الجيش ينفي حصول أي تسوية مع المسلّحين ... الفارّين
شمال لبنان ... «هدوء ما بعد العاصفة»
|?بيروت - «الراي»?|
1 يناير 1970
09:16 م
... هدوء ما بعد العاصفة». هكذا بدا المشهد في طرابلس بشمال لبنان وجوارها في أعقاب ثلاثة أيام من المواجهات بين الجيش اللبناني ومجموعات ارهابية ما أحبط مخططاً كان يجري الإعداد له في منطقة الشمال بما يوغل في وضع لبنان «في فم النار» السورية.
ومع انتهاء العملية العسكرية التي نفذها الجيش اللبناني في طرابلس والمنية بفرار ما تبقى من المسلحين الذين كانوا تحصنوا في محلة باب التبانة وتواري الشيخ خالد حبلص في ضحور بحنين (المنية)، انكشف المشهد على وقائع سياسية وعسكرية تعكس حساسية «القطوع» الذي نجا منه لبنان بعدما نجح في قطع الطريق على «مكيدة» أُعدت للشمال ووفّر أوسع غطاء ممكن للجيش في معركته ضد الإرهاب وإن بكلفة باهظة تجلّت في مقتل 11 عسكرياً وجرح 31 آخرين خلال المعارك اضافة الى عدد غير محدد من الضحايا المدنيين ولا سيما في التبانة التي تركّزت فيها مواجهات الاحد الماضي وسط تقارير تحدثت عن أعداد كبيرة من القتلى والجرحى داخلها.
فلم يكد الجيش اللبناني يدخل صباحا باب التبانة ويمشّط بعض أحيائها وينتشر في محيط مسجد عبد الله بن مسعود الذي كان معقلاً لجماعة شادي المولوي واسامة منصور، حتى تظهّرت الأبعاد الخطيرة والدقيقة لهذا المنعطف الأمني الذي تجاوزه لبنان من دون اي أوهام بانتهاء مرحلة انكشافه على الازمة السورية التي تتعاظم تداعياتها يوماً بعد آخر ولا سيما في ضوء التقارير التي تحدثت عن ان الموقوف احمد سليم ميقاتي وهو من أبرز قياديي «داعش» في لبنان اعترف بانه كان يسعى لاحتلال قرى بخعون وعاصون وسير الضنية وبقاعصفرين (عكار) كونها غير ممسوكة امنياً تمهيداً لاعلانها ملاذا آمنا للمسلحين، وان المرحلة الأولى من المخطط كانت تقضي بالقيام بأعمال أمنية في طرابلس بهدف ربط القلمون السورية بالساحل اللبناني، وان شادي المولوي وأسامة منصور علما بالمخطط الذي كان من المفترض البدء بتنفيذه بعد نحو شهر.
ومن خلف غبار المعارك المنتهية في طرابلس، أطلّت علامات استفهام حول ملابسات انسحاب المسلّحين بعد تطويقهم في باب التبانة، وسط تسريبات عن تسوية مهّدت لخروجهم تفادياً لمزيد من الأثمان البشرية في صفوف الجيش والمدنيين في مقابل حرص الجيش على النفي وبشدة اي كلام عن تسوية وتأكيده ان هروب من بقي من المسلحين كان نتيجة تسليمهم بالهزيمة.
وكان بارزاً اعلان قيادة الجيش في بيان لها «ان كل ما قيل عن تسوية مع المجموعات الارهابية يدخل في إطار الاستغلال السياسي لبعض السياسيين المتضررين من نجاح الجيش السريع والحاسم في استئصال هذه المجموعات التي طالما أسرت مدينة طرابلس وعاثت فيها تخريباً»، لافتة الى ان «وحدات الجيش ستواصل بعد أن تمّ تعزيزها باستقدام قوى جديدة، تنفيذ تدابيرها الأمنية، وتعقّب بقايا المجموعات الإرهابية، ودهم المناطق المشبوهة كافة».
واكدت قيادة الجيش ان «الوحدات العسكرية تمكّنت من دخول آخر معقل للجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة التبانة، حيث اعتقلت عدداً منهم، فيما تمكن آخرون من الفرار مستفيدين من طبيعة المباني السكنية، بعدما أقدموا على زرع عبوات وتفخيخات في الأحياء السكنية ولا سيما في محيط مسجد عبدالله بن مسعود، حيث عمل الجيش على تفكيكها. وقد تمّ العثور على مخازن أسلحة ومعمل لتصنيع المتفجرات».
وكان ليل الاحد - الاثنين شهد نجاح الجيش في تطويق المسلحين داخل منطقة محاصرة بالأبنية والخط الناري في باب التبانة، في موازاة اتصالات نشطت بين القيادات السياسية والأمنية من جهة ومشايخ ووجهاء التبانة من جهة ثانية، كان عنوانها تجنيب المنطقة مزيداً من الدماء والدمار، عبر إخلاء المسلحين الأحياء التي يتحصنون فيها، ودخول الجيش اللبناني كل المنطقة من دون مواجهات، ودهم منزلي أسامة منصور وشادي المولوي، على أن يواصل مهمته في البحث عن المطلوبين ومصادرة الأسلحة التي يعثر عليها.
وأشارت تقارير صحافية الى تجاوب كبير أبدته كل الأطراف المعنية حيال هذا السيناريو الذي رافقه إطلاق العسكري المخطوف طنوس نعمة (كان خُطف في التبانة)، وأن اجتماعاً عقد بهذا الخصوص في مقر مخابرات الجيش اللبناني في القبة وضم العميد عامر الحسن ومشايخ وفاعليات التبانة، لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق.
واذ سألت اوساط طرابلسية عن وجهة فرار المسلحين من التبانة ولا سيما المولوي ومنصور و»ابو هريرة» (ابن احمد ميقاتي)، لم تستبعد ان تكون تهديدات جبهة «النصرة» بإعدام الجندي علي البزال المخطوف لديها والتهويل بالمصير نفسه للجندي جورج خوري لعبت دوراً في إفلات بعض المسلّحين من قبضة الجيش الذي كان حرص مساء أول من أمس على توفير ممر آمن لإجلاء آلاف المدنيين من التبانة التي يعيش فيها نحو 80 الف مواطن حولّهم الارهابيون ما يشبه الرهائن.
وفيما كشفت الصور الاولى بعد صمت «المدافع» مشهداً كارثياً في التبانة، عكست مواجهات الايام الثلاثة خلاصات بالغة الدلالات ابرزها:
? الاحتضان السني للجيش اللبناني ولا سيما في طرابلس حيث شكل سكانها ما يشبه «البيئة الحاضنة» للمؤسسة العسكرية التي خاضت اختباراً صعباً كانت الخشية ان يترك ارتدادات في مناطق أخرى، وهو ما لم يحصل نتيجة الدعم المطلق للقادة السياسين للطائفة ولا سيما الرئيس سعد الحريري ورئيس الحكومة تمام سلام.
? ان هذه التجربة عكست عدم وجود «بيئة حاضنة» للجماعات الارهابية في شمال لبنان الذي تبرأ سريعاً من مجموعات ميقاتي والمولوي وحبلص ما اتاح للجيش توجيه ضربة قاسية لهم وإحباط مخططاتهم.
وكان سلام ترأس اجتماعاً امنياً صباح امس أكد فيه «ضرورة متابعة المواجهة التي يقوم بها الجيش والقوى الامنية ضد الخارجين عن القانون الى أي جهة انتموا ومهما كانت الشعارات التي يتلطون خلفها»، رافضاً «العودة الى حالة التفلت الأمني التي كانت فيها طرابلس واهلها رهائن لمصلحة مشاريع مشبوهة».