ذاكرة سخيفة

1 يناير 1970 11:20 ص
قبل زمن كرست عشرات المقالات للكتابة دفاعا عن حقوق المضطهدات في الأرض. استمر الأمر زمناً ثم توقفت. لم يكن العمل مجدياً بل مملا جداً. أغرب ما فيه (وتعرفه ناشطات أخريات) هو موقف المعاكسة والمشاكسة. فكلما زادت حدة المقال بطرح مسألة حرية المرأة زادت حدة الشتيمة النسوية لكاتبة المقال وأصبح النقد لاذعا.

قد تحكي لامرأة تقليدية عن حريتها الاقتصادية وحقها بالتصرف بأموالها فتهواك وتشجعك. وتحكي لها عن الحرية السياسية فتصمت، الأمر لا يعنيها كثيرا. أما أن يطال الأمر حريتها الاجتماعية فويل لمن يمس قيودها.

مساواتها بالرجل يعني انتهاكا لأنوثتها، حقها بالاختيار تفسره بالعبث والانسلاخ عن التقاليد والأخلاق.

لا أعلم كيف تثق بتسلط رجل على جسدها وعقلها وترفض سلطته على محفظتها.

ترفض منحه صك وكالة يبيع بموجبه ويشتري بمالها كيفما يشاء لكنها تمنحه صكا على حريتها. تريده رجلاً ذا سيادة يمنعها من الخروج والدخول والتفكير كيفما يشاء.

الأمر لا علاقة له بالرجل. فداخلها يلعن الحرية الشخصية، ربما ماضٍ طويل من القمع أجبرها على الخوف من الاستقلال.

ثم تتمادى لتحكم أن بقية النساء لسن مؤمنات طاهرات إذا لم يسلمن مصيرهن لذكر، أي ذكر.

لم يؤثر بي النقد النسوي كثيرا لكن حكاية غيرت اهتماماتي، كانت مع قريبة دائمة الشكوى من مآس تعيشها مع بيئتها. على مدى سنوات لم يمر يوم دون أن تذرف الدموع. فكتبت عن القضية عموما ولم أشر لاسمها بالطبع، جن جنون الجميع، وجننت حين علمت أنها كانت تحرضهم واصفة المقال بالخارج عن الأعراف.

واجهتني غاضبة، انهالت بكلمات كاللكمات. سألتها ألم يكن ذلك نتيجة شكواك وأن غيرك ملايين يعشن نفس الواقع. لم ترد. تظاهرت بعدم السماع.

أغلقت أذنيها. لعلها أصيبت بالبكم.

استمرت بتوجيه اللوم. فالمقال يتنافى والتقاليد.

وأنا أغلقت أذني أيضا.

عموما لم أكن ناشطة نسوية بالمعنى الحقيقي، لم أكن نوال السعداوي مثلا. كانت مجرد محاولة.

لكني قررت نسيان تلك المحاولة ونسيان قضية المرأة برمتها. تخيل أنك تريد لمسجون الخروج وهو يلعنك ويحكم القبض على أغلاله.

وعلى العكس تماماً فحين تحكي عن حقوق الرجل ينتشي الأخير ويؤكد موافقته.

والغريب أن غالبية من شجعني طيلة حياتي بدءا من المنزل وصولا لامتهاني الإعلام كانوا رجالاً. وغالبية من انتقدني لحد التجريح كن نساء.

عجزت عن تفسير تلك الازدواجية. ثم توقفت عن التفسير. لأن تحليل الثقافة الفكرية لمجتمعنا أمر معقد جدا.

حتى ثورتها في الشوارع العربية ضد أنظمة الحكم كانت لصالح الآخر السيد وأهدافه السياسية. إذ تعود كل مساء إلى البيت تبحث عن ذكر يقف أمام المنزل ليسألها : أين تخرجين وكيف تفكرين؟

لا أعلم لِمَ أكتب عن ذلك الآن. ربما غضب دفين بداخلي أردت له أن يشفى وينتهي عبر تحويله لصفحة تزيح عني ذاكرة سخيفة.

كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]