رسالتي

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد

1 يناير 1970 05:27 م
من الأخطاء الشائعة بيننا أننا نبادر إلى إيقاع العقوبة القاسية على من وقع منه الخطأ دون أن نضع في الاعتبار إن كان لهذا الإنسان من حسنات قد تشفع له أم لا.

في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وقع من أحد الصحابة خطأ - ربما اعتبر في زمننا هذا خيانة عظمى - عندما قام الصحابي حاطب بن أبي بلتعة بإرسال رسالة إلى أهل مكة يخبرهم بأن النبي عليه الصلاة والسلام قادم لقتالهم، وهو خلاف ما أوصى به.

فلما اكتشف الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر وتبيّن له أن ذلك لم يكن ردة من حاطب ولا حبا في المشركين دون المسلمين، عفا عنه، فقال عمر بن الخطاب: «دعني أضرب عنك هذا المنافق»، فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم «وما يدريك لعل الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

نحتاج في حياتنا إلى أن نأخذ بهذا المبدأ الجميل وهو تقدير مكانة الناس وعطائهم قبل إيقاع العقوبة عليهم، وقد ورد في الحديث «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم» وأهل الهيئات هم الذين لهم قدم صدق في الدعوة والخير والكرم، وهم وجهاء الناس من أهل البِّر والفضل والإحسان.

بل نحتاج إلى تطبيق هذا المبدأ في بيوتنا ومؤسساتنا ومعظم مناحي حياتنا، فالزوجة لا بد أن تذكر محاسن الرجل وتغض الطرف عن بعض أخطائه أو تقصيره، وقد كان من أحد أسباب دخول النساء النار أن الواحدة منهن يُحسن لها الرجل طول حياته، فإن قصر في حقها مرة قالت: ما رأيت منك خيرا قط!!

وبعض الموظفين يجتهد في عمله، وتنال مؤسسته الجوائز بسبب إنجازاته، فإن أخطأ مرة تمت معاقبته أو فصله!!

وأعرف من مديري المدارس من تعتبر مدرسته التي يديرها أنموذجا للمدارس المتميزة، فلما وقع منه أحد الأخطاء غير المتعمدة والتي أراد بها تقويم سلوك أحد التلاميذ تم توجيه لفت نظر له، ما دفعه إلى التعجيل بتقديم أوراق تقاعده حزنا وتألما على إنكار الوزارة لجهوده وتاريخه.

وأقول إن الأمر قد يمتد إلى الحياة السياسية، فالمعارضة مثلا لا ينبغي أن تنسف جهود قيادي حكومي متميز في أدائه بسبب خطأ اعترف به وهو مستعد لإصلاحه، كما أن على الحكومة ألا تعاقب بعض معارضيها الذين وقفوا معها في أحلك الظروف، ومنها التفافهم حول السلطة الشرعية أيام الغزو، واعتراضهم على التهديدات الخارجية التي تتعرض لها الكويت بين فترة وأخرى، ونبذهم لأشكال العنف والتطرف التي كادت تعصف في البلاد في سنوات ماضية، أقول لا ينبغي للحكومة لمجرد اختلاف المعارضة بالرأي معها أو اعتراضها على أسلوب إدارتها، أن تسعى للتضييق عليهم في حرياتهم وأرزاقهم.

إن وقوع الخطأ من كل إنسان أمر محقق، وما دام الإنسان قد اعترف بخطئه ولم يصر عليه، وله سابقة إحسان فينبغي التجاوز عنه تقديرا لعطائه:

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد...

جاءت محاسنه بألف شفيع.