يقتني آلاف الأسطوانات وآلات قديمة ونادرة تُقدر قيمتها بـ 1.5 مليون دولار ... و ليست للبيع

وليد خويص حوّل منزله «متحفاً» ... يحتضن كنوزاً من الموسيقى

1 يناير 1970 10:20 ص
• إرثه من المقتنيات يشمل النشيد المصري الذي أنشده فريد الأطرش في الرابعة عشرة من عمره

• في «خزانته» قطع نادرة من كاميرات فوتوغرافية وسينمائية وأسطوانات حجرية وآلات تسجيل وتظهير

• «نوادره» يحتوي على أوّل تلفزيون ملوّن صنعته «توشيبا» وفيديو على البكرة مع شريطه وكاميرا تعود إلى العام 1904

• يملك أكبر مكتبة موسيقية في العالم العربي
«غوّاص في بحر الموسيقى»!

لعل هذا هو اللقب الذي يجدر إطلاقه على وليد خويص، ذلك اللبناني الذي اختار لنفسه - قبل نحو ثلاثة عقود - أن يكون باحثاً عن الأنغام النادرة، والآلات الموسيقية التي غمرها تراب النسيان بفعل الأزمنة المتعاقبة، وموجات التكنولوجيا المتسارعة، التي تطيح بالأدوات المتقادمة، في قسوة بالغة، إلى خارج الذاكرة!

وفي حديثه مع «الراي»، قال الخويص، الذي بدأ رحلته قبل 28 عاماً بوضع «الأسطوانة» الأساس لمكتبته، إن المصادفة وحدها قادته إلى هواية جمع كل ما هو قديم ونادر من تلك الأقراص التي تشع ألحاناً وأنغاماً... فظل يقضي سني عمره - إلى يومنا هذا - رحالاً يبحث عن موسوعات الموسيقى العربية، حتى بات منزله ليس فقط متحفاً للمقتنيات الموسيقية من كل شكل ولون، بل صار مرجعاً لتاريخ الموسيقى وسجلا لتطورها ومرصداً لكل مراحلها، رجوعاً إلى الوراء... حتى عصر النهضة.

الخويص يتذكر أن الانطلاقة كانت في العام 1986، خلال مشاهدته حفلاً كلاسيكياً في المسرح القومي الروسي، حيث فوجئ بتقديم مقطوعات موسيقية عربية منها «يا زهرة في خيالي» للموسيقار الراحل فريد الأطرش و«ساعة بقرب الحبيب» و«بنادي عليك» جنبا الى جنب سيمفونيات باخ وبيتهوفن. وأكمل: «إن شعوري بالفخر لسماع الموسيقى العربية تُعزف في دول الغرب، دفعني إلى حجز مقعد لي في رحلة خاصة أسافر خلالها إلى الزمن الماضي، باحثا عن الطرب الأصيل، ومنقبا في كواليس صناعته»!

لكن الأمر الذي ضاعف دهشته وحفزه على هذه الرحلة التاريخية - أردف خويص - هو أن قائد الفرقة «السوفييتي» أخبره، لدى لقائه به، أنه يدرس في جامعة موسكو موسيقى رياض السنباطي وفريد الأطرش.

وعاد خويص، المولود العام 1956، إلى وطنه لبنان - يقول - وفي حقيبته 16 أسطوانة لفريد الأطرش، إلى جانب كنز لا يُقدر بثمن، وهو اكتشافه أهمية الطرب العربي، وقرار حاسم بأن يأخذ على عاتقه مهمة جمْعه وحفظه، مهما كلفه الأمر.

يوضح وليد خويص لـ «الراي» أن انبهاره لم يأتِ من العدم، فهو ترعرع في منزل يهوى الموسيقى والطرب الأصيل، مستطرداً: «صورة والدايّ وهما يجلسان قرب المذياع يستمعان إلى أغنيات فريد الأطرش وعبد الوهاب لا تفارق مخيلتي. والدتي كانت تبكي لدى سماعها أغنية (فرّق ما بينا ليه الزمان؟)، حيث كان أهلها مغتربين في المكسيك، أما والدي فكان يطلب مني رفع صوت الجهاز حين يندمج بالموسيقى».

خويص، الذي تربى على محبة أهله للتراث العربي، تابع أنه قرر تحقيق هدفه في الحفاظ على التراث الموسيقي العربي بكل السبل ومهما كانت الصعوبات، فقصد الدول العربية محاولاً الحصول على كل ما له علاقة بالفن التراثي، حتى أضحى اليوم صاحب أكبر مكتبة موسيقية في العالم العربي مركزها منزله في منطقة الشويفات (جنوب بيروت) والتي باتت أشبه بمتحف يضم آلاف الأسطوانات المهمة والقطع النادرة لعمالقة الموسيقى والغناء العربي، بدءا من العام 1930، مبينا انه حصل على الأسطوانات «من شركة»أوديون«وغيرها الكثير من الشركات التي قصدها في عدد لا بأس به من الدول».

لا يملك «الغواص في بحر الموسيقى»، العاشق الأنغام العربية، رقماً نهائيّاً لعدد الأسطوانات التي تحتويها مكتبته، شارحا أنها «تضم آلاف التسجيلات وعشرات الأسطوانات المهمة والنادرة، منها النشيد المصري الذي أنشده فريد الأطرش حين لم يكن تجاوز 14 عاماً، كما تضمّ مجموعة كبيرة من القطع النادرة من كاميرات تصوير فوتوغرافية وسينمائية، وأجهزة سينما يدوية وأجهزة راديو، وآلات تسجيل وآلات عرض صور وأجهزة إذاعة، وأسطوانات حجرية وآلات تظهير... وغيرها، جميعها لاتزال تعمل من دون استثناء، حيث يتولى ابني صيانتها وتصليحها».

ويواصل خويص: «أما أهم القطع النادرة فمنها أوّل تلفزيون ملوّن صنعته شركة توشيبا، فيديو على البكرة مع شريطه، كاميرا تعود صناعتها إلى العام 1904، سينما يدوية، راديو يعمل على الإبرة وغيرها الكثير. كما تحتوي المكتبة على برامج إذاعية قديمة يعود بعضها إلى العام 1918، واسطوانات يرجع تاريخها إلى 1935. ودفعني خوفي عليها الى تزويد المنزل بكاميرات مراقبة خارجية وأجهزة مكافحة للرطوبة والأكسدة».

وبيّن خويص، الذي يعمل محاسباً في بلدية الشويفات، مع عائلته المؤلفة من ثلاثة شبان وفتاة بالإضافة الى زوجته، وجميعهم يشاطرونه شغفه، إنه يحافظ على الارث الموسيقي الذي يقتنيه، من خلال قيام ابنه«حمادة»، المتخصص في مجال العلوم السمعية والبصرية، بنقل التسجيلات والأغنيات من نظام أحادي (مونو) إلى نظام«الديجيتال»لتنقية الصوت، مع حفظها على«هارد ديسك»، حيث يخصص عدة ساعات يوميا من وقته هو وأبنائه للقيام بهذه المهمة، متابعا:«إن هذا الجهد قُدّر من أهل الفن والثقافة في لبنان، فتلقيت التكريم تلو التكريم بالكثير من الأوسمة والميداليات والدروع».

يشرح الخويص أنه أقام المشروع بتمويل خاص منه هو وابنته ميرنا وأبناؤه أحمد وأدهم وإياد، موضحا:«جهدنا خاص وأموالنا خاصة، نعمل ونمول من دون مساعدة خارجية»، واستطرد:«مكتبتي لا تُقدر بثمن، فيها الكثير من القطع النادرة التي اشتريناها بعرق جبيننا، عدا الجهد المبذول فيها، ولذلك قمت بتأمينها حيث تبلغ قيمتها وفقا لتقدير شركة التأمين نحو مليون ونصف المليون دولار، وانا لا أفكر في بيعها... فهي قطعة مني وبمنزلة ولد من أولادي، كما أن أبنائي يشاركونني المسيرة، وانا متأكد من أنهم سيحافظون عليها من بعدي، لذلك من المستحيل أن أبيع شيئا من معروضاتي».

وعن زوار متحفه بيّن خويص:«كل مَن يهتم بالفن والتراث العربي القديم يأتي لزيارة مكتبتنا، فبالاضافة إلى الأصدقاء من الأوساط الثقافية والإعلامية والفنية الذين يأتون لإحياء ليالي وسهرات الطرب، تزورنا وفود طلابية وكثير من كبار السن، فجمعية المقاصد الإسلامية على سبيل المثال جاءت بجمع من المسنين الذين استمعوا إلى زمن عايشوه وفرحوا كثيراً، ما دفعهم الى دعوتي وزوجتي إلى جمعية العمر المديد حيث قدموا لي درعا تكريمية»، ومردفا:«أقمتُ تكريماَ للفنان نهاد طربية حيث قلده رئيس بلدية الشويفات درع مدينة شويفات».

خويص ختم حديثه مع«الراي»بقوله:«بعدما قضيت سنوات عمري في جمع هذا الإرث الثمين من التحف الموسيقية، لاأزال أستمتع بإنجازي، فلا يمر يوم من دون أن أستمع إلى عمالقة الفن الجميل، كفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وغيرهم... فهم تركوا لنا إرثهم، وأنا حافظتُ عليه مع عائلتي».