«الراي» جالت في شبعا وحاصبيا وكفرشوبا «المدججة» بالقلق
العرقوب اللبناني وجواره «مرتاب» من «حرب الإشاعات»
| بيروت - من أسامة القادري |
1 يناير 1970
06:34 م
• مخاوف من فتنة درزية - سنية وقودها الضغينة التي زرعها الاحتلال الإسرائيلي بين أبناء العرقوب وحاصبيا
• قلق شعبي من الترويج لـ «سيناريو عرسالي» جديد في المنطقة
• رئيس بلدية كفرشوبا: التاريخ المكتوب بدماء المئات من الشهداء إضافة إلى الوعي يحصّن المنطقة من أيّ انزلاق إلى الفتنة أو التشدد
لا يعكس الطقس البارد الذي بدأ يلفح قرى جبل الشيخ اللبنانية الواقع السياسي فيها، وسط حماوة الإشاعات والأخبار من خارجها والتوتر والقلق عند البعض في داخلها من ان تكون هذه المنطقة مستهدَفة ضمن اجندات اقليمية، تضعها في «عين العاصفة» وتهدّد سلمها الأهلي، بافتعال حوادث لتعزيز فكرة أن المعارضة السورية متحالفة مع العدو الاسرائيلي لايجاد منطقة عازلة وآمنة لحدوده من الليطاني عرضاً حتى تخوم دمشق.
فالطريق من بلدة كفرشوبا اللبنانية الجنوبية، عبر سدانة المتاخمة لشريط مزارع شبعا المحتلة، حيث وقعت قبل ايام عملية عسكرية ضد الاحتلال الاسرائيلي تبناها «حزب الله»، سالكة ولا يعيق العابر سوى بعض الحفر وسط الطريق.
كل شيء يوحي بهدوء المنطقة. وفي الطريق عبر وادي جنعم ومعبر الرشاحة، وهما الوحيدان اللذان يمكن للنازحين او لمقاتلي المعارضة السورية سلوكهما للدخول الى المقلب اللبناني، تبدو الحركة معدومة لوجود مركز عسكري للجيش اللبناني يمنع عبور اي شخص ما لم يكن جريحاً. وحتى الحالات الانسانية للاجئين مُنعت من المرور بعدما اتخذت بلدية شبعا وفعاليات البلدة قراراً بعدم استقبال حالات نزوح لصعوبة توفير السكن بعدما أُتخمت شبعا بنحو الف عائلة يوازي عدد أفرادها اهالي القرية المقيمين (وهم 3500 نسمة من اصل 35 الفاً) وكي لا تفرض الأعداد الهائلة عليهم انشاء مخيمات داخل البلدة.
وبحسب مصدر امني لبناني فإن غالبية الجرحى الذين يعبرون هم مدنيون، نساءً واطفالاً وعجزاً، فيما صار نقل المقاتلين الى هذه المنطقة نادراً جداً بعد سلسلة أحداث وقعت، وذلك لوجود مستشفيات ميدانية عسكرية في بيت جن - السورية (التي تقع بين تلال جبل الشيخ المطلّ على منطقة شبعا اللبنانية) وضواحيها.
زيارة منطقة العرقوب في قضاء حاصبيا جنوب لبنان في هذه المرحلة، من المدّ والجزر لا توحي بحقيقة ما يشاع من تسريبات عن وجود خلايا نائمة ومسلحين من "جبهة النصرة" و"داعش" تسللوا لفتح ثغرة إمداد والانقضاض على القرى الشيعية، انطلاقاً من القطاع الشرقي من الحدود اللبنانية - السورية - الفلسطينية المحتلة، او من المنطقة المنزوعة السلاح في الاراضي السورية المتاخمة لقرى جبل الشيخ.
لشبعا كما عرسال حدود طويلة، بعرض يتجاوز 35 كيلومتراً، 20 منها مع حدود الجولان المحتل، وحوالي 12 كيلومتراً محاذية للاراضي المنزوعة السلاح التي تسيطر عليها قوات فض الاشتباك، وحوالي 3 كيلومترات محاذية لبلدة بيت جن، بعمق 8 كيلومترات تحتاج لعابرها على الاقدام اكثر من 8 ساعات للوصول الى معبر الرشاحة او وادي جنعم. فارتفاعها عن سطح البحر الذي يصل الى 2200 متر، يجعلها طوال اشهر الشتاء مكسوة بالثلوج.
وبحسب مصدر في المعارضة السورية في القنيطرة، فإن «الطبيعة المناخية لشبعا تفرض على النظام السوري الإسراع في اشعال هذه الجبهة قبل حلول الثلج، بما يعطيه الوقت لتأجيل معركة «الحسم».
لا يخفى ان حوادث متعددة فردية سُجلت في هذه المنطقة وتم تطويقها منعاً للاحتقان بين الاهالي، بدءاً من الاعتداء على سيارة اسعاف تابعة للصليب الاحمر اللبناني قبل أشهر ومنْع مسلحين نقل الجرحى الذين تم إجلاؤهم الى شبعا من الوصول الى مستشفيات البقاع الغربي، وبعدها حادثة في شويا الدرزية، ومن ثم في عين عطا حيث سقط قتيل وثلاثة جرحى بعد اطلاق النار على فان كان يقل جريحين ونازحين سوريين. وكانت آخر حادثة كتابة شعارات تؤيد تنظيم «الدولة الاسلامية» على جدران منازل دروز في حاصبيا تقول: «الدولة الاسلامية قادمة»، وهو ما اشاع الخوف بين اهالي المنطقة وكاد ان يشعل فتنة سنية - درزية، ليتبين في ما بعد ان كاتبي هذه الشعارات، هم شبان من الحزب السوري القومي الاجتماعي، المؤيد للنظام السوري.
ما يقلق الاهالي تركيز إعلام التيارات السياسية المتحالفة مع النظام السوري على ان المنطقة مقبلة على «سيناريو عرسالي جديد»، انما من الجبهة الجنوبية الشرقية. واذا كان القلق لا يشمل قرى العرقوب «كفرشوبا - شبعا - كفرحمام - الهبارية» ذات الغالبية السنية التي تقيم فيها نحو الفي عائلة سورية اختاروا هذه القرى لوجود صلة القرابة والمصاهرة بين ابناء بيت جن - السورية واهلها، فإن ابناء قرى حاصبيا الدرزية يعبّرون عن قلقهم من افتعال مشكل قد يبدأ فردياً ولا ينتهي عند حدود كل بلدة، رغم إجماع "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" (بزعامة النائب وليد جنبلاط) والجماعة الاسلامية على ضرورة تحصين المنطقة وانه ممنوع على الفتنة «المرور من هنا»، بحسب ما اشار اليه الشيخ فضل البطحيش من بلدة الماري الذي اعتبر ان المنطقة خصبة بعقلائها، موضحاً «أن اكثر من حادث فردي وقع وتم وأد تمدد الاشكال بالحكمة»، ما يطرح على المقيمين في هذه القرى جملة من الاسئلة والاستفسارات، عن مدى امكان ان تصيبها تشظيات الأزمة السورية.
يتساءل الاهالي عن خطة الدولة والسياسيين لتحصين قراهم من اي محاولة، ليختصر الناشط الاجتماعي سعيد (رافضاً اعطاء كامل هويته) الموقف معلناً أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الجيش والقوى الامنية في كيفية تعاطيها مع ابناء المنطقة «لا ان تعتبرهم رعايا فيما هي تجيز للآخرين حمل السلاح بحجة الامن الذاتي»، غامزاً من قناة ان عناصر الحزب السوري القومي الاجتماعي وبعض المسلحين اعتدوا اكثر من مرة على ابناء المنطقة بحجة الاشتباه بمسلحين، «وهذا ما يساعد على الاحتقان المذهبي، ويسرّع في اشعال الفتنة». ولفت الى «أن الاحتلال الاسرائيلي زرع في المنطقة ضغينة بين ابناء العرقوب وحاصبيا، ولذا فإن اي حادثة قد تعيد الذاكرة الى ممارسات وانتهاكات بحق شبان ومسنين من القرى «السنية» وتعذيب على ايدي عملاء دروز من حاصبيا وجوارها».
ما يعكّر الهدوء الذي تعيشه تلك القرى التي أُفرغت منذ اواخر الستينات من القرن الماضي بفعل التهجير القسري وما زالت شبه مفرغة بعد التحرير من الاحتلال الاسرائيلي، ورش البناء وهي تصارع الوقت لتشطيب الابنية قبل حلول الشتاء وتساقط الثلوج، ليضاف اليها انهماك الاهالي بموسم قطاف الزيتون، وحركة النازحين لتأمين ما تيسر لهم من حطب وأخشاب وبلاستيك للتدفئة في فصل الشتاء.
فرئيس بلدية كفرشوبا قاسم القادري يقطن في بلدته 170 عائلة نازحة، فيما عدد المقيمين فيها من ابناء البلدة الاصليين 1500 عائلة من اصل 15 الف نسمة. وهو لا يخفي قلقه من أن تتحوّل المنطقة صندوق بريد لتوجيه الرسائل، ولكنه يحاول ان يبدّد هذا القلق معتبراً «ان لهذه المنطقة تاريخاً نضالياً مشرفاً وطويلاً منذ احتلال فلسطين، ووقوفها الى جانب القضية الفلسطينية وانخراط غالبية شبابها في «الحركة الوطنية» والاحزاب اليسارية»، ولافتاً الى «ان هذا التاريخ المكتوب بدماء المئات من الشهداء في العرقوب اضافة الى الوعي يحصّن المنطقة من أيّ انزلاق الى الفتنة او تحولها الى بيئة حاضنة للتشدد»، ومشيراً الى «أن الإشاعات الكاذبة التي تتصدر بعض وسائل الاعلام يراد منها ضرب صيغة التعايش في هذه المنطقة التي لم تشهد منذ مئات الاعوام ولا حتى خلال الحرب الاهلية اي صدامات».
ورأى القادري ، ان زيارة النائب وليد جنبلاط لشبعا وحاصبيا وراشيا جاءت «لترسي حالة من الاطمئنان وتنزع فتيل الفتنة، وذلك بهدف تحصين الساحة الداخلية في المنطقة تجنباً لاستيراد شرارة الحرب من سورية الى قرانا»، مشيراً الى «ان جميع بلديات العرقوب، تتعامل مع النازحين من الباب الانساني»، ومضيفاً: «منذ سنتين ونصف السنة لم نشهد اي مشكلة ولو فردية من قبل النازحين، والبلديات شكلت لجاناً من النازحين لمتابعة وضعهم، كما انهم جميعاً مسجلون بالتنسيق مع الاجهزة الامنية، ضمن الأطر القانونية».
القلق والاستشعار بخطر فتح الجبهة عن طريق مواجهة بين الطائفتين السنية والدرزية، كرّره اكثر من مرتين وزير الصحة وائل ابو فاعور، لفعاليات المنطقة اثناء زيارته على خلفية مشاكل فردية وقعت بين شبان من الطائفتين. وبحسب مصادر مقربة من جنبلاط فانه خلال زيارته لعين عطا، ولقائه عدداً من مشايخ البياضة وفاعليات المنطقة بعيداً عن الاعلام، وجّه اليهم كلاماً قاسياً، قائلاً لهم: «ماذا لو الذي قُتل برصاصكم في عين عطا من بلدة شبعا او الرفيد، وليس سورياً نازحاً، ألم تسألوا ماذا ستكون ردة الفعل، ضُبوا اسلحتكم ولا نريد ان نستفزّ السنّة، ومَن أطلقوا النار يجب ان يسلموا الى الاجهزة الامنية».
وتابع المصدر ناقلاً عن جنبلاط قوله في عين عطا: «وهذا الامن الذاتي الذي يتحدث عنه البعض يكسر هيبة الدولة وتحديداً هيبة الجيش، ويضعنا في مواجهة مع الآخرين».
بدوره اشار مسؤول الجماعة الاسلامية في منطقة حاصبيا وسيم سويد الى «ان الضخ الاعلامي في اتجاه المنطقة ليس بريئاً ويراد منه حقن الناس ليحولوا المنطقة ارضاً خصبة لمآربهم».
وبحسب مقاربة سويد للاحداث وللواقع الجغرافي والاستراتيجي للمنطقة، استبعد ان يكون المشهد في العرقوب مشابهاً للمشهد العرسالي، معتبراً «ان مقاتلي المعارضة السورية خلف جبل الشيخ ليسوا من التكفيريين ولا هم «داعشيين»، فالغالبية من الجيش الحر وقلة هم من "جبهة النصرة"، و"داعش" لا وجود لها على الاطلاق، وهذا ما يحتم فرضية استبعاد فتح جبهة من الجهة اللبنانية، انما المراد من هذه الإشاعات إحداث بلبلة بين السنّة والدروز، ولذا فان استشعار الزعيم وليد جنبلاط وزيارته للمنطقة هو بمثابة «أطفائية».
لا ينكر سويد ان حواجز الامن الذاتي التي اقيمت في قرى راشيا الوادي في عين عطا وعيحا وشويا تسببت بحوادث وتصادم مع شبان سنّة من قرى الرفيد وشبعا اثناء قيامهم بواجب الاغاثة والمساعدة وهو ما أجج حال الاحتقان المذهبي.
وعن اتهام «الجماعة» بتقربها من «النصرة» وتأمين الحاضنة لها وإمدادها بالمساعدات، قال: «منذ بداية الأزمة السورية قلنا اننا ضد أي تدخل من خارج الحدود، كما اننا ضد تدخل حزب الله في الداخل السوري، وما عملُنا مع النازح السوري سوى عمل اغاثي انساني، وكل ما يقال ويشاع غير ذلك هو افتراء وتجن، لأننا في الاساس ضد النهج التكفيري ونؤمن بأن لكل بلد خصوصيته»، موضحاً «ان في مزرعة بيت جن نحو مئة عائلة محاصرة تحتاج للمساعدة، وكنا نرسل لهم المعونات باشراف الجيش، وبعد احداث عرسال، توقفنا عن ارسالها».
هواجس مؤيدي النظام السوري و"حزب الله" في المنطقة مختلفة، وبحسب مصدر قيادي في احد الاحزاب التي تقاتل الى جانب النظام «فان جبهة النصرة الارهابية، والجيش الحر هم اليوم بمثابة جيش العميل سعد حداد. واسرائيل تريد من هذه المجموعات أن تتحول أكياس رمل تفصل بينها وبين النظام السوري، مقابل تأمين حدود اسرائيل من الجهة الجنوبية، لتمدهم بالسلاح والعتاد للوصول الى منطقة عازلة»، لافتاً الى أن «النصرة» قد تستكمل سيطرتها على مراكز ومواقع القوة الدولية في المنطقة المنزوعة السلاح من القنيطرة بعدما سيطرت على احد المواقع فيها، وصولاً الى موقع تلة الزرقا وقصر عنتر في جبل الشيخ، فبهذه الحالة تصبح قرى العرقوب الارض الحاضنة لهم، ما يفسح المجال لاستكمال المخطط في توسيع دائرة المنطقة العازلة حتى الليطاني ما يضع النصرة والمجموعات المسلحة في مواجهة مباشرة مع المقاومة».
ولفت المصدر الى «أن قائد تجمع الالوية في الجيش الحر في منطقة قطنا اياد كمال الملقب بمورو يزور شبعا والمنطقة بشكل مستمر»، وقال: «لدينا معلومات عن مجموعة يقوم بمتابعتها دورياً، عديدها يتخطى 70 عنصراً، ومن بين اعضائها احد ابنائه».
هذه الهواجس قابلها مصدر من المعارضة السورية ،موضحاً أن الهدف من توتير منطقة شبعا والجوار كبح تقدم المعارضة على قرى «درزية» محسوبة على النظام، وقال: «معركة دمشق اصبحت قريبة جداً، لذا يحاولون تشتيت قوة المعارضة في اكثر من جبهة، بعد ورودهم معلومات عن انهاء 5 آلاف عسكري من الجيش الحر تدريباتهم في الاردن، ومهمتهم الاساسية ادارة «معركة الحسم»، والسيطرة على دمشق». واذ اكد «ان ليس لدينا اي هدف في لبنان»، ولفت الى «ان مورو زار المنطقة بعدما ادخلت زوجته الى احد المستشفيات في البقاع للعلاج من مرض السل»، موضحاً ان «مورو لديه طفلان واحد عمره سنة والثاني ثلاث سنوات».