رئيس حزب الجبهة الوطنية الليبية أكد أن دولاً خليجية و«عربية تدعم اللواء المتقاعد في الخفاء»
محمد علي عبدالله لـ «الراي»: حفتر كالقذافي يريد إما أن يحكمنا وإما أن ... يقتلنا
| أجرى الحوار: حسين إبراهيم |
1 يناير 1970
08:12 م
• وثائق رسمية بين مسؤولين في حكومة الثني وأجهزة مصرية تمهّد لتدخل عسكري في ليبيا
• حفتر ارتضى أن يتسلّم مكافأة مالية من نظام القذافي مقابل ابتعاده عن عمل المعارضة
• قانون العزل السياسي ساهم في إبعاد عناصر وطنية كالمقريف عن الساحة
• معظم الدعم للمجموعات المتطرفة يأتي من جهات لا تتفق في الفكر معها ولكنها تستهدف ليبيا
• الموقف الأميركي غامض لأن الوضع في ليبيا بأكمله ما زال غير واضح
أكد رئيس حزب الجبهة الوطنية الليبية عضو المؤتمر الوطني العام محمد علي عبدالله ان اللواء المتقاعد خليفة حفتر يعتمد مع الليبيين اسلوب العقيد الراحل معمر القذافي نفسه وهو: «إما ان نحكمكم... او نقتلكم»، مشيرا الى انه ليس صحيحا ان حفتر ظل معارضا لنظام القذافي بعد الحرب مع تشاد في الثمانينات التي انضم في اعقابها حفتر الى المعارضة، ومؤكدا ان حفتر مد يده وارتضى ان يستلم مكافأة مالية من نظام القذافي مقابل ابتعاده عن عمل المعارضة الليبية وغيرها ربما من خدمات اخرى.
واشار عبدالله في حوار خاص مع «الراي» الى ان موقف السلطات الأميركية من تحركات حفتر ربما صاحبها الغموض وعدم الوضوح، معتبرا ان ذلك متعمد نتيجة للغموض الذي يشهده الصراع بأكمله في ليبيا، وباعتبار ان أميركا تبحث عن مصلحتها.
وأكد ان هناك دولا خليجية وعربية تدعم حفتر لكنها لا تصرح بالدعم في هذه المرحلة بانتظار ان يحقق تقدما عسكريا على الارض وهو ما يستطع القيام به، معتبرا ان هناك تصفية حسابات بين بعض الدول في ليبية.
وعن المجموعات المتطرفة كـ «انصار الشريعة»، قال عبد الله ان «معظم الدعم يأتي بشكل مباشر او غير مباشر من جهات لا تتفق في الفكر مع هذه المجموعات ربما ولكنها تستهدف ليبيا وشعبها».
ورأى ان «قانون العزل السياسي ساهم للأسف في إبعاد عناصر وطنية كالرئيس السابق للمؤتمر الوطني العام محمد المقريف عن الساحة». وفي الاتي نص الحوار:
* انتم تقولون ان ليبيا لم تتحرر بعد. ونتيجة النزاعات المسلحة وكثرة المجموعات المسلحة، بدأ البعض يقول ان الاوضاع الحالية اسوأ مما كانت عليه ايام القذافي. كيف ترى الحل لهذه المشكلة وممن لم تتحرر ليبيا بعد؟
- هناك من يشير إلى أن ليبيا لم يتم تحريرها بعد نتيجة لإنتشار عدد من المجموعات المسلحة التي لا زالت ترفع شعارات نظام القذافي المنهار، وتتمركز في بعض المناطق التي لم تستطع الحكومات التي توالت بعد ثورة 17 فبراير بسط سيطرتها عليها حتى هذه اللحظة وتخل بالأمن والاستقرار.
شعور بعض المواطنين بأن الاوضاع الحالية اسوأ مما كانت عليه ايام القذافي هي اشارة إلى الوضع الامني الذي يعيشه المواطن، وهذا امر ترتب على أن الأجهزة الأمنية التي بناها نظام القذافي كانت خارج نطاق الجيش والشرطة، وبانهيار الحكم لم تعد هذه الأجهزة قائمة، ومعلوم أن هذه الأجهزة كانت تستخدم القمع وسيلة لفرض رضوخ الشعب الليبي. تغير الأمر الآن مع مناخات الحريات التي أفرزتها الثورة وأصبحت الحاجة إلى إنشاء قوات أمن من الصفر وهو ما لم تتمكن الحكومات خلال المرحلة الانتقالية ان تنجح في تحقيقه. هناك مشكلة نختصرها في تفشي السلاح في أيد كثيرة خارج المؤسسة الرسمية من ناحية والعجز عن إنشاء مؤسسات أمنية تأتمر بإمرة الدولة.
* من المسؤول عن تردي الاوضاع في ليبيا بعد ثورة مكلفة اطاحت بحكم حديدي دام أكثر من 40 عاما؟
- من الصعب ان نحدد جهة بمفردها ونقول بانها تتحمل مسؤولية تردي الاوضاع الامنية، فالفشل بدأ منذ فترة مبكرة جداً، منذ إنشاء المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي، وتراكمت الاخطاء واصبحت سياسة الهروب إلى الامام وتفادي المواجهات هي السائدة بدلا من الحسم والمعالجة الجذرية للمشاكل، كان يتم تجاهل الكثير من التجاوزات التي وقعت مبكراً، كما أن العمل في مؤسسات الحكومة استمر بنفس النهج الذي كان يتبعه نظام القذافي، كل هذا ساهم في انتشار الفوضى وخلق فراغا امنيا كبيرا. واستغل الكثير من المجموعات المسلحة هذا الفراغ من اجل بسط نفوذها والتأثير على الرأي العام بالإضافة إلى تصفية حسابات قديمة وجديدة. ولكن في كل الاحوال هذا الوضع يعتبر امرا طبيعيا في دولة عاشت تحت الخوف والترويع والقمع لمدة 42 سنة، ثم خاضت ثورة دامية وعنيفة، ولكن الامر الذي اعتبره ليس طبيعيا ومؤسفا وقد يكون اكثر سبب ساهم في الفوضى التي تشهدها البلاد وفي الشرخ المجتمعي الذي ستنتج عنه جروح عميقة لن تعالج بسهولة، هو الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام خلال الفترة الانتقالية في ليبيا بعد أن اعلن المجلس الوطني الانتقالي عن تحرير البلاد في اكتوبر 2011، حيث اصبح الخطاب الإعلامي تحريضيا وتضليليا اكثر منه خطاب تعبوي او اخباري مهني، وهذا ينطبق على معظم المنابر الإعلامية التابعة لكافة التيارات التي استطاعت ان تمتلك محطات فضائية بطرق غامضة، ان لم تكن مشبوهة. بعضها يبث من خارج ليبيا، كما يشمل المنابر الإعلامية التابعة للدولة التي تمت السيطرة عليها من جهات مختلفة واصبح السلاح والتهديد والمال الفاسد هو الذي يحدد خطابها الإعلامي. وأصبح المواطن الليبي رهينة المعلومات المغلوطة والكلمات الاستفزازية والتأجيج والتحريض الذي تبثه هذه المنابر الإعلامية، والتي اصبحت تغذي منابر التواصل الاجتماعي وبالعكس، واصبحت الحقيقة اكبر ضحية في ليبيا ولا يستطيع المواطن الليبي ولا الرأي العام الدولي ان يفهم حقيقة ما يجري في ليبيا.
* كيف تقيمون حركة اللواء خليفة حفتر، وحزبكم منبثق عن الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا بقيادة محمد المقريف والتي انضم اللواء حفتر اليها في الثمانينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة؟
- في البداية يجب توضيح بعض الامور بشأن عضوية اللواء متقاعد حفتر في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، ففي سنة 1987 قامت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا بمبادرة مع الحكومة التشادية برئاسة السيد حسين حبري في ذلك الوقت بشأن فك أسر الآلاف من أبناء ليبيا الذين وقعوا في يد الجيش التشادي خلال حرب القذافي المأسوية ضد الجارة تشاد، وتضمنت تلك المبادرة قيام الجبهة بتوفير كل ما يتطلبه الإخوة الأسرى من المساعدات الإنسانية من إعاشة وعلاج وغيرها، وعبرت أغلبية الضباط والجنود عن الرغبة في الانضمام إلى صفوف المعارضة الليبية والانشقاق على نظام القذافي حيث قامت السلطات التشادية بإطلاق سراحهم وقرر الغالبية الانضمام إلى الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا وكان من بينهم في ذلك الوقت العقيد خليفة حفتر والعقيد صالح الحبوني والمقدم عبدالله الشيخي الذين اشرفوا مع قيادة الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا على تأسيس القوة التي سميت الجيش الوطني الليبي وقوامه الضباط والجنود المنضمون علاوة على فدائيي الجبهة المدربين على مدار السنوات الماضية، وقامت الجبهة بتجهيز وتدريب الجيش وتأمين كافة احتياجاته بصفته قوة تابعة للجناح العسكري للجبهة، من اجل دخول ارض الوطن وإسقاط نظام القذافي وإقامة بديل دستوري ديموقراطي. استقال حفتر من تنظيم الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا في سنة 1993، أي اكثر من 20 سنة ماضية نتيجة لخلاف جوهري وتحفظات امنية كثيرة حول دور حفتر خلال فترة عمله في صفوف الجبهة، وبعد ذلك موقفه من نظام القذافي وطريقة تعامله معه عندما مد يده وارتضى ان يتسلم مكافأة مالية من نظام القذافي مقابل ابتعاده عن عمل المعارضة الليبية وغيرها ربما من خدمات اخرى، وهذه المعلومات اصبحت معروفة للجميع بعد ان كشفت وثائق نظام القذافي وشهادات العديد من المسؤولين في نظام القذافي بالإضافة إلى اجهزة بعض الدول العربية التي كانت على علم بهذه العلاقة رغم انها كانت معلومات معروفة ومؤكدة لنا في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا منذ سنوات طويلة، فالصورة التي يريد ان يظهرها البعض بأن اللواء المتقاعد خليفة حفتر استمر في موقفه المعارض لنظام القذافي حتى اندلاع ثورة 17 فبراير صورة غير صحيحة واحد الامثلة التي اشرت اليها في تضليل الإعلام للرأي العام.
اما بالنسبة لتحركاته الاخيرة والتي ادعى فيها انه يقود الجيش الوطني من اجل محاربة الإرهاب والقضاء على الحركات المتطرفة في ليبيا، وبعد اكثر من نصف سنة الان عن بداية هذه العمليات العسكرية والتي لم تحقق أي شيء سوى قتل المئات من الابرياء وتدمير المباني والمقرات الخاصة والعامة واوقفت حياة المواطن الليبي في العديد من المدن الليبية على رأسها عاصمة ثورة 17 فبراير بنغازي الحبيبة، التي اصبحت تعيش حالة من القلق والترويع المستمر نتيجة لما تقوم به الميليشيات التابعة لحفتر من قصف عشوائي طال العديد من الأهداف المدنية ومنازل مواطنين لا علاقة لهم بأي تنظيم عسكري او غيره وقاموا بإغلاق مرافق حيوية في المدينة بما فيها المطار، كل هذه التصرفات لاتدل على الرغبة في محاربة الإرهاب او القضاء على من يقوم بالاغتيالات والجرائم في بنغازي ولا غيرها من المدن الليبية، إنما تدل على الرغبة في قمع المواطن الليبي والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح ورغم خروج عشرات الآلاف في المدن الليبية المختلفة في تظاهرات رافضة لهذا التحرك العسكري وهذا الإعتداء على المواطنين، إلا ان حفتر استمر في عملياته بل اصبح الان يحظى بدعم وتأييد حتى من بعض المسؤولين في مجلس النواب والحكومة التي فقدت السيطرة على معظم انحاء البلاد واصبحت طرفا في الصراع العسكري الذي تشهده ليبيا ولم تبق الحكومة الحالية برئاسة السيد عبدالله الثني ولا مجلس النواب الذي لم يستطيع ان يستلم شيئا او يمارس أي من صلاحياته على ارض الواقع قادرين على القيام بمهامهما ودورهما في قيادة البلاد بشكل موحد. نحن نعتقد بأن مكافحة الإرهاب والقضاء على كافة الجهات التي تستخدم السلاح لفرض رأيها بالقوة وتقوم بالاغتيالات والاختطاف، تقع على الحكومة والسلطات الشرعية في ليبيا وتكون من خلال المؤسسات الامنية الخاضعة لأوامر رئاسة الاركان والحكومة الشرعية في ليبيا، كما نؤمن بأن محاربة هذه الجهات اولوية قصوى وشرط اساسي في استقرار الوضع في ليبيا بل في المنطقة بأكملها، ولا يجب ان يـُـستخدم هذا الملف كستار لمن يريد ان يهيمن على مصير الشعب الليبي وممتلكاته وثرواته ومستقبله، وهذا ما يقوم به حفتر ومن يتبعه حسب وجهة نظري.
* تتهمون جهات معينة باستيراد العنف والصراعات من الخارج. من يدعم الحركات المتطرفة كـ «انصار الشريعة»؟ ومن اين تأتي هذه الحركة بقوتها بالنظر الى قدرتها على الانتشار في مناطق كالعاصمة طرابلس؟
- نحن على قناعة كاملة بأن الصراعات الفكرية وبالأخص التي تحملها الجماعات المتطرفة هي دخيلة على الشعب الليبي ولا يوجد في نسيج المجتمع الليبي جذور لمثل هذه الافكار، كما نعتقد بأنه بعد اندلاع ثورة 17 فبراير في ليبيا وانشغال الثوار بالقتال ضد اجهزة القذافي القمعية والفراغ الامني الذي شهدته ليبيا في المرحلة الانتقالية، أصبحت البلاد هدفا سهلا ومغريا للكثير من المجموعات المسلحة التي تبحث عن مأوى وعن مصدر للسلاح والمال. بالإضافة إلى هذا، غياب الخطاب التعبوي الإيجابي والوسطي المعتدل في ليبيا سواء في الإعلام أو حتى على المنابر في المساجد، شكل فراغا فكريا وثقافيا في وسط الشباب الليبي مثل ما هو الحال في معظم الاقطار، ولكن في ليبيا تسارع انتشار هذه الافكار وهذا الخطاب السلبي.
اما بالنسبة للدعم للتنظيمات التي تمارس الإرهاب وتحمل هذا الفكر المتطرف، فهناك عدة انواع من الدعم بعضها يأتي نتيجة للتوافق في الفكر والاهداف من تنظيمات دولية وربما افراد اثرياء يدعمون مثل هذا الفكر، ولكني أعتقد ان معظم الدعم يأتي بشكل مباشر او غير مباشر من جهات لا تتفق في الفكر مع هذه المجموعات ربما ولكنها تستهدف ليبيا وشعبها ومن مصلحتها ان يستمر الاقتتال في ليبيا وان تعم الفوضى كافة ارجاء البلاد وهذا ما يـُعرف بمن يسميهم البعض بـ «أمراء الحرب» او «تجار الحرب»، بالإضافة إلى بعض الجهات المحلية والاجنبية التي تريد ان يقبل الشعب الليبي بسيناريو الحكم العسكري والقمعي حيث انها تفتعل بعض الجرائم وتنسبها لجهات مجهولة ثم تأتي بحلول تسوقها على أنها ستنقذ البلاد من هذه الجرائم التي هي بنفسها افتعلتها. وهذه هي سياسة «إما ان نحكمكم.. او نقتلكم» التي اطلقها القذافي في السابق، ويمارسها امثال خليفة حفتر الان وغيره، ولكننا على يقين بأن مصير هذه الممارسات هو نفس مصير نظام القذافي بإذن الله ولو بعد حين.
الشيء الذي أحذر منه هو ما يسوق له منذ حين بالزج بكل الثوار وتصنيفهم في خانة التطرف واعتبارهم ارهابيين. إن المستفيد الأول من هذا الترويج هي المجموعات المتطرفة حقيقة، والخاسر الأكبر هو الوطن كله.
* ماذا تريد أميركا في ليبيا، وفق رؤيتكم، علما انها لم تؤيد اللواء حفتر علنا وان كانت اوحت بتأييده، خصوصا وانها عدو للاسلاميين الذين تحملهم مسؤولية مقتل سفيرها في هجوم قنصلية بنغازي؟
- الإجابة على هذا السؤال لن تكون بعيدة عن التكهنات والتخمينات وتحليلات ارهقنا خلال السنوات العديدة الماضية في الإجابة عنها، وأنا شخصياً لا أرى اي اهمية في السعي للوصول إلى هذه الإجابة في سياق ما نمر به في ليبيا. أميركا بدون شك لها مصالحها وهي تسعى لتحقيق مصالحها وتريد ان تستمر في الحفاظ على مكانتها في المجتمع الدولي كقوة عسكرية واقتصادية وسياسية، كما لمعظم الدول هذا الهدف وهذا المبتغى، ولكن للأسف أصبح هدف البعض في ليبيا السعي وراء معرفة ما هي مصلحة الاخر في ليبيا ولم نعر اي اهتمام إلى ما هي مصلحة المواطن الليبي وما هو الذي سيحقق الإستقرار والنمو والإزدهار للشعب الليبي. مثل ما يقوم البعض بالتآمر من اجل تحقيق مصالحهم في ليبيا، علينا نحشد كل قوانا من اجل الحفاظ على وحدة وسيادة ليبيا وتوفير سبل العيش الكريم للمواطن الليبي وفي حال تعارضت هذه الاهداف مع مصالح الاخرين في ليبيا، ففي ذلك الوقت بإمكاننا ان يكون لنا صوت واحد ومؤسسات وطنية فعالة قادرة على التصدي لتلك المؤامرات.
أما بالنسبة لموقف اميركا من قضية محاربة الإرهاب والتطرف في ليبيا، فهذا الهدف هو هدف ليبي والشعب الليبي معني به قبل ان تكون أميركا او غيرها معنية به. جريمة اغتيال السفير الأميركي والعديد من الجرائم الأخرى بالإعتداء على الديبلوماسيين في ليبيا جرائم لا يستهان بها، وردود افعال الدول التي يمثلها هؤلاء الديبلوماسيون نتفهمها ولا نستطيع أن نلومها على ذلك، ولكن يجب ان يكون موقفنا في هذا الملف منطلقا من اجل وقف المئات من الاغتيالات والإرهاب والترويع المستمر للمواطن الليبي، بالإضافة إلى تأمين ضيوفنا والديبلوماسيين الذين يعيشون على الأراضي الليبية.
وموقف السلطات الأميركية من تحركات خليفة حفتر ربما صاحبه الغموض وعدم الوضوح، ولكن اعتقد بأن هذا في حد ذاته متعمد نتيجة للغموض الذي يشهده الصراع بأكمله في ليبيا ولكن في اكثر من مرة اشارت تصريحات مسؤولين في الحكومة الاميركية وغيرها من الدول الغربية بإدانة كل العمل العسكري ضد المدنيين بما في ذلك القصف بالطيران الحربي.
* وجهت اتهامات الى اللواء حفتر بتلقي دعم من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. انتم كيف تنظرون الى العلاقة مع مصر وهل تعتقدون انه سيكون هناك دور للقاهرة في فرض الاستقرار في ليبيا؟
- بدون شك ان هناك العديد من المؤشرات والحقائق والتصريحات من بعض المسؤولين المصريين تؤكد بأن هناك دعما مباشرا لما يقوم خليفة حفتر في ليبيا ولا اعتقد ان السلطات المصرية تخفي دعمها له، فهناك العديد من التصريحات التي تشير إلى التدخل المصري في ما يجري في ليبيا، ولكن مثلما اشرت في السؤال السابق اعتقد ان معالجة هذا الامر تبدأ بمعالجة وضع مؤسسات الدولة والحكومة الليبية بالذات حيث ان من يقوم بتمثيل ليبيا الان في المحافل الدولية سواء من الحكومة او من مجلس النواب اصبحوا منحازين بالكامل لاحد اطراف الصراع ولم يعودوا يمثلون رغبة الشعب الليبي ولا يراعوا مصلحة ليبيا في هذه المحافل، وقد نشرت وثائق رسمية متداولة بين مسؤولين في حكومة السيد عبدالله الثني مع اجهزة مصرية تمهد الطريق لتدخل عسكري في ليبيا. فطالما ان الجهة التنفيذية المسؤولة في ليبيا تأخذ مثل هذا الموقف وتعطي الغطاء السياسي والقانوني لمثل هذا الانتهاك لسيادة الوطن، فلا نتوقع من الأطراف الأخرى ان تحترم سيادة وطننا ووحدتها نيابة عنا!!
بالنسبة لإستقرار ليبيا، فبدون اي شك يجب ان يكون لكافة دول الجوار دور في تحقيق هذا الهدف. فاستقرار ليبيا هو من استقرار كافة دول الجوار بما في ذلك مصر الشقيقة، ويجب ان تكون العلاقة مع مصر علاقة استراتيجية ومبنية على احترام متبادل وعلى رعاية مصلحة الشعبين الشقيقين واعتقد ان ذلك بالإمكان تحقيقه في حال توفر حكومة وطنية قادرة على تمثيل رغبات الشعب الليبي ولا تعمل على هدر ثرواته وامكانياته ومقدراته وراء اطماع اشخاص او جماعات محددة فقط.
* جرت انتخابات مرتين في ليبيا وفي المرتين لم تؤد الى نشوء سلطة يتفق على شرعيتها الجميع او الاغلبية. ما الذي تحتاجه ليبيا حتى تكون بها سلطة مقبولة؟
- في حقيقة الامر انتخابات يوليو 2012 التي افرزت المؤتمر الوطني العام شاركت فيها نسبة كبيرة جداً من الشعب الليبي بشهادة كافة المراقبين المحليين والدوليين، وكانت انطلاقة طيبة للعمل الديموقراطي والتبادل السلمي للسلطة ولكن بعد ان عجز المؤتمر الوطني العام عن معالجة الكثير من القضايا المهمة والجوهرية وعلى رأسها الملف الامني والذي كان سببا اساسيا في انعدام ثقة الشعب الليبي في المؤتمر وكان سببا في تدهور العلاقة بين السلطة التشريعية والحكومة في ذلك الوقت، واصبح خطاب عدم الإعتراف بشرعية المؤتمر الوطني هو السائد في البلاد وكان ذلك نتيجة لخطاب اعلامي قوي جداً وضع مغالطات واكاذيب كثيرة واصبحت راسخة في اذهان الكثير من الليبيين، وعجز المؤتمر الوطني العام على مواجهة تلك الحملة الإعلامية ولم يتمكن من إظهار حقيقة ما كانت تقوم به حكومة السيد علي زيدان وبعض التشكيلات المسلحة من اهدار للمال العام وتجاهل لقرارات المؤتمر الوطني العام، كما شهد المؤتمر الوطني العام في ذلك الوقت انهيارا داخليا نتجت عنه انشقاقات وخلافات وصراعات وتصرفات لا نستطيع ان نصفها إلا بالتصرف الغوغائي والعبث. كل ذلك ادى إلى إضطرار المؤتمر الوطني العام للدعوة لانتخاب جسم جديد يستكمل المرحلة الإنتقالية، ولكن كان ذلك في الاجواء نفسها التي ادت إلى تعثر عمل المؤتمر وفراغ امني كما نجح بعض العناصر التي لم تتقبل ثورة 17 فبراير ولا مبادئها وتسعى لإستعادة نفوذها الذي كانت تستمتع به خلال حقبة نظام القذافي، كما اصبحت منابر الفضائيات وصفحات التواصل الإجتماعي سلاحا مسلطا على العملية الديموقراطية وساهمت في ابتعاد الناخب الليبي عن صناديق الإقتراع في الانتخابات الثانية وكانت نسبة المشاركة لا تتجاوز الـ10 أو 11 في المئة من الناخبين الذين يحق لهم التصويت، وتبع ذلك نجاح بعض العناصر التي لا تريد للمرحلة الإنتقالية أن تنتهي ولا تريد لدولة دستورية ديموقراطية يشارك فيها كافة أطراف الشعب الليبي ان تظهر للنور، في اختطاف مؤسسة مجلس النواب لتحقيق اهدافها في بسط نفوذها الكامل على مقدرات الشعب الليبي.
في اعتقادي ان صناديق الإقتراع والتداول السلمي للسلطة في اطار الممارسة الديموقراطية وتمكين المواطن الليبي من اختيار ممثليه هو السبيل الوحيد والأسلم ويجب ان يكون الرجوع إلى هذه الآلية والشرعية الدستورية هو الهدف من اي خطوات تتخذ في هذه المرحلة، ولكن ما تمر به البلاد في هذه الفترة يتطلب خطوة «تصحيح مسار» لمعالجة الكثير من القضاية الجوهرية ووضع حجر الاساس لدولة الإستقلال الثانية وتوفير مناخ اجتماعي وسياسي ملائم لخوض انتخابات يستطيع ان يشارك فيها المواطن الليبي بعيداً عن التهديد والترويع والتظليل.
* كيف تربط بين ما يجري في ليبيا وما يجري في الدول المجاورة كتونس ومصر وتلك الابعد كسورية والعراق؟
- بدون شك نحن الان في مرحلة تاريخية تشهدها المنطقة بأكملها، ستحدد ملامح مستقبل المنطقة العربية والافريقية وكل هذه الامور مرتبطة ارتباطا مباشرا لأن العالم اصبح صغيرا ولا نستطيع ان نقول بأن ما يجري في سورية او العراق لا تأثير له على ما يجري في ليبيا، ناهيك عن دول الجوار مثل مصر وتونس. أعتقد بأن ما يجمع هذه الدول الان هو رغبة شعوبها في بناء دول ديموقراطية ترفض القمع والاستبداد وتمكن مواطنيها من اختيار قياداتها ومحاسبتها والمشاركة في تحديد مصير افضل مزدهر تُـستثمر فيه مقدراتها وثرواتها من اجل توفير سبل العيش الكريم لسكان هذه الأوطان، ولكن للأسف ينتشر فيها ايضاً السلاح خارج نطاق مؤسسات الدولة وتنتشر فيها التنظيمات الإرهابية التي لا تؤمن بالديموقراطية كما يـجـتمع فيها العنصر العسكري الذي كان يتمتع بنفوذ وبسلطة كاملة خلال القرون الماضية ولن يفرط فيها بسهولة ومن دون مقاومة عنيفة للمسار الديموقراطي.
رغم هذه المقارنات والقواسم المشتركة، إلا أنني على يقين بأن معالجة أوضاع كل هذه البلاد لن تنجح اذا لم يتم التعامل مع كل ازمة برؤية خاصة تراعى فيها خصوصيات كل دولة، مع الأخذ في الاعتبار بأن القواسم المشتركة الإيجابية تفوق بكثير العوامل السلبية الاخرى وفي المدى البعيد سيكون استقرار هذه الدول وازدهارها مرتبطا بنجاح كافة هذه الشعوب في الانتصار على جلاديها وطواغيتها وبناء مؤسسات دستورية ديموقراطية تعكس رغبات شعوبها.
* زعيم «انصار الشريعة» محمد الزهاوي اتهم دولا خليجية وعربية بدعم حفتر. انت كيف ترد على ذلك؟
- هذا الاتهام لم يكن على لسان الزهاوي او «انصار الشريعة» فقط، بل صرحت به مصادر عديدة بما في ذلك دول غربية ووسائل إعلام عربية وغربية، ولكن لم يكن هناك موقف خليجي او عربي واضح معلن بشكل رسمي يبين هذا الدعم ولا اتوقع انه من يدعم حفتر في هذه المرحلة سيصرح بذلك علناً، حتى يتأكدوا من أنه قادر على تحقيق تقدم عسكري وهذا ما لم يستطع ان يحققه حتى الان في كل المعارك التي خاضها.
الأيام القادمة ستبين الحقيقة والتاريخ لن يرحم احدا، ومن يراهن على اي جهة تقوم بقمع الشعب الليبي واستخدام السلاح لترويعه وفرض سيطرته بالقوة فيجب عليه ان يراجع نفسه وان يعيد حساباته، فاليوم هؤلاء الافراد ربما لديهم نفوذ معين او سيطرة محددة ولكنها لن تبقى ولن تدوم، ويجب عليهم ان يراهنوا على الشعب الليبي بأكمله وأن يقرأوا المشهد السياسي بموضوعية وبعيداً عن اي احقاد تاريخية ويجب ان يبتعدوا عن الساحة الليبية في تصفية حساباتهم مع اي اطراف اخرى او تيارات اخرى. الشعب الليبي لديه قدرات وامكانيات وثروات كبيرة، كما لدى ليبيا العديد من مقومات النجاح في بناء دولة مزدهرة توفر فرصا للنجاح الاقتصادي بشكل واسع سينعم بها ابناء الشعب الليبي كله وكل من يقف مع الشعب الليبي في مسيرته لاستعادة بلاده التي اختطفت خلال 42 سنة من قبل القذافي وعصابته، والان تسعى العديد من العصابات الاخرى لاختطافه مرة اخرى. ليبيا لن تكون مستقرة ومزدهرة ولن يستطيع ان ينعم بثرواتها اي احد إلا بإشراك كافة مكونات الشعب الليبي دون استثناء في مسيرة البناء.
* من هي الشخصية التي تعتقدون انتم انها قادرة على تحقيق اكبر قدر من التأييد لقيادة ليبيا بعد انسحاب اوزان ثقيلة مثل محمود جبريل ومحمد المقريف؟
- البعض دائماً يطرح هذا التساؤل من باب التعرف على «الفارس المغوار» الذي سينقذ ليبيا من هذه الأزمة ويستطيع ان يقود البلاد، وربما حتى المواطن الليبي اعتاد على فكرة الرجل الواحد والفكر الواحد ولم يعتد على فكرة بناء مؤسسات ناجحة ومرتبطة ومكملة لبعضها البعض من اجل القيام بعمل تنفيذي او وضع تشريعات تضبط العمل التنفيذي، وهذا ربما هو احد اسباب تعثر الاستقرار في ليبيا. لا أعتقد انه يوجد رجل واحد او جهة بعينها تملك هذه الإمكانية، فمن يعتقد ذلك فهو واهم. ليبيا بحاجة إلى التنافس السلمي والتسابق على الخير، ويجب ان يـُترك اختيار من يقود مؤسسات البلاد للشعب الليبي.
وبالإشارة إلى التعبير عن انسحاب د. محمد يوسف المقريف من المشهد السياسي، فهذا جاء نتيجة لاستقالته المعروفة من رئاسة المؤتمر الوطني العام بعد ان اقر المؤتمر قانون العزل السياسي الذي وللأسف ساهم في إبعاد عناصر وطنية تملك رصيدا نضاليا معروفا، ولم يكن ابتعاده عن المشهد السياسي باختياره إنما فرض عليه فرضا وهو اختار احترام سيادة القانون وكان اول من امتثل لذلك القانون رغم الظلم الذي مثله. ورغم ذلك، فلم يبتعد د. محمد المقريف عن خدمة الوطن ولا عن المساهمة برأيه وبجهده في عمل حزب الجبهة الوطنية، فهو لا يزال عضوا بالحزب ويقوم بدور بعيد عن الأنظار في خدمة الوطن وهذا ما تعودنا عليه من هذا الرجل المناضل.