إبراهيم أديب العوضي / اجتهادات

تقشف - ترشيد - رسوم !

1 يناير 1970 08:06 م
تتسارع وتيرة انخفاظ أسعار النفط ليصل سعر النفط الكويتي إلى ما دون الـ72 دولاراً للبرميل الواحد وليفقد بذلك أكثر من 37 دولارا خلال أقل من أربعة أشهر وبنسبة تزيد على 35 في المئة.

أرقام تبدو للوهلة الأولى مخيفة، وهي في الواقع كذلك، خصوصا أننا نعيش في بئية اقتصادية تعتمد بشكل أو بآخر على النفط كمصدر رئيسي للدخل، حيث تعتمد الدولة على 94 في المئة من مدخولاتها على البترول ومنتجاته المختلفة.

ومع كل هذه المعطيات، بدأت مصطلحات التقشف وترشيد الإنفاق وشد الأحزمة ووقف الهدر وفرض رسوم على الخدمات وزيادة أسعار البنزين والمنتجات المدعومة وغيرها تطلق من جهات حكومية وغير حكومية، ويبدو أن مرحلة جس النبض بدأت لقياس ردة فعل الشارع من خلال التصريحات والتقارير التي تنشر في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.

في البداية، نعي تماما أن هذا الانخفاض لا دخل لا للكويت ولا للحكومة فيه، وأنه جاء بسبب حالة الاضطراب الجيوسياسي الذي تعيشه دول المنطقة وبسبب تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وخصوصاً الصيني، وكذلك بسبب زيادة إنتاج النفط الصخري في أميركا وأيضا بسبب زيادة نسبة المعروض عن الطلب العالمي، وكل هذه العوامل ساهمت في انخفاض أسعار النفط، والتي تشير التوقعات على استمرار انخفاضه حتى منتصف العام المقبل.

لا ننكر أن للكويت احتياطيات مالية هائلة واستثمارات في مختلف بقاع العالم ذات قيمة جيدة، وسياستها في إنشاء صندوق الأجيال القادمة كون لها مخزونا ماليا لمواجهات أي كوارث محتملة، إلا أن كل ذلك سيفي بالغرض لسنوات محددة فقط، خصوصا إذا ما استمر الحال على ما هي عليه خلال السنوات المـقـبلة.

فحسب التقديرات التي أشار إليها كل من صندوق النقد الدولي والدراسات المعدة من قبل «دويتشه بنك» وجهات أخرى متخصصة في القطاع النفطي، فإن سعر التعادل (وهو السعر الذي تتساوى فيه الإيرادات مع المصروفات خلال العام) للكويت يبلغ 75 دولارا، أخذا بالاعتبار أن سعر النفط الكويتي حاليا وصل لما دون 72 دولاراً.

كما أن الدراسات تشير إلى أنه في حال استمرار أسعار النفط على ما هي عليه خلال السنة المقبلة، فإن الكثير من الدول المنتجة للنفط والتي تعتمد ميزانياتها على النفط كمصدر رئيس للدخل ومنها الكويت، ستشهد تحولا إلى عجز، تنتقل من خلالها الفوائض المالية المحققة إلى خسائر، مع نهاية العام المقبل.

ومع كل هذه المعطيات، فإننا نحتاج إلى وقفة جادة. فمن الملاحظ في كل أزمة تمر بها الكويت، ان الحلول التي تطرح لا يمكن أن نطلق عليها سوى مفهوم الحلول الآنية دون وجود نظرة مستقبلية جادة لمعالجة حجم الاختلالات الهائلة التي نعانيها. لذا يجب أن تعي الحكومة، ولا أعتقد أنها لا تعلم ذلك، أن الاعتماد على النفط وحده لا يمكن أن يكون قادرا على بقاء ديمومة الدولة الاقتصادية، وأن علينا أن نعيد النظر في سياسة الدولة في تنويع مصادر الدخل وفي القيام بإصلاحات مالية واسعة وفي تشجيع القطاع الخاص للمساهمة في إجمالي الناتج المحلي، وأننا يجب علينا خلق بيئة تساهم في وجود سوق صناعي فعالة، وفي تقنين بند المصروفات والعطايا والهبات وغيرها من المفاهيم الغائبة التي تساهم في الابتعاد عن اعتمادنا على النفط وحده دون غيره.

مازال في الوقت متسع، ولعل الانخفاض الحالي في سعر النفط فرصة لإعادة النظر في سياسة الدولة الاقتصادية لمواجهة أي أزمات مستقبلية منتظرة قد تعصف بوضع الدولة المالي، فهل من مدكر؟