إبداع / الشاعر علي السبتي ... التميّز في الشعر ومحبة الناس
1 يناير 1970
05:06 م
الشاعر الكويتي القدير علي السبتي... من الأدباء القلائل الذين يكتبون ويبدعون في صمت من دون الحاجة إلى التركيز الإعلامي، أو التواجد الشخصي في المنتديات والندوات والأمسيات، فالسبتي مكتفي بتجربته الإنسانية، التي يرى فيها توهجا وحضورا، ومن ثم فقد تميزت إبداعاته بالثراء والتكثيف، واختراق حواجز فكرية وشعرية متميزة.
والسبتي لم ينقطع إطلاقا عن الحضور اليومي إلى رابطة الأدباء الكويتيين، إلا خلال هذه الأيام لظروف صحية، وحضوره إلى الرابطة كان معبرا عن حيوية شاعر يحب الاختفاء بالجميع، خصوصا الشباب الذين كان لهم النصيب الكبير من جهده من خلال متابعة أعمالهم ودعمهم، ومساندة مسيراتهم الإبداعية، ولقد ظهر هذا جليا في متابعته الحثيثة لمنتدى المبدعين الجدد، والمتابع لهذا المنتدى سيلحظ أن السبتي كان منتظما في حضور جلساته كل يوم اثنين من الأسبوع، متابعا قراءات المبدعين الشباب، وناصحا لهم ومقدم الدعم المعنوي لهم.
والسيرة الذاتية للشاعر علي حسين السبتي تقول انه ولد عام 1935 بالكويت.، وحاصل على شهادة الصف الرابع المتوسط من المدرسة المباركية. وعمل مديراً عامّاً لمؤسسة أهلية، ورئيساً لتحرير مجلة اليقظة، وكانت له زاوية في جريدة الوطن بعنوان (من الديوانية). ،انه عضو في رابطة الأدباء، وفي جمعية الصحافيين. ونشر العديد من القصص والمقالات في الدوريات الكويتية والعربية. ومن دواوينه الشعرية: بيت من نجوم الصيف 1969 - أشعار في الهواء الطلق 1980 - وعادت الأشعار 1997.
يقول الناقد الدكتور فايز الداية في دراسة له نشرت في «العربي» تحت عنوان التلقّي والرسالة في رموز علي السبتي: «إنّ دراستنا لدلالات البحر والرموز في شعر علي السبتي تبيّن كيف تتشكل القيمة التعبيرية لتقنيات أسلوبية في قصائد الدواوين الثلاثة «بيت من نجوم الصيف 1969 وأشعار في الهواء الطلق 1980 وعادت الأشعار 1997»، وذلك عبر تفاعل المعرفي والسياق - الموقف واتجاه الرسالة نحو المتلقي، وبهذا نحقق الهدف الأساسي وهو الوقوف على طبيعة القصيدة العربية الحديثة ومكوّناتها في ركن من الوطن العربي الكبير يضمّ إلى النتاج الشعري في العواصم الكبرى في الشام والعراق ومصر لترتسم ملامح الإبداع وأطيافه، وهي ترتبط بمرحلة تاريخية من جهة وبتصوّر مطلق للتجربة الإنسانية من جهة أخرى... لذلك نشير إلى الهدف الآخر الذي تقدّمه إلينا أشعار علي السبتي، وهو إضاءة رؤية ثقافية فكرية عربية لجيل من أدباء الكويت والخليج العربي في مرحلة نهوض المشروع العربي الحضاري السياسي في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وبهذا يمكننا أن نلمّ أجزاء الصورة، ونضع أمامنا تساؤلاتها وقضاياها في تواز مع سياق أيّامنا ونسأل بدورنا هل طويت تلك الصفحات أم أنها حاضرة بقسماتها أو بهزّات ارتدادية لزلزال لم يغلق نشاطه؟».
إنه السبتي... شاعرنا الكبير الذي ارتبط بالشباب المبدع ارتباطا أبويا جميلا، وذلك من خلال مشاركته لهم في ملتقاهم الثقافي الأسبوعي في رابطة الأدباء، هذه المشاركة لم تتوقف طوال سنوات طويلة، ولولا حالته الصحية التي لم تعد تساعده على حضور الرابطة لاستمر في هذا الدعم والتوجيه والتشجيع.
وحينما نتحدث عن السبتي دائما ما نتطرق إلى صداقته بالشاعر الراحل بدر شاكر السياب، ليقول ناجي علوش- الذي كتب مقدمة ديوان بدر شاكر السياب-: «ذات يوم أخبرني الشاعر الكويتي علي السبتي أن بدراً سيأتي إلى الكويت للعلاج بعد مرض عضال أصابه، فاتفقنا على أن نستقبله في المطار، وذهبت في الموعد المحدد لوصوله إلى المطار، كان يبتسم ويبدو مرحاً، لم يكن يستطيع المشي، ساعدناه على الوصول إلى الأرض حملاً، وانطلقنا به إلى المستشفى الأميري، وفي المستشفى كان يزوره الشاعر علي السبتي، ويشرف عليه كما كان يزوره الشاعر محمد الفايز، والشاعر فاروق شوشة».
وعندما عاد السياب إلى الكويت كتب السبتي قصيدة (قبل الرحيل) قال فيها:
أنا بانتظارك يا دمار فخلني
أرتاح من همي ومن آلامي
وعندما توفي بدر شاكر السياب في المستشفى الأميري في الكويت، حمل الشاعر علي السبتي جثمان صديقه، وسار به إلى منزله في البصرة.
وتجربة السبتي الشعرية جديرة بالاهتمام والتأمل، لما فيها من أبعاد إنسانية عدة يقول السبتي في قصيدة له:
وحدي، والليل الساجي، وأزيز الصرصار من الحمّام
وبرأسي أفكار تتصادم، هيهات أنام
والكأس أمامي فارغة... هيهات أنامْ
أبحث في درج المكتب عن مكتوب
عن موعد حب في الغد خلق في وهمي محبوبْ
أطعمه الأشعار بلا عد
لكن الليل يئز به الصرصار
ينسج فوق جبيني خيمة عار
فأمزق ما في الدرج من الأشعار
وقال الناقد الدكنتور محمد حسن عبدالله في دراسة له عن ديوانه «وعادت الأشعار»: «في القراءة الشاملة لأشعار علي السبتي سنجد التواصل الدرامي واللغوي جنبا إلى جنب، في معارضته لقصيدة الشاعر الدكتور خليفة الوقيان: (المبحرون مع الرياح) يسوط السبتي المتواكلين النهمين للأخذ دون عطاء، فيقول: (جربتهم عشرين موجعة)، وهنا يقول: (أخفيت عني من عشرين عاطفة) (ص25)، بل إنه في ديوانه الثاني، في قصيدة: (هكذا غنى فهد العسكر) يستخف بالمتفاخرين بالأنساب، ويعلي من شأن الانتماء إلى الكادحين المتحررين من أغلال عراقة مدعاة»:
سالم عباس خدادة: (لا تخلو قصائد علي السبتي من أسلوب التكرار الذي يأتي به لدعم إحساس معين أو تصوير موقف محدد».
ويرى الدكتور عبدالله العتيبي أن شاعرنا السبتي عاش تجربة التغيير الاجتماعي في الكويت، فهو بحق: (من جيل مخضرمي الكويت، عاش حياة الكويت القديمة بكل ثبات الواقع الاجتماعي وتقليديته المتمثلة في استقرار قيم مناخه الثقافي، وعاش مرحلة التطور الاجتماعي، وشهد، بكل وعي وإدراك، سرعة هذا التطور، ومدى انعكاسه على حركة المجتمع، واتساع مكونات هذا المجتمع الطبقية وتعقدها، وأهم من ذلك كله إدراك شاعرنا لحقيقة الصراع التقليدي المشروع بين المحافظين وجيل الشباب المنسجم بطبعه مع حركة التجديد).
وقال الناقد والكاتب فهد توفيق الهندال: «عندما تلتقي معه، يقيم لك، أيا كان مقامك، وزناً بما يفوق وزن الذهب، يضمك بحنانه الرحب، ويفسح لحديثك فضاء العقل ونقاء القلب، لترحل مع دخان سيجارته إلى ماضيه البعيد، فتقترب من دقات قلبه العتيد، الذي راقب الزمن بكل أفراحه وأتراحه... ما زلت احتفظ بهديته الغالية لي، كتاب «النثر الفني في القرن الرابع» لزكي مبارك الذي جاء بعد نقاش عابر في إحدى جلسات المنتدى، حول قضية الكتابة النثرية وتوظيفها إبداعياً كلغة أكثر منها سرداً، فما كان منه– حفظه الله– إلا أن أحضر لي هذه الهدية الغالية والباقية في اللقاء التالي، وهي نســـــخة قـــــديمة جــــــداً – طبعة 1934 – ومــــن مكتبته الخاصة التي لم يبخل بـــــها على أحد من جيله أو من جيلنا».