انكاري لوجود بعض دور النشر التي لا تزال تحترم نفسها».
وختمت الحسيني: «الكمبيوتر والانترنت سرقا الكتب من الاطفال، وباتت مطالعتهم لها نادرة اذا لم يتم إلزامهم من قبل المدرسة»، أما المسؤولية في رأيها فتقع على عاتق الأهل «الذين و إن ابتاعوا كتباً لأطفالهم فإنهم يضعونها كمزهرية في المكتبة» متسائلة: «أين الأم التي تجلس بجانب ولدها وتُرغِبه بالقراءة؟».