• تمثل مدينة فاس قمّة الفن المعماري العربي الأندلسي عبر مدينتها « فاس البالي» ومن خلال روعة مآثرها التاريخية
• الإشعاع الثقافي لمدينة فاس ظلّ مرتبطاً بجامع القرويين الذي شكل مركزاً دينياً للمغرب تخرّج منه أجيال من العلماء
• سنة 1250 ميلادية أصبحت فاس عاصمة للمرينيين واستمرت لمدة قرنين من الزمان ويعد هذا العهد أوج الفترات التاريخية للمدينة
• تم تصنيفها منذ سنة 1981 «تراثاً عالمياً إنسانياً» من قبل "اليونسكو" وتشكل اليوم قبلة لجميع المهتمين بالمدن التاريخية
تعتبر مدينة فاس ذاكرة للمغرب وذلك بفضل غنى تراثها الديني والحضاري المعماري والذي يضم مساجداً ومدارساً وقصوراً ، تتسم بطابعها التاريخي المعماري المتميز الفريد الذي لازالت المدينة تحمل ذاكرة 12 قرنا من التاريخ .
كما تعرف فاس تمازجاً متميزاً بين جميع الأديان طوال قرون عاش فيها الجميع في جو من التسامح والتعايش ومن فاس انطلق حوار الحضارات .
تمثل مدينة فاس قمة الفن المعماري العربي الأندلسي وذلك عبر مدينتها العتيقة « فاس البالي « ومن خلال روعة مآثرها التاريخية ودورها العتيقة حيث تعتبر فاس والتي تأسست في القرن الثامن الميلادي في عهد إدريس الثاني من بين أقدم المدن الإسلامية وأول عاصمة لأول دولة بأقصى الغرب الاسلامي .
إن الإشعاع الثقافي لمدينة فاس ظل مرتبطا ً بجامع القرويين الذي شكل مركزا ً دينيا ً للمغرب تخرج منه أجيال من العلماء ومعقلاً من معاقل العلم والمعرفة ليس فقط بالمغرب وإنما بالعالم الإسلامي .
وعرفت فاس ، والتي تم تصنيفها منذ سنة 1981 « تراثا ً عالمياً إنسانيا ً « من قبل اليونسكو ، هذه المدينة « المتحف « ، كيف تحافظ على مدى تاريخها على طابعها العتيق دون التخلف عن ركب الحداثة والحياة العصرية كما تشكل فاس اليوم قبلة لجميع المهتمين بالمدن التاريخية والمعمار الأندلسي العربي المغربي .
نبذة تاريخية
في نهاية القرن السابع ، فر المولى إدريس الأول من بغداد . حيث التجأ سليل الدوحة الشريفة عند قبائل البربر بالمغرب الأوسط .
وبعد أن بايعته مجموعة من القبائل ملكا للمغرب أصبح ادريس الأول أول حاكم مسلم بالمغرب حيث أسس ابنه إدريس الثاني سنة 808 م عاصمته الجديدة على الضفة اليمنى لنهر الجواهر والتي أصبحت في ما بعد «فاس «.
قرر أن يجعل منها عاصمة لملكه . منذ ذلك الوقت اصبحت مدينة فاس أول مدينة إسلامية في المغرب ، وأصبح فاس البالي يتمحور أساسا حول الجامع الشهير للقرويين والعديد من المراكز الدينية والثقافية. وتحت حكم المرابطين ، خصوصا ً في عهد يوسف بن تاشفين عرفت فاس إشعاعاً فكريا وفنيا تكلل بتشييد مدرسة المرابطين سنة 1096 م والتي تضم مكتبة ، وفي منتصف القرن الثاني عشر الميلادي وبعد مجيء حكم الموحدين وفي عهد عبد المؤمن بن علي ، عرفت فاس حركة تجارية كبيرة مكنتها من الدخول في علاقات تجارية مع جهات ما يسمى بالمغرب الأوسط ، الصحراء والمشرق العربي .
وفي سنة 1250 م أصبحت فاس عاصمة للمرينيين واستمرت لمدة قرنين من الزمان . ويعد هذا العهد أوج الفترات التاريخية لمدينة فاس إذ بنى الملوك المرينيون المدينة الجديدة والتي كانت عاصمة ملكهم والتي أصبحت تعرف تحت اسم « المدينة البيضاء « . أو « فاس الجديدة « مقابل « فاس البالي « .
بنى المرينيون العديد من المدارس لنشر مبادئ المذهب المالكي وكذلك لإعداد موظفي القضاء والإدارة والدولة .
وقد أصبحت فاس عاصمة المغرب واستضافت العديد من المهاجرين القادمين من قرطبة بالأندلس والقيروان بتونس الذين ساهموا بشكل كبير وفعال في جعل مدينة فاس مركزاً فكريا ودينيا متميزا ً وقطبا حضارياً اعتبر بمثابة النواة الأولى التي أدت إلى ولادة الحضارة المغربية العربية الإسلامية حولها تاريخ المغرب .
فاس البالي
شيد فاس البالي في العصر الوسيط سنة 809 م من طرف الأدارسة ليصبح مهد الثقافة العربية والامازيغية وقلب المغرب النابض . ويحتوى فاس البالي على تراث فريد من نوعه بفضل أسواقه وأحيائه وكذلك بناياته ومدارسه . وتشتهر فاس البالي بعدة أبواب منها : باب ابي الجنود ، باب فتوح ، وباب عجيسة .
أبواب فاس
باب ابي الجنود :
تم بناؤه من قبل الموحدين في القرن 12م ويعتبر من بين أجمل أبواب مدينة فاس بفضل فسيفسائه الزرقاء والخضراء ونوعية خشبه ومنحوتاته ، تم إعادة صيانته سنة 1912م وهو يطل مباشرة على الحي الذي يحمل نفس الاسم .
باب فتوح :
تم بناء هذا الباب من طرف الابن الثاني للأمير الزناتي دوناس ، في مكان الباب الأكثر قدما في تاريخ المغرب وقد تم إعادة بناء باب فتوح أثناء حكم سيدي محمد بن عبد الله في منتصف القرن الثامن عشر .
المدارس
مدرسة جامع القرويين :
تعتبر من أكبر المدارس على الإطلاق وتم بناؤها في القرن 9 م وتعتبر أقدم جامع في المغرب بل فى العالم حيث كانت تستقبل الطلاب الذين يتلقون العلم من يد علماء كبار في عصرهم وفي مجالات عدة كالقضاء والنحو وعلوم الدين . ومنذ القرن 10 م ، أصبح لجامع القرويين مكتبة تضم أكثر من 30000 نسخة ( بما فيها 10000 مخطوط ) . وتحتوى مكتبة القرويين كذلك على قرآن مكتوب في القرن 9م ، ومخطوط ابن رشد يعود تاريخه إلى 1320 م ومخطوط آخر لكتاب ابن خلدون : المقدمة والذي أهداه هذا المفكر شخصيا لمكتبة القرويين .
المدرسة البوعنانية :
تم بناؤها في القرن 14 م من طرف السلطان أبي عنان المريني وتتميز هذه المدرسة بمئذنتها الفريدة المكونة من الرخام وجمالية سقفها المصنوع من خشب الصنوبر المنحوت وفي مقابل المدرسة يمكن رؤية الساعة البوعنانية التي يعود تاريخها إلى سنة 1357م .
مدرسة الشراطين :
تم بناء هذه المعلمة سنة 1670 م في عهد السلطان العلوي مولاي رشيد ، وكانت تقوم باستضافة الطلبة والأساتذة الذين لا يقطنون بمدينة فاس كما تتميز هذه المدرسة بباسطتها وطرازها المعماري الفريد .
مدرسة العطارين :
تقع مدرسة العطارين أمام جامع القرويين وبجوار سوق العطارين . تم بناؤها في القرن 14 م من قبل المرينيين في عهد السلطان أبو سعيد بين 1323م و 1325م .
ويعتبرها المؤرخون من بين أجمل المدارس القرآنية في العالم الإسلامي وتحفة معمارية فريدة بفضل هندستها المتميزة وزخرفاتها وسقفها المصنوع من الصنوبر وأبوابها التي تنم عن عبقرية الهندسة العربية الإسلامية وتقف شاهدة على مدى اهتمام المرينيين بالعلم .
مدرسة الصفارين :
تم تشييد هذه المدرسة بأسلوب تقليدي سنة 1280م على ضفاف واد فاس في عهد السلطان المريني أبو يوسف . وبالقرب منها توجد المدرسة المصباحية التي بناها السلطان المريني أبو الحسن سنة 1346م .
مدرسة الصهريج :
تم بناء هذه المدرسة في حي الأندلسيين ما بين 1321م و 1323 م من قبل الأمير أبو الحسن علي في ظل حكم المرينيين ، حيث كانت المدرسة تقوم بإيواء طلبة جامعة القرويين . ولا زالت مدرسة الصهريج تعطي انطباعاً لدى الزوار بالهدوء والسكينة بفضل الهندسة الداخلية لهذه المدرسة .
المساجد
جامع القرويين :
تم بناء جامع القرويين سنة 857 م في حي القرويين في عهد الأدارسة من طرف فاطمة الفهرية ، حيث أصبحت جامعة القرويين أكبر مسجد في المدينة سنة 933م .
مسجد الأندلسيين :
تم بناء هذا المسجد بين 859 م و 860 م في حي الأندلسيين في جهة « عدوة الأندلسيين « من طرف مريم الفهرية ، أخت فاطمة الفهرية ( أصبح المسجد منذ 933 م أكبر مسجد في المدينة ) فى سنة 956م تمت إضافة مئذنة للمسجد تحاكي مئذنة القرويين ، وبين 1203 م و 1207م ، تم إعادة أجزاء كبرى منها في عهد الموحدين كما في ذلك النافورة سنة 1306 م وكذلك المكتبة.
مسجد الشرابليين :
يعتبر مسجد الشرابليين نقطة أخرى مضيئة في تاريخ العصر المريني ومنقبة تحسب لسلاطين هذه الدولة حيث تم تشييد هذا المسجد في القرن 13 م من طرف السلطان المريني أبو الحسن وتمت إعادة صيانته من طرف السلطان المولى سليمان بين 1793م و1823 م .
المتاحف
متحف البطحاء :
يحتوى هذا المتحف على مجموعة من الكنوز التراثية لمدينة فاس من بينها مجموعة من الفسيفساء والزليج مصنوعة حسب الطريقة الفاسية التقليدية وكذلك على مجموعة من العملات المغربية العتيقة في القرن 18 ، تم تحويل هذا القصر الذي شيده السلطان العلوي الحسن الأول إلى متحف .
متحف بلغاري :
هو في الأصل رياض كبير بني في القرن 17م ، وتم تحويله إلى متحف من طرف عائلة بلغاري وهو أول متحف خاص معترف به في المغرب ويحتوي على مجموعة من ا لتحف الثمينة من الذهب ، ملابس تقليدية وكذلك فسيفساء من القرن 18 م .
برج الجنوب :
تم بناء هذا الحصن من طرف العبيد أيام حكم السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي والذي عاش بين 1578 و 1603م .
قصر دار البطحاء :
يقع هذا القصر القديم على نقطة تقاطع فاس البالي وفاس الجديد يحتوي قصر البطحاء على متحف الفنون والتراث لفاس . حيث تم بناء هذا القصر من طرف السلطان مولاي الحسن الأول ومولاي علي عبد العزيز .
وبداخل قصر دار البطحاء نجد أروقة خاصة بالخشب ، المنسوجات ، وكذا أروقة خاصة بالفنون والأبواب والزليج .
حي الدباغين :
« شواري « هو الاسم الآخر لهذا الحي الذي يعتبر من بين الأماكن الأكثر تميزاً ، هذه المدابغ يعود تاريخها إلى القرن 14 بمحاذاة واد فاس الذي يمنح الماء اللازم لعمل المدابغ ومعالجة الجلود .
برج الشمال :
تم بناء هذا البرج في نفس الوقت مع برج الجنوب ويحتوي على متحف الأسلحة . يقوم المتحف بتأريخ كرونولوجي لأنواع الأسلحة وذلك في 11 رواق لهذا الغرض .
فاس الجديد
تم بناء فاس الجديد سنة 1276 م من طرف المرينيين حيث ظل لعدة قرون عاصمة للمغرب قبل أن تتحول العاصمة إلى الرباط ، ويحتوي فاس الجديد على عدة معالم تاريخية تشهد على ازدهاره وقوة السلاطين الذين تعاقبوا على حكمه . ومن بين أبرز هذه المآثر نجد :
القصر الملكي :
تم بناؤه في القرن 13م ويفتح على ساحة العلويين الفسيحة والتي تم إعدادها سنة 1968م وقد تم توسيع وتجديد القصر عدة مرات في عهد العلويين وبداخل هذا القصر توجد عدة قصور ، أماكن للأسلحة ، جامع ، قبة وكذلك مدرسة بنيت سنة 1320م من طرف المرينيين وكذلك يحتوي على الحدائق الواسعة « للا أمنية « .
باب الدكاكين :
يعود تاريخ إنشاء باب الدكاكين ، إلى القرن 14 م وتعود تسمية ( باب المحكمة ) ، الذي يعتبر مدخلا محصنا لفاس الجديد ، إلى كونه مسرحا لمحاكمة المجرمين وتنفيذ أحكام الإعدام فيهم .
باب السمارين :
هو باب كبير تم بناؤه سنة 1924م وهو المدخل الحقيقي لحي فاس الجديد .
الملاح :
هو أقدم حي أقام به اليهود الفارون من محاكم التفتيش الإسبانية . وقد تم بناء هذا الحي سنة 1438م في القصبة القديمة ، وقد غادرت الكثير من العائلات اليهودية التي أقامت في الملاح وحلت محلها عائلات مسلمة ومع هذا فأن وبصمة العائلات اليهودية التي أقامت هنا منذ قرون لازالت واضحة .
المشور الصغير :
ويحيط المشور الصغير أسوارا كبيرة وهو يقع فوق وادي فاس قبل المدخل الرئيسي لدار المخزن .
مسجد مولاي عبد الله :
يحمل هذا المسجد اسم بانيه في القرن 18م ويتكون من مدرسة ومحراب . يزين مئذنته والتي يبلغ ارتفاعها 25 متر ، أحزمة خضراء من الفسيفساء وكذلك أربع قطع دائرية الشكل . تم إعادة المسجد في القرن 19م من طرف سيدي علي محمد بن عبد الرحمن .
المشور القديم
يمكن الوصول إلى المشور القديم عن طريق باب سبتة والتي كانت تحمي قديما مدخل القصر .
أما بباب السبعة : وهم الإخوة السبعة مولاي عبد الله والذي توالوا على العرش مع القرن 18 . هذا المكان القديم محاط بالأسوار العالية لباب المكينة والتي كانت تحتوي على مصنع للسلاح تم إعداده من طرف السلطان مولاي الحسن. تم إعادة صيانة المشور القديم في العصر الحديث ويتواجد بها قاعة للاجتماعات والمؤتمرات وكذلك الحفلات التي تقام بمناسبة مهرجان فاس للموسيقى الروحية .
المدينة العصرية
تحاكي مدينة فاس العصرية بفضل شوارعها الفسيحة وبناياتها العصرية العديد من المدن المغربية بل وتشبه في العديد من تجلياتها العمرانية بعض المدن الأوروبية .
تتميز العديد من الأحياء بالمدينة بطابع هندسي خاص ميز هذه الفترة ويعرف ب « فن الديكور « ، وتتمركز جميع المرافق والمؤسسات العمومية والخاصة حول ساحة فلورنسا وشارع محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السلاوي .
كما تحتوي المدينة الحديثة أيضا على أحياء جديدة نجحت في استقطاب عدد من السكان وأنشطة تجارية متنوعة كما تتميز بازدهار قطاع الخدمات بها ولقد استفادت المنطقة من تصميم للتهيئة للحفاظ على انسجامها وتوازنها واحترام الهوية التاريخية والثقافية والعمرانية للمدينة .
كانت فاس محطة بارزة ونقطة التقاء للعديد من المفكرين والعلماء البارزين والمؤرخين والأدباء الذين بفضل تلاقحهم وتبادل التجارب فيما بينهم أصبحت فاس من أهم المراكز العلمية والفكرية في الغرب الإسلامي بل ولا زالت تستهوي العديد من الباحثين وفنانين والمفكرين لسبر أغوارها واستخراج كنوزها والإسهام بفاعلية وإيجابية إسوة بمن سبقوهم في تِألقها .
الصناعة التقليدية
تتمحور مجمل الحياة الاقتصادية للمدينة حول الصناعة التقليدية . والتي هي جزء لا يتجزأ من تاريخ فاس . فالمهن المرتبطة بهذه الحرف منظمة منذ وقت طويل سواء في الأحياء المخصصة لكل حرفة : حي الدباغين والنجارين والصفارين .. كل من اختصاصه . وتبقى الحلى والفسيفساء وكذا الزرابي والمفروشات واللباس التقليدي من أهم منتوجات الصناعة التقليدية وهذا ما جعلها أهم أقطاب الصناعة التقليدية بالمغرب منذ عهد الأدارسة وحدا بمنظمة اليونسكو تصنيف أحيائها تراثا عالمياً .
الزليج الفاسي
يحكى الزليج الفاسي تاريخ المدينة ، وقد تمكن الحرفيون التقليديون المختصون بصناعة الزليج من إبراز مهاراتهم مع مر العصور وفق نموذج خاص بهم يعكس مهارتهم وتنوع مواردهم المعرفية والحرفية التي ساهمت في إشعاع هذا النوع من الحرف وتبقى المواد المنتوجة صالحة لجميع الأغراض المنزلية ويمكن للتعرف على أكثر من 120 نوعا معروضا في المتاحف ويعود تاريخها إلى القرنين 18م و 19م .
[email protected]