رؤى / طريق هيثم بودي... إلى كراتشي

1 يناير 1970 02:21 م
| عبدالعزيز الحشاش |

أن تقرأ لأديب كبير... عاش الماضي بكل تفاصيله... أو ربما تشرب تلك التفاصيل من آبائه وأجداده، ونقلها لك على الورق في رواية أو ربما كتاب تأريخ... فهذا إبداع، ولكن أن يأتي كاتب شاب من جيلك، ويبهرك بهذا النص الجميل الرشيق والدقيق في نفس الوقت لذلك الماضي، فتشعر بأنك تعيشه وتستنشق هواءه، وأنك واحد من شخوصه... فهذا حدث جلل.

نعم... هيثم بودي... الكاتب الكويتي الشاب الذي أخذنا في آلة من الزمن، وعاد بنا إلى قلب البحر، حيث الشمس تشهد رحلة بحارة كويتيين، على ظهر سفينة تتعرض لموجة عالية مفاجئة... ينقلب المركب... الذي كان في طريقه إلى كراتشي... وتبدأ الأحداث.

القصة قد تبدو بسيطة، والرسالة التي يريد أن يوصلها هيثم قد تكون مفهومة... أو سهلة الفهم. ولكن أن تنجح في نقل هذه الصورة.. من ماضٍ بعيد.. وبالتحديد في عام 1938 من الميلاد، حيث البحر مصدر رزق لأهل الكويت، والسفر دربهم إلى المجهول، والغربة قدرهم الذي يرحلون إليه مرغمين للبحث عن لقمة العيش، فهذا بحد ذاته إنجاز.

إن هيثم بودي قدم رواية ليست بطويلة، وليست بقصيرة... ليست بصعبة... وليست بسهلة. وهذه المعادلة التي لا يستطيع أن يحققها سوى الكاتب المتمكن. لقد عمد هيثم إلى تقديم معلومات جديدة في هذا العمل، معلومات عن البحر وقياس الزوايا على الخرائط البحرية، وكل تلك الأمور التي يستخدمها البحارة المحنكون في رحلاتهم القديمة. إذا الموضوع احتاج لبحث طويل، واحتاج لدقة في المعلومات... أسماء الأماكن... وظيفة كل شخصية وملامحها... الظروف المحيطة بها... حالة الطقس،الوضع المادي... الوضع الاجتماعي... باختصار هيثم بودي لم يكتب من فراغ... فقد بحث وبحث حتى انتهى به الأمر أن قدم لنا طريقا لتلك المدينة البعيدة... كراتشي، المدينة التي كان للأجداد والآباء قصص ومواقف فيها، هناك... حيث تلوح من بعيد ملامح وجوه تركها الرجال على أرض الكويت... الزوجات... الأمهات... الأبناء... الآباء الشيوخ، إنها المنطقة التي كان يسمع بها أهل الكويت ممن لم يذهب لها يوما... وسمعنا عنها نحن– الجيل الجديد– وعن كفاح آبائنا في الماضي البعيد، ونقلها لنا هيثم بودي صورة حية تخرج من بين الورق.

إن نجاح الكاتب المتمكن من أدواته، والملم بشخوصه وحبكة قصته، هو أن يجعل الورق ينطق... وأن يقفز المشهد القصصي من داخل دفة الكتاب ليتجسد أمامك ويجعلك جزءا من القصة. نعم... ففي كتاب «الطريق إلى كراتشي»، استطاع هيثم بودي أن يأخذني معه في رحلة جميلة... في كتاب من الحجم الصغير والمكون من 152 صفحة، إلى رحلة ربان السفينة وبحارته، في كفاحهم هناك في كراتشي للتأكيد على أحقيتهم في العيش والاستمرار في الكفاح.


www.Abdlaziz.coma