«الراي» تحدثت إلى ذوي عسكريين مخطوفين والسؤال «القاتل»: «مَن التالي؟»
عائلة مدلج... دموع لا تبرّد «الحرقة» ودعوة إلى التهدئة و «درء الفتنة»
| بيروت - من آمنة منصور |
1 يناير 1970
04:29 م
لم تنتظر عائلة الجندي عباس مدلج ان تؤكد لها قيادة الجيش اللبناني نبأ استشهاد ابنها بعدما أعلن تنظيم «داعش» عن ذبحه، فهي أقامت خيمة العزاء امام بيت أحد الاقارب في بعلبك (محلة الأنصار) الذي تقاطر اليه المعزّون فيما ملأت الدموع المنزل العائلي (في بعلبك) الذي اتشح بالسواد.
وبين الغضب الذي «يقبض» على العيون والحرص على درء الفتنة التي أطلّت برأسها من بعض التحركات الاحتجاجية في الشارع، بدت العائلة المفجوعة امام مسؤولية كبرى تحمّلتها بـ «العضّ على الجرح البليغ» الذي «كسر ظهرنا».
في المنزل المستأجر الذي تسكنه العائلة «أنين» الأم الثكلى يملأ المكان. وحده عباس ابن الـ 20 عاماً الذي التحق بالجيش قبل عامين غائب بعدما «افتدى الوطن» كما تقول والدته: «اذا كانت دماؤك فداء للوطن ولحقن دماء زملائك المخطوفين وسبباً لعودتهم الينا سالمين، فقد رفعتَ رأسي يا بني، فأنت شهيد اهل البيت يا مظلوم، لقد دافعت عن وطنك والوطن لم يدافع عنك، فنرفع رأسنا بك»، قبل ان تضيف: «يحرق قلبهم يا امي مثل ما حرقوا قلبي عليك».
اما الوالد المتقاعد الذي خدم في الجيش 23 عاماً، فلسان حاله ان «على المؤسسة العسكرية الثأر لابنائها ومن هنا اقول لقائد الجيش العماد قهوجي ما تبقى لي من ابناء هم فداء للمؤسسة العسكرية»، مطالباً الحكومة الالتزام بقراراتها الاخيرة و»ننتظر وعود الدولة في الافراج عن زملاء ولدي وعودتهم الى ذويهم سالمين»، داعياً الى التهدئة وتفويت الفرصة على «داعش» لان ما تريده هو الاصطياد في المياه العكرة والفتنة لا ترحم احداً».
وما لم يقله علي مدلج عبّر عنه نعمة مدلج ابن عم عباس، اذ لفت في حديث لـ «الراي» إلى أن «خبر استشهاد عباس سقط كالصاعقة على العائلة والوطن وكل من يملك من الضمير ذرة لأن هذا العمل الإجرامي بشع جداً»، مشددا على أن «أبننا هو شهيد الجيش والوطن»، وأضاف: «على الدولة أن تحسم أمرها لفك أسر البقية.. وإلا لن تسير الأمور كما يجب»، مشددا على دعوة العائلة للتهدئة، «وضرورة أن يتناسب أي عمل مع دماء الشهداء فلا يطول أي إنسان بريء».
وكانت عائلة مدلج اصدرت بياناً ليل السبت اكدت فيه ان «خيارنا لا يزال كما هو، لبنان بلد العيش المشترك بين كل مكوناته. وان الفعل الارهابي الذي أدى إلى استشهاد ابننا عباس هو جريمة بحق كل اللبنانيين، وندعو إلى درء الفتنة وعدم السماح للتكفيريين بالتغلغل إلى نسيجنا الوطني ومنعهم من تحقيق أهدافهم التقسيمية والفتنوية».
ولأن «نحر» عباس لم يشكّل الا حلقة جديدة في مسلسل «إعدامات» لا يُستبعد ان يُستتبع، فان عائلات العسكريين الآخرين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة» تعيش لحظات «رعب» حقيقية، فيما يقضّ مضاجعهم سؤال «من سيكون التالي؟».
حسين يوسف، والد العسكري المخطوف محمد يوسف ابن الثامنة والعشرين، يلفت لـ «الراي» إلى أن خبر ذبح مدلج سقط على مسامعه كخبر مقتل أحد أبنائه، مؤكدا أن «كل الأسرى أبناؤنا ولا نميز بين هذا وذاك». ويشير إلى أنه يتمنى أن يكون ابنه آخر من يُفك أسره، على أمل أن يتم الإفراج عن كل العسكريين «فهم لا ذنب لهم، انضموا إلى المؤسسة العسكرية للدفاع عن أرضهم وكرامتهم وشرفهم».
والد الأسير يرى مع تعقد الأمور وازديادها سوءا بذبح جندي آخر أن «الخطر يهدد ابني في كل لحظة»، لكنه يوكل لله أمره، مشدداً على أن «محمد سيعود إلى بيته إن كُتب له العمر لذلك»، معربا عن أمله في أن «يكون لهيئة العلماء المسلمين دور متجدد في إنهاء هذا الملف، إذ يبدو أنها قادرة على التفاهم مع الخاطفين، بينما الدولة اللبنانية تنظر إلى الأمور من ناحية سياسية».
وكما في مدوخا (البقاع)، القلق نفسه يخيم على القبيات في عكار خوفاً على مصير الرقيب الأسير جورج خوري ذي التاسعة والعشرين. أحد الأقارب وتحت وطأة المأساة التي ألمت بلبنان وآل مدلج، ينقل حالة الحزن التي تغطي المنطقة ومستوى القلق الذي يتضاعف مع سقوط كل قتيل.
القريب الذي يلفت إلى أن عائلة خوري تلقت في القبيات خبر الذبح بكثير من الخوف والهلع من المصير الذي ينتظر جورج وكل الأسرى، يؤكد أن «هناك طرقا كثيرة جداً كان بإمكان الدولة اللبنانية اتباعها لإنقاذ العسكريين»، موضحاً أن «من واجب الحكومة تنفيذ مطالب الخاطفين، ليعود أبناؤنا الأسرى إلى عائلاتهم سالمين».