نحن اليوم مع تاجر تنقل بين ميادين عدة فاقتطف منها ما رآه مناسبا له، بدأ بائعا في محل صغير ثم انتقل إلى اوسع منه حتى حطت قدماه في الكويت في اواخر الخمسينات فشاهدها والمعالم لم تتغير لذا كان نزار عبد الغني الشمري شاهد عيان لتطور الكويت وتلاحق العمران بها يحدثنا ضيفنا عن ولادته في مدينة الشام ثم يعرج بنا إلى سيرة جده بعد ذلك يذكرنا بدراسته وسفره إلى مصر ثم عمله في الشام ثم ينقلنا إلى حياته في الكويت ومتى جاء اليها ما كان عمله بها حين مجيئه احاديث شيقة ومتنوعة نقضيها معه فلنترك له ذلك:
أجدادي هاجروا من موطنهم حائل إلى الشام قبل مئتي سنة مع حملات العقيلات الذين كانوا يتاجرون بالابل والخيل وسوق الجمال كان سائدا في الشام وساحة يتجمع بها التجار ويعرضون ما عندهم وجدي كان رجلا معروفا في تلك الحقبة وله مكانته وقد تاجر في الابل بيعا وشراء وعنده من كان يعمل معه تحت امرته وكانت الناس اهل زراعة يأتونه ويقدم لهم المؤونة لزراعة اراضيهم فهو كان في بحبوحة من رزق وثرى حتى انه كانت عنده اغنام ولها رعاة يعتنون ولها في ارض الحماد من عرب البادية اما اقامته فقد كانت في ميدان الحزماتية ومن مكانه جدي اطلق عليه الاتراك لقب سعيد آغا الشمري فهو شمري من ثابت، وقد عمل والدي مع ابيه في تجارته وكان يقرأ ويكتب لأنه نشأ في بيئة حضرية ذات نمط تعليمي لكن عند قيام الثورة السورية تغير الوضع المالي لدى والدي وابيه وخسروا اموالهم وتجارتهم وحكم على والدي بالاعدام لأنه كان يبعث رسائل الثوار ويستلم منهم رسائل بعد هذا الحكم استطاع والدي الهروب من البلد والالتجاء الى مصر حيث مكث بها ستة عشر عاما، وجلس في اثناء هذه الفترة مع حسن الحكيم رئيس وزراء سورية السابق فهو زوج عمتي، ومن مصر ذهب إلى فلسطين ومكث عدة سنين ثم رجع إلى الشام وتوظف في دائرة الاوقاف وتزوج والدتي وهي من بيت المغربي من اهل الشام.
الدراسة
دراستي عند بداياتها كانت في الشام ومدارس قريبة من سكني فالتحقت في مدرسة اسامة بن زيد في الشامية ثم مدرسة خالد بن الوليد ثم التنيبه تدرس الجغرافيا والحساب والعربي والتاريخ ومواد اساسية كانت تدرسها المدارس في حقب الخمسينات فأنا تخرجت من المرحلة الابتدائية التي كانت ست مراحل سنة 1953 واذكر ناظر مدرسة اسامة بن زيد صلاح البيطار، بعدما تركت الدراسة سافرت إلى مصر حيث ان عمي اخ والدي كان يعمل في مصر في شركة طالب اغا وترجمان وشركائهم وهي شركة متخصصة في الاستيراد والتصدير وهو جانب اقتصادي له مكانته ونشاطه في تلك الايام مكثت عاما كاملا وانا في مصر وكنت اسكن في منطقة المطرية وتوظفت في هذه الشركة طالب اغا وترجمان وشركائهم وكان عمي قد هاجر مع والدي واستقر في مصر ولم يرجع عندما رجع والده إلى سورية، رجعت إلى بلدي سورية وانا عمري سبعة عشر عاما والتحقت بركب الحياة العملية حيث عملت بائع اقمشة في الشام.
الكويت
كان لي صديق سافر للكويت فشجعني على ان التحق به وفعلا سافرت بعد سفره للكويت باسبوع حيث حجزت عند احدى شركات النقل التي تذهب للكويت وسافرت معها حتى انني مازلت اذكر تلك السيارة التي حملتنا وهي فورد طراز 1939 والطريق الذي سلكناه دمشق - بغداد ثم البصرة ثم الكويت وقد دفعت دينارا عراقيا من البصرة للكويت ودخلت الكويت بتاريخ 18/2/1959 وكان الختم الذي على جواز سفري يصرح لي بالاقامة في امارة الكويت والاقامة صالحة طوال مدة صلاحية الجواز اي جواز السفر، كان زوج خالتي وصديقي قد سبقاني للكويت وصديقي كان يعمل بائعا للألبسة في قيصرت الرميح شارع فهد السالم، وانا عند وصولي إلى منطقة المطلاع رأيت سيارة سوداء كان بها الشيخ عبدالله السالم ومعه سائقه وقد وقف صاحب السيارة الاجرة التي كنا نحن المسافرين معه ونزل وادى التحية وقال لنا هذا امير الكويت عبدالله السالم الصباح وكانت السيارة التي عليها سمو الامير عليها علامات، والرحلة التي سلكناها من الشام للكويت استمرت ثلاثة ايام.
العمل
عند وصولي للكويت كان خالي اخ امي يعمل نجارا في الكويت وهو الذي استقبلني وبت عنده ليلة مجيئي ولا اذكر اليوم اين كان بيته اي في اي جزء من مدينة الكويت وفي الصباح لليوم التالي لوصولي توجهت إلى الشارع الجديد حيث شركة الحميضي وعمر الباشا الذي يعمل بها صديقي الذي قدم قبلي للكويت وهو ماجد القراوي وسألت عنه فإذا بالشريك السوري للمحل الذي يعمل به صاحبي يقول لي: هذه الكويت بلد عمل لا احد يزور احدا ولا يسأل عن احد قلت له يا عمي طول بالك علي «الناس تسقي الماء حتى لو كانت على طريق زمزم» وانا غريب المفروض على من يرى الغريب يقدم له المساعدة قال لي: انت اتيت للكويت لكي تعمل قلت له: نعم، قال: اعمل لدي قلت له: نعم اعمل لديك ليس عندي مانع قال لي: راتبك ثلاث مئة روبية في الشهر قلت له: لا تظلم نفسك جربني وبعد ذلك احكم علي وعلى راتبي وفي هذه اللحظة اثناء ما كان يدور الحديث بيني وبينه اعطاني خمس روبيات وقال هناك يوجد دكاكين لبيع الفاكهة اذهب واشتر لنا تفاحا.
ذهبت لكي اتي بما امرني به صاحبي وتنقلت بين اكثر من محل لبيع الفاكهة واخترت بانتقاء الاجود والارخص واتيت به والحقيقة ان ذلك كان لي اختبار وعرف ذلك الرجل بما عندي من قدرات ومعطيات... لذلك عملت عنده سنة كاملة في محله لبيع الملابس الولادية والنسائية وكان ذلك المحل في الشارع الجديد وبعد مضي سنة رجعت زيارة لشام مدتها اسبوعان وعند رجوعي اشتركت من واحد بمصبغة بدوار صادق بحولي كان ايجارها 200 روبية في الشهر وكنت انام فيها او في مدخل العمارة، لكن لم يدم عملي في هذه المصبغة طويلا لذلك عملت في محل في سوق الحريم للاقمشة وكان صاحبه رجلا لبنانيا من بيت الصباغ وانا كنت شابا صغيرا في السن وعندي حماس للعمل واخلاص لذلك ارتفعت ايرادات المحل ومبيعاته بشكل كبير وانسر وفرح وانبسط صاحب المحل مني كثيرا، ثم انتقلت إلى محل آخر حيث قالوا ان هناك جماعة يعملون في محل ما لا يأكلون إلا الدجاج وعندهم مطعم في الشرق وكان المحل في سوق واجف اعطوني راتب 700 روبية وعملت معهم في محل نفوتيه امام مطعم الجماعة فكان النحاس والفضة.
ومشى المحل وانبسط صاحبه مني ثم تطور الأمر وأخذ اصحاب المحل محلا آخر اكبر من المحل الأول واتوا ببضاعة كانت عبارة عن احذية من الشام وقد نقلوني إلى ذلك المحل وجاؤوا بأحد معارفهم في المحل الصغير ثم انا بالبيع في هذا المحل الكبير وكنت اذهب لتاجر الجملة واخذ منه كميات كبيرة كما كنت اخذ ايضا بضاعة قماش من البنطلونات واعرضها في المحل وصار شكله جميلا وفيه البضائع متوافرة وزادت مبيعاته كثيرا كثيرا وانسر صاحب المحل وانبسط لكنهم ارادوا التأكد من امانتي فبعثوا إلي اناسا يشترون مني وقد علموا على الفلوس ثم جاؤوا ووجدوا كل شيء على ما يرام ثم جربوني مرة ثانية ووجدوا كل شيء على ما يرام ادركت انها لعبة منهم فقلت لصاحب العمل امين وخائن... السلام عليكم وبعدها بشهر بعث لي احد اقربائهم وقال انا عندي محل وليس عندي فلوس وليس عندي مصروف ابعثه لعائلتي نتشارك انا واياك قلت اتكل على الله فأهل السوق يعرفونني وقد ملأوا المحل لي بالبضائع وبعد سنة اشترينا محلا آخر صغيرا في سوق واجف وبعد ذلك اخذ شريكي المحل الكبير وانا المحل الصغير ومن هنا كانت انطلاقتي وقد توفي والدي اثناء تأسيس المحل الصغير بعدما آل امره الي وتزوجت في هذا الوقت وانا من طبعي اسافر كل سنة اسبوعين.
الساعة
كان اجر المحل الذي بدأت منه انطلاقتي خمسا واربعين دينارا وبيتي اجره ثلاثين دينارا وفترة الصيف كانت سماحا لا ندفع به ايجارا وانطلاقي بدأ تدريجيا وانا اتطور حتى الله وفقني بماركة ساعة اومكس وانا ابيع في محلي الصغير في سوق واجف وكنت اعمل به من الصباح الباكر حتى المساء اي من الساعة الثامنة حتى الحادية عشرة مساء وكان زبائني من جميع الجنسيات لكن هذه الماركة كان العراقيون يفضلونها وقد وفقت بها كثيرا ونقلت حياتي نقلة نوعية 180 درجة وكان ذلك في اول السبعينات وهي ساعة اومكس ولي قصة طريفة معها حيث انني اشتريت ساعة مستعملة اسمها اومكس باربعة دنانير وجعلتها في المحل ثم جاء زبون اجنبي وقال مباشرة كم قيمة هذه الساعة قلت ستة عشر دينارا ثم دفع لي هذا المبلغ وقد ازهدني ذلك المبلغ واغلقت المحل وذهبت حتى لا يقال ان الساعة كانت غالية ثم اخذت ابحث عن مكان هذه الساعة اومكس فقالوا لي انها في دبي كان معي ثمانية ألاف دولار فذهبت إلى دبي واشتريت مجموعة وعدت للكويت وبعتها بيوم واحد وكانت التي يشتريها العراقيون وكانوا يأخذونها إلى العراق وكنت ابيع الحبة الواحدة لهم بأربعة دنانير وخلال ستة اشهر تحسنت معي الامور بشكل لايتصور وانا كنت مختصرا مفيدا للعراقيين اتي بها وهم يذهبون بها للعراق وحتى في هذه الفترة القصيرة البنك كان يجعل سقفي معه مليونا وثلاث مئة دولار ضمانا لي وقد اخذت محلا في شارع فهد السالم من بركات هذه الساعة ومشت الامور معي واسست مصنع ساعات هنا في الكويت تجميع ساعات ماركات وابيع إلى تركيا والسعودية ساعات مشكلة او مكس وماركات اخرى حتى بدأت الحرب الايرانية - العراقية منها بدأ العد التنازلي علينا والبنوك لها علينا والبنوك لها علينا ديون واعتمادات كبيرة لكن بفضل رب العالمين ان الانسان اذا كانت نيته طيبة الله لايتركه... وقد عملت مصنعا في المنطقة الحرة في مطار دمشق الدولي لكن تأثرنا من الحرب الايرانية - العراقية وانا عندي مبدأ اذا كنت مديونا بدينار وعندي مئة دينار اجعل المئة رهن لذلك الدين واخذت اكافح حتى يتحسن الامر واثناء ذلك جاءت ازمة الغزو العراقي وكان عندي محل به مجوهرات سرق وسرقوا الساعات وبعد الغزو بدأنا من جديد.
النظارات
عندما وقف سوق الساعات الجملة قررت ان ادخل جوا جديدا فجعلت احد محلاتي للنظارات والمحل الاخر للساعات وانا انسان نشيط وفكري نشيط بحكم سفري واطلاعي فكانت بالنسبة لي شغلة سهلة اتيت بواحد فني وسافرت معه إلى سويسرا وكان من جنسية سودانية ومشيت الامور بشكل جيد وبعد التحرير كانت الحركة جيدة وبفضل رب العالمين سددت الذي كان عليّ.
التحرير
يعد التحرير فرحة لي حيث ان الكويت بالنسبة لي ولاء ومحبة ولم انقل عفشي واغراضي من الكويت لانني اعرف ان الكويت سوف تتحرر وكان عندي احساس وايمان ان الفرج قادم وكنت في منطقة النزهة نتعاون بعضنا مع بعض ننظف الشوارع واقدم المساعدة... ومن اصدقائي الكويتيين عبدالعزيز المساعيد وهو الذي عمل اقامة ابني بعد التحرير واسامة التركيت وبيت الحميدي وكل عوائل تعرفني وكل شمر بالكويت يعرفونني فأنا لا شاكي ومشتكي واحترم نفسي وانا احب اسرة الصباح لأنها مثل النخلة لا تسقط إلا رطب ثمر طيب.
الأولاد
بفضل رب العالمين ان الانسان بحاجة إلى ثلاثة اشياء مسكن ومأكل والمبيت وهي تتحقق باقل الاشياء واكثر الاشياء ونحمد الله سبحانه وتعالى حققها لنا وكيف الانسان يخشى الفقر وهو عبدالله الغني وانا من خبرتي في الحياة لا شيء يعادل الصحة والكرامة.
الزواج
انا عندي تسع بنات وولدان ولد يعمل في الشام انا من الناس الذين يؤمنون بحرية الاشخاص بما ان الله رب العالمين اعطاني اعطيت اولاد كل منهم رأسمال وقلت انطلق كل يشوف طريقه وكلاهما يعملان برضاي واحد هنا في الكويت والآخر في سورية يعمل سمعيات وبصريات والبنات متزوجات منهم في اميركا وفي سورية ومنهن الدكتورة طبيبة في مستشفى الاميري وهناك محامية في الشام، جميع اولادي متعلمون منهم دكتورتان.
مقومات
مقومات التاجر الناجح الصدق والامانة والله اكرم الانسان بالعقل وفي خلال ستين سنة استطاع ان يصل الانسان إلى ما لم يصل اليه خلال ثلاثة الاف سنة وكلما فتح باب جاء باب اوسع فالعلم سخر اكثر لنا حتى هناك اشياء لا نستطيع ادراكها.
الزبون
الكويت بعد التحرير تغير كل شيء كنا نعتمد في البيع والشراء على الوافد والوافد اليوم ضعيف اما الكويتي فالمعاش لا يكفيه وايضا كثرت المحلات فليس هناك تغطية توزيع مناسب.
السفر
بلاد العالم كلها سافرت لها وبفضل العالمين ليس عندي مشكلة مع اي شركة وبضائع النظارات بدأت عندما سافر ايطاليا ثم سويسرا.
مرحبا بالزميل الديحاني
اولاد الضيف سنة 1985
الشمري متوسطا موظفاً في محله واحد زبائنه
هويته سنة 1959
جواز سفره الذي دخل به الكويت