سيرته الذاتية ... صدرت قبل رحيله بأيام

أحمد طوغان ... أحد رواد الكاريكاتير وفنان صنعته الآلام

1 يناير 1970 01:30 م
هي حقا سيرة «فنان صنعته الآلام»، تلك التي أصدرها فنان الكاريكاتير المصري أحمد طوغان «1926 - 2014» قبل رحيله بأيام، عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة.

ألم بدأ مع رحيل والده ضابط الشرطة تاركا له أسرة يتحمل مسؤوليتها، ثم الأخ الأصغر، فالعديد من الأصدقاء، وأخيرا الابن الأكبر، ألم من عشرات التجارب التي خاضها، والأزمات التي عايشها وتماهت في كثير من الأحيان مع أزمات الوطن، حتى إنه يمكننا القول إنها سيرة وطن، فقد قدم لنا ما لا نعرفه عن عشرات الشخصيات التي عايشها، وحكى لنا عن مغامراته الصحافية التي خاضها، والصحف والمجلات التي شارك في تأسيسها.

اختار طوغان، وهو أحد رواد فن الكاريكاتير في مصر، أن يعنون سيرته بنفس عنوان المقدمة التي كتبها الرئيس الراحل أنور السادات لكتاب «قضايا الشعوب» الذي أصدره طوغان العام 1957.

فكتب يقول فيها: «إنها الآلام التي صهرت هذه النفس الوادعة في مستهل العمر ومطلع أيام الشباب، لقد عرفها طوغان وهو حدث، وصارعها وهو يافع، وأفاد منها في شبابه خبرة وحكمة لا تصنعها في سنين قليلة آلام كبيرة».

يقول طوغان الملقب بشيخ رسامي الكاريكاتير المصريين في كتابه متحدثا عن نشأته: «وُلدتُ في مدينة المنيا بصعيد مصر في العشرين من ديسمبر العام 1926، وبدأت أدرك ما حولي عندما انتقلنا إلى مدينة أسيوط، كان أبي ضابطا بالشرطة، وأيامها كان ضباط الشرطة يتنقَّلون بين مختلف المدن حسب الحاجة إليهم»، ومن هنا تنوعت معارفه وخبراته وهو لايزال طفلا، وقد ساهم في هذا الثراء المعرفي والبصري في تشكيلة وعيه ووجدانه، إضافة إلى رعاية والدته التي تفرَّغت لتربيته، فعلَّمته القراءة والكتابة، وأنشأته على الجدية، والالتزام، وحب الناس، واحترام الكبير، على الجانب الآخر كان والده ضابط الشرطة رجلا قويا، وحازما، فكان يتحاشاه.

وعن علاقته بالآلام يروي طوغان ارتباطه الوثيق بالآلام منذ طفولته، ففي أحد المواقف عاقبه والده بشدة على خطأ لم يفعله، ولم يكن يستطيع أن يحاور الوالد ويخبره بأنه ليس مذنبا.

وساعتها شعر بغضب شديد في داخله وقهر كبير، فقرر أن يحرق نفسه وينهي حياته، فأحضر كمية كبيرة من الكيروسين ووضعها على جسده وأضرم النار، لكن والدته دخلت عليه في غرفته وأنقذته في آخر لحظة. ويصف الحالة التي كان عليها بقوله: «لم يكن بين الأطباء مَنْ يتصوَّر أنني سوف أعود إلى الحياة، وكانت معجزة يتحدثون عنها عندما غادرت المستشفى، وأنا على قيد الحياة!. ظللت في مستشفى الدمرداش سنة ونصف السنة، منها ثلاثة أشهر كنت غائبًا عن الوعي، وضعوني في سرير عليه قبة من الأسلاك مغطاة بقماش سميك يتدلى منها عدد من اللمبات الكهربائية للحفاظ على درجة حرارة معينة حسب تعليمات الأطباء، كنت عاري الجسم تمامًا تحت القبة، بلا غطاء خوفا من التصاق الغطاء بالجروح الغائرة في الفخذ والبطن والصدر والوجه.

بعد هذه بعدة سنوات توالت الآلام، حيث وفاة والده، ثم زادت حدة الآلام بعد وفاة أخيه عبدالسلام، الذي يصفه بقوله: «كانت نفسه مليئة بالأحلام والآمال، في هذا العمر -19 عاما - اشترك في تمثيل فيلم سينمائي أذكر أن اسمه كان: «أرض السلام»، وكان يزامله وقتها في الفيلم الفنانان عمر الشريف وعبدالسلام النابلسي، وكانت أحداث الفيلم تُصوَّر في مدينة الأقصر!».

عمل طوغان كرسام كاريكاتير في الصحف منذ العام 1946، وشارك في تأسيس جريدة «الجمهورية» بعد ثورة 1952، حيث كانت تربطه علاقة صداقة بأنور السادات أحد الضباط الأحرار والذي سيصبح رئيسا لجمهورية مصر العربية. ويحكى طوغان عبر فصول كتابه كيف غادر جريدة الجمهورية متنقلا بين العديد من الجرائد ومسافرا عبر العديد من الدول، منها الجزائر، حيث تضامن مع جيش التحرير الوطني الجزائري، وحضوره بعض العمليات التي قام بها مقاتلو جيش التحرير الوطني ضد قوات الاحتلال الفرنسي، وبعدها تجربته في اليمن، التي وصفها بـ «بلاد السحر والخيال»، وكان قد حضر جانبا من حرب اليمن التي شاركت فيها القوات المصرية دعما لثورة اليمن. ويروي تفاصيل أحداث عاشها هناك في هذه البلاد التي تحملك ـ بمجرد أن تطأ أرضها بقدميك ـ إلى القرن الرابع عشر!، ثم رحلته إلى براغ، عاصمة تشيكوسلوفاكيا ـ السابقة ـ والتي يصفها بأنها «جوهرة قلب أوروبا»، حيث زارها بناءً على دعوة وصلته بمناسبة مهرجان للفنون.

يضم الكتاب ملحقا خاصا به مئات الصور ورسوم الكاريكاتير التي قدمها خلال أكثر من نصف قرن من الإبداع.