استشاط ذلك الرجل غضباً عندما أتلفت ابنته ورق تغليف كانت تزين بها علبة صغيرة،ثم ما لبث أن هدأ بعد أن أعطته ابنته تلك العلبة قائلة: هذه العلبة هدية لك يا أبي.
فتح الأب هديته فوجدها فارغة، فرمى تلك العلبة في سلة المهملات وصرخ في وجهها معتقداً أنه قد تعرض لدعابة سمجة من ابنته.
عندها بكت الطفلة وقالت: إن تلك العلبة ليست فارغة فقد ملأتها بالقبلات من أجلك يا أبي.
ندم الأب على فعلته، وأحس بحرج شديد وضم إليه ابنته، طالباً منها الصفح، التي ما لبثت تقبله وتمسح الدموع عن وجهه.
لقد تعلم ذلك الأب من طفلته الصغيرة أن الهدية مهما كانت بسيطة، فإنها تعبير عن الحب والتقدير والعرفان بالجميل، أما تلك الطفلة الصغيرة فقد أدركت أثر الهدية في النفس، فأحبت أن تظهر حبها وتقديرها لوالدها من خلال تقديم تلك الهدية.
إن للهدية أثر عظيم في النفوس، بسبب ما تجلبه من ود ومحبة، فهي دليل الحب الصادق وصفاء القلوب، وفيها استبعاد للضغائن والأحقاد، إنها احساس وشعور قد يكون ملموساً أو محسوساً.
وتعتبر الهدية كذلك خير وسيلة لتدعيم العلاقات الإنسانية بين الزوج وزوجته، وبين الآباء والأبناء، ومع الجيران والأصدقاء والزملاء في العمل.
هي إبداع إيجابي لا ينسى في الأحاسيس والمشاعر، توطد أواصر المحبة والود بين أفراد المجتمع، وعملية استثمارية ناجحة ومربحة في نهاية المطاف.
فكم من صداقة وألفة جلبتها الهدية، وكم من مشكلة كانت الهدية سبباً لحلها، فحلت الصداقة والمحبة مكان التنافر والضغينة. إنها هبة يقدمها الإنسان لمن يحب، وهي تعبيرعن مكانة المُهدى إليه في قلب من منحه تلك الهدية، وفيها ترجمة لما يربط الناس بعضهم البعض من حب وإخاء، حيث يقول فيها الشاعر:
هدايا الناس بعضهم لبعض
تولد في قلوبهم الوصال
وتزرع في الضمير هوى ووداً
وتكسوهم إذا حضروا جمالاً
إنها البلسم السحري للنفوس والشافي للجروح، هي كالثلج تذهب حر نار الأحقاد المتأججة، وفيها سحر تحويل ألد الأعداء إلى أصدقاء، وتدفع الوساوس بين الأزواج، وتوطد أواصر الحب ومشاعره لما تجلبه من مودة وتراحم، خصوصا إذا رافقتها الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة والعبارات المريحة. وفيها الدليل القاطع على أن الشخص الآخر يفكر فيه، ويبحث عن إسعاده ويحاول إرضاءه.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. وفي هذا الحديث سن الرسول الكريم الهدية، وربطها بما تسببه من حب وتواصل بين الناس، بغض النظر عن جنسهم وأعمارهم ودينهم وثقافتهم.
هذا وقد أكدت أبحاث علماء النفس والاجتماع هذا المعنى الإيجابي للهدية، حيث ترجم العالم الغربي مارشال سالنز هذا المعنى حين قال: إذا كان الأصدقاء يتبادلون الهدايا، فإن الهدايا هي التي تصنع الأصدقاء.
ولكي ما تؤتي الهدية ثمارها، ويكون لها الأثر الأكبر والإيجابي في نفوس من يهمنا أمرهم، وجب مراعاة بعض القواعد البسيطة عند تقديمها. فعنصر المفاجأة ودون انتظار مناسبة يجعلها ذات مغزى كبير، على حين أن التمنن والتذكير بالهدية يفقدها معناها. كما أن تقديم الهدية أمام الآخرين تعبير عن مزيد من الاهتمام والتقدير خصوصا بين الأزواج وبين أفراد الأسرة الواحدة.
ويحبذ كذلك تغليف الهدية بغلاف جميل يناسبها، وأن تقدم في جو ملئه البهجة، وأن تكون مناسبة للمُهدى إليه مع ابتسامة وكلمات تدلل على المحبة والود.
حيث لا ترتبط الهدية بالحاجة، فأغلب البشر وبغض النظر عن ثرائهم ونفوذهم يشعرون بالسعادة عندما يتلقون الهدايا، مهما كانت بسيطة أو من غير مناسبة، مصداقاً للمثل الشعبي القائل (أنا غنية وأحب الهدية).
وعلى الرغم أن الهدية قد تختلف باختلاف الأجناس والثقافات والحضارات والمواقف، فإنها تبقى دوماً رمزاً للمحبة والوفاء والوصال، ورسالة الحب والسحر الذي يمكن أن يحل أعقد المشكلات، ولغة من أبسط لغات العالم وأجملها، تمس المشاعر الإنسانية بعمق، ويبقى أثرها لفترة طويلة في النفوس.
إن الهدية مفتاح من مفاتيح القلوب، توصل الإحساس بالإحساس، والشعور بالشعور والوجدان بالوجدان، فيها تجاوز للقيود والأسوار، تفتح القلوب المغلقة وتعبر عما تكنه النفوس من محبة وود، وتدل على سمو الأخلاق، كبيرة في معناها رغم بساطتها.
فلا تغفلوا ذلك المفتاح...
ويبقى السؤال، إذا كان لديك هدية واحدة فلمن تقدمها؟
والإجابة لكم.
* مدرب الحياة والتفكير الإيجابي
Twitter: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
[email protected]