رأي قلمي

الانسجام بين التدريب والتحويل... !

1 يناير 1970 01:47 ص
لدينا الكثير من الأفكار والقيم والمبادئ التي نعتقد بها، وغالبا ما نبذل الكثير من الجهد والوقت في سبيل نشرها وتعميمها، وإقناع الآخرين بها، بل نستميت من أجل أن يتشربوها، وهذا شيء طبيعي جدا، ولكن ما نلحظه أن انتفاع الناس بما يسمعونه دائماً محدود، بسبب صعوبة الاعتقاد بما ندعو له، وضعف تفاعل الآخرين مع أفكارنا لأنها تكون نظرية فقط.

لذا يجب علينا أن نجسد هذه الأفكار والمبادئ والفضائل بسلوك بشري، يؤثر في الآخرين حتى يؤمنوا ويصدقوا تلك الأفكار، وهذا هو التحدي الجديّ الأكبر، وكثير منا يصعب عليه خلق توازن وانسجام ما بين حياته وسلوكه اليومي، مع ما يدعو له الآخرون من أفكار وشمائل ومبادئ يؤمن بها، لهذا وجب عليه تحويل الفكرة إلى ثقافة.

إن تحويل الفكرة إلى ثقافة يعني أن نتشبع بالفكرة تماما بحيث تكون خارج دائرة النقاش، وتصبح لنا سلوكا منسجما مع ما نؤمن به وبطريقة لا واعية، تماما كمن يستيقظ من النوم يوميا ويقبل يد والديه قبل ذهابه للعمل، ولكن لابد أن ندرك أن العملية ليست سهلة، كما ذكر بعض الباحثين «أن نزول الأفكار من أعالي النظر لتصبح عادة يومية للإنسان قد يحتاج إلى ثلاثة أجيال».

تتحول الأفكار والقيم إلى ثقافة وعادة من خلال أمور عدة أهمها: التربية فهي تعتبر أهم أداة في عملية التحويل، لأن القيم والأفكار تنتقل إلينا من خلال المعايشة والتأثر بالبيئة والجو الذي نشأنا فيه، وإن أردنا أن نربي غيرنا على قيمة من القيم فإن علينا أن نتيح لهم رؤية تلك القيمة في سلوكنا، من خلال الممارسة اليومية، وإلا فلا فائدة من الإرشاد والتوجيه للتحلي بتلك القيمة أو الفضيلة، وسيكون التوجيه شبه عقيم.

كما ان التدريب من الوسائل الأساسية لحصول ذلك التحويل، لأنه بالتدريب نكتسب المهارات التي نحتاجها في الارتقاء بالعمل، وإن كنا راغبين ونمتلك عزيمة قوية في تغيير شخصياتنا فلابد أن يكون تدريبنا ناجحاً بكل مقاييس النجاح المثالية المتعارف عليها، لأن ذلك حتماً سيُحسّن في سلوكنا وعلاقاتنا ويقلل من الهدر في الوقت وفي المواد المستخدمة للتدريب، أي يصبح السلوك الصحيح والصواب جزءا من ثقافتنا.

وإن لم تتحول الأفكار والمبادئ والقيم إلى ثقافة بالتربية والتدريب فلابد من أمر أساسي ورئيسي في التحويل وهو سن القوانين، عادةً توصف الثقافة بأنها سلوك تلقائي يميل إلى الحرية ويكره القيود والأصفاد، لذا فإن الناس لا يحبون أن يكبلوا بنظم وقواعد وقوانين تحظر عليهم بعض السلوكيات المرغوبة، التي توجههم في اتجاهات محددة، وقد ثبت أن القوانين والنظم العادلة تكون قادرة على توليد سلوكيات حميدة، أي ثقافة راشدة ومدركة، حتى يألفها الناس وتصبح جزءاً من سلوكياتهم اليومية، لأنه من المألوف بين الناس أن يتذمروا ويمتعضوا من كل قانون ونظام جديد، لذا وجب علينا ترتيب النظم والأنماط والقوانين حتى نتمكن من المتابعة والمحاسبة إلى أن تتحول إلى ثقافة وسلوك تلقائي لدى الناس ويصبح جزءاً من حياتهم.

إن كنا نتحدث عن أهمية تلك الأفكار والقيم على المستوى الشخصي للفرد، فمن الأولى بها الأستاذ الجامعي، وكل ذي منصب وكل مسؤول عن رعية، أن تكون أفكاره مشبعة بالصدق والإخلاص والالتزام بآداب الشريعة والانتماء للأمة والوطن وحب الخير وفعل المعروف...وغير ذلك، حتى تتحول هذه الأفكار إلى ثقافات تسود المجتمع لتصلح الفساد وتقضي على الإفساد.

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib