لبنان بدأ مرحلة «نزْع الألغام» السياسية من بوابة الإفراج عن التشريع النيابي

1 يناير 1970 05:54 م
فتح البرلمان اللبناني، العاطل عن العمل منذ أشهر عدة، أبوابه، امس، على مناخ من التسويات «الممكنة» تتجاوز ما اصطُلح على تسميته جواز «تشريع الضرورة» في ظل الفراغ الرئاسي الناجم عن تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية منذ 25 مايو الماضي، وهو مناخ يؤشر الى امكان صوغ تفاهمات «اضطرارية» بين اطراف الصراع تجنباً للانهيار الشامل، ما يعني بدء مسار من نزع الالغام عبر الاتفاق «الحتمي» على تمديد جديد للبرلمان الممددة ولايته (تنتهي في 20 نوفمبر)، والتقاط فرصة تبادل «النيات الحسنة» بين المملكة العربية السعودية وايران للتفاهم على مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية قد يحتفل به لبنان في ذكرى الاستقلال في 22 نوفمبر المقبل.

فبعدما شُلّت قدرة البرلمان على الانعقاد في جلسات تشريعية لاستقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اولاً وللعجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية ثانياً، افضت حركة المنازلات السياسية والمقايضات على تخوم خطر الانزلاق الى فراغ اكثر مأسوية مع اقتراب نهاية ولاية البرلمان الممددة اصلاً، الى إحداث خرقٍ أتاح فتح ابواب مجلس النواب لـ «تشريع ما هو ضروري»، وهو ما عكس رغبة متبادلة بين طرفي الصراع (8 و 14 آذار) لكسْر المأزق السياسي - الدستوري خطوة - خطوة بالتزامن مع عامليْن مفصلييْن هما:

* خطر الحرب الارهابية التي دقت أبواب لبنان عبر جبهة القلمون - جرود عرسال في لحظة إعلان حرب معاكسة من التحالف الغربي - العربي بقيادة الولايات المتحدة على «داعش» في العراق وسورية، الامر الذي يحمل الداخل والخارج على السعي من اجل تحصين لبنان من خلال حضّ أطراف الصراع فيه على إبرام تفاهمات تتيح تحقيق انفراج وتماسُك داخليين.

* التحول الاقليمي الذي استدعاه الظهور المباغت لتنظيم «الدولة الاسلامية» وانفلاشها على أجزاء واسعة من سورية والعراق وطرقها ابواب دول جوارهما، الامر الذي املى على القوى الاقليمية الرئيسية اعادة النظر في حساباتها «فك اشتباك» نسبي قد يطال وهجه لبنان.

وانطلاقاً من هذا «البازل» المتشابك، لمّع البرلمان اللبناني صورته وبدا كأنه يستعدّ لوضع «ربطة العنق» ايذاناً بأخذ صورة التمديد الثاني على التوالي، بعد ان يكون الرئيس نبيه بري نجح في «ضرب عصفورين بحجر واحد» هما نسْف معادلة وقف التشريع في حال استقالة رئيس الحكومة أو شغور موقع رئاسة الجمهورية وإطالة عمر مجلس النواب وهو «هدف» لعب به بري على «حافة الهاوية» مع قوى 14» آذار» بهدف تحقيق غايته الاساسية وهي فك الارتباط بين عمل مجلس النواب وواقع المؤسسات الدستورية الاخرى.

ورغم ان ملف سلسلة الرتب والرواتب لم يمرّ، امس، في البرلمان وأعيد الى اللجان المشتركة اي الى دوامة تدوير زوايا الارقام نتيجة اعتراضات من وزير الدفاع على سلسلة العسكريين ومن اساتذة التعليم الخاص على عدم شمولهم بالدرجات الست التي سيتسيد منها معلمو الثانوي الرسمي، فان «قطار التشريع» انطلق بإقرار عدد من القوانين بينها تغطية صرف الرواتب للعاملين في القطاع العام للشهرين المقبلين، على ان تكون الفترة الفاصلة عن 20 الجاري مناسبة لاتصالات لتعبيد الطريق امام التمديد للبرلمان عبر قانون سيجري العمل لإمراره بما يضمن احترام مهلة الشهر المحددة لرئيس الجمهورية لنشر القانون في الجريدة الرسمية، باعتبار أنه في حال لم يوقّع أحد الوزراء الأربعة والعشرين على القانون (بدل رئيس الجمهورية الشاغر موقعه) وهذا مرجّح في ضوء الموقف العلني الرافض للتمديد على الاقل من العماد ميشال عون، فسيكون انقضاء مهلة الشهر قبل 20 نوفمبر كفيلاً بجعل القانون بعدها نافذاً، علماً انه إذا انتهت ولاية البرلمان قبل انقضاء مهلة الشهر، فقد يطرح ذلك إشكالات دستورية وقانونية بالغة التعقيد.

وكان اليوم التشريعي انطلق على وقع استمرار التجاذبات حول ارقام ونسب الزيادات والفئات المستفيدة وتراتبية الدرجات في سلسلة الرتب والراوتب اضافة الى زيادة الواحد بالمئة على الـ tva وهو ما حمل بري على التحذير عشية الجلسة: «انا لا امزح ولا تجرّبوني واذا استمرت الاعتراضات سأعيد السلسة الى اللجان وليتدبّر المعترضون امرهم معها»، وهو ما «وفى» به اذ سارع عند طرح هذا البند الى اعادته الى اللجان.

ورأت اوساط مراقبة ان هذا التطور دفعت في اتجاهه اعتبارات سياسية عدة، بينها عدم حماسة أطراف لأرقام السلسلة ومخاطرها الممكنة على الاقتصاد والمالية العامة، اضافة الى عدم رغبة أطراف آخرين في تجيير إنجاز هذا الملف الشائك الى «القوات اللبنانية» التي تولّت هنْدسة المخارج عبر النائب جورج عدوان مع الرئيس بري وشكّلت «رافعة» لإعادة تفعيل عمل البرلمان كما لإخراج السلسلة من عنق الزجاجة.