«سبحة» الأسباب تبدأ بحال الطرق ولا تنتهي بعدم تطبيق القانون وتهوُّر السائقين وقلة الجسور

حوادث السير في لبنان... كأنها «حرب شوارع»

1 يناير 1970 04:35 م
• أرقام مرعبة وفواجع إنسانية ... و«عدّادالموت» مفتوح
«شبح» متنقل على الطرق، ضحاياه بالمئات، لا يرحم كبيراً ولا صغيراً، «شراهته» تزداد يومياً، حتى فاق عدد الذين وقعوا في «فخّه» عدد الذين قضوا بالمتفجّرات... إنها حوادث السير التي تتربص باللبنانيين (وزائري «بلاد الأرز») و«تكمن» لهم كل يوم زارعة «الكوابيس» في مئات البيوتات التي يلفّها الحداد سنوياً على أب أو أم أو جدة أو جدّ أو ابن أو ابنة أو شقيق أو شقيقة أو قريب أو قريبة ينتهي بهم مشوار الحياة على قارعة الطريق التي صارت ممراً لموتٍ غالباً ما يكون «أسرع» من إجراءات السلامة والأنظمة الرادعة.

إنها حكايا مكتوبة بدماء 1733 شخصاً قضوا في 2011 و2012 و2013، وهي الأعوام التي تشكل «عيّنة» عن «الفواجع» التي تصيب لبنان كل سنة والتي تفوق حصيلتها مجموع ما حصدته حرب إسرائيل على «بلاد الأرز» في يوليو 2006 التي استمرت نحو 33 يوماً وأفضتْ إلى مصرع نحو 1200 مدني قضوا على وهج أطنان من المتفجرات والبارود.

إنها مآس مفتوحة لا تشي بقرب إسدال الستارة عليها. فالأرقام المسجّلة عن الأشهر الستة الأولى من 2014 تؤشر إلى أن «عدّاد الموت» على الطرق يسير على ?»?الإيقاع» نفسه. إذ سُجل مقتل 255 شخصاً وجرح 2225 بحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي غير النهائية، «فهناك إحصاءات وأرقام ترد متأخرة لترفع من نسبة القتلى والجرحى» وفق رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدّم جوزيف مسلّم الذي اعتبر في حديثه لـ «الراي» أن فصل الصيف يشهد ارتفاعاً في نسبة الحوادث بسبب ازدياد السهر والمناسبات وشرب الكحول، مشدداً على ضرورة عدم نسيان وجود ما يزيد على مليون نازح سوري، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة الضحايا الأجانب «وبلغة الأرقام، فإن عدد القتلى الأجانب بالنسبة إلى المجموع العام في 2011 هو 18.3 في المئة، أما في العام 2012 فهو 24.5 في المئة ليصل في 2013 إلى 36.9 في المئة، والسبب في ذلك هو أن بيئة لبنان تختلف عن تلك التي اعتاد عليها النازحون السوريون، ففي الوقت الذي توجد فيه سيارة لكل شخصين ونصف في لبنان، في سورية يوجد 8 سيارات لكل 100 مواطن».

ويوضح مسلّم أن عناصر قوى الأمن الداخلي يقومون بعمل هائل «رغم أن العديد غير كاف، والأولوية اليوم هي للأمور الأمنية حيث تم توزيع العناصر بين البقاع والشمال والضاحية الجنوبية لبيروت، ومع ذلك لدينا يومياً ما يقارب 500 محضر سير و600 محضر سرعة زائدة»، لافتاً إلى أنه «رغم ارتفاع عدد محاضر السرعة، إلا أن عدد الحوادث لم ينخفض وهذا مرده لأسباب عدة: أولاً، لأن القانون الحالي غير رادع وغير عادل، فقيمة ضبط مخالفة السرعة هي 50 ألف ليرة (نحو 33 دولاراً) أياً تكن السرعة، كما أن المحاضر تعدّ يدوياً ما يؤخر تبليغ المخالفين، بالإضافة إلى أن اللوحة المخالفة قد تكون غير قانونية، وبالتالي يكون التبليغ غير صحيح. وبطء تنظيم المحاضر أثّر سلباً على فعاليات رادارات السرعة، ومع ذلك سيتم زيادة عددها على كامل الأراضي اللبنانية مع تطبيق قانون السير الجديد».

وفي رأي مسلّم أن حل مشكلة حوادث السير يتطلب «منظومة متكاملة من هيئة قياديّة تدير الأمور وتتحمل المسؤولية، بالإضافة إلى إرادة سياسية ومدرب سوق يعي مبادئ السلامة المرورية وخطورة السيارة التي هي بمثابة آلة متوحشة تتألف من نحو خمسة السرعة... تقلب الحياة رأساً على عقب

عشر ألف قطعة يديرها شخص يخطئ، لذلك يجب إعداده جيداً كي تكون أخطاؤه صغيرة لا تؤدي الى قتله أو قتل غيره. نحن لا نستطيع أن نلغي الإصابات الصغيرة، ولكننا نعمل على الحد من الإصابات الخطيرة. فالسائق إذا لم يكن معداً بالشكل الصحيح على القيادة، نكون حينها أمام قاتل احتمالي وضحية احتمالية وهذا ما ينص عليه قانون السير الجديد».

واستكمالاً للغة الأرقام، وقع في العام 2011 ما مجموعه 4447 حادث سير راح ضحيتها 508 قتلى و6040 جريحاً، وفي العام 2012 وقع 4208 حوادث راح ضحيتها 576 قتيلاً و5963 جريحاً. أما في العام 2013، فوقع 4675 حادثاً أدى إلى مقتل 649 شخصاً وجرح 6137 آخرين.

أمين سرّ جمعية «يازا» كامل ابراهيم أكد لـ «الراي» أنه «إذا كان من الطبيعي أن ترتفع نسبة الحوادث في فصل الصيف ومعها عدد القتلى، إلا أن عدم مواكبة الأجهزة الأمنية لتطور عدد السيارات وزيادة حركة التنقل يزيد منها».

أسباب عدة تقف وراء حوادث السير التي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام بحسب إبراهيم: «حوادث متعلقة بالمشاة وهي تشكل النسبة الأعلى، حيث وصلت إلى 43 في المئة في العام 2013، أي ما يقارب النصف وهذا ما ساهم في رفع عدد الضحايا، بالإضافة إلى حوادث الدراجات النارية كسبب ثان، وأما السبب الثالث فهو فصل الصيف حيث يزداد التنقل والسهر مترافقاً مع عدم المواكبة بإجراءات مناسبة للحد من الحوادث من الدولة. فمثلاً في رأس السنة لا تحصل حوادث لسبب بسيط، لأن الدولة تكون بأعلى جهوزية، ولذا يقع عدد قليل من الجرحى بلا قتلى».

ويضيف: «عدم تطبيق قانون السير وتهوُّر السائقين وشرب الكحول واستعمال الهاتف أثناء القيادة وعدم صيانة الطرق وقلة الجسور الخاصة بالمشاة جميعها أسباب تؤدي إلى ارتفاع عدد الحوادث».

وبحسب إبراهيم «إذا كانت حوادث السير تقع في مختلف الدول، إلا أنه لا يذهب ضحيتها هذا العدد الكبير من الجرحى والقتلى، إذ توجد لديهم وسائل أمان على الطرق كما أنهم يستعملون حزام الأمان، بالإضافة إلى وجود الإنارة المناسبة على الطرق والدشم التي تمنع الانزلاقات في الأودية»، معتبراً «أن لا حل إلا عبر التوقف عن تقاذف المسؤولية داخل الدولة واعتبار حوادث السير من ضمن الأولويات وإنشاء فريق عمل متخصص بإدارة السلامة المرورية لتحليل أسباب الحوادث في كل منطقة. فأسباب الحوداث التي تقع في كسروان (شمال بيروت) مثلاً تختلف عن تلك التي تقع في زغرتا (الشمال)، فلكل منطقة خصوصيتها، ما يعني أن السرعة قد تكون السبب الرئيسي في مكان ما، وقد يكون عدم وجود جسر للمشاة السبب في مكان آخر كما على أوتستراد ضبيه ـ الزلقا - جل الديب (ساحل المتن الشمالي)».

وأضاف: «الأرقام الصادرة عن قوى الأمن الداخلي للعام 2013 تشير إلى وقوع 649 قتيلاً، في حين أن تقديرات وزارة الصحة العالمية وتقديراتنا كمجتمع أهلي تؤكد وقوع ما يزيد على 900 قتيل، فلا يوجد نظام معلومات دقيق لدى مديرية قوى الأمن كي تكون لديها معلومات دقيقة. ومع ذلك يمكن الاستدلال إلى نسبة الوفيات من جراء حوداث السير التي وصلت إلى ما بين خمسة الاف إلى ستة آلآف حادث في لبنان. علماً أن نسبة القتلى على مساحة لبنان مرتفعة، فلكل 100 ألف نسمة يقع تقريباً 21 قتيلاً، مقارنةً بالدول المتطورة التي لديها بين 4 إلى 7 قتلى لكل 100 ألف نسمة بحسب منظمة الصحة العالمية».

أما رئيس جمعية «كن هادي» فادي جبران، فقد أكد لـ «الراي» أنه «حين أنشأنا الجمعية قمنا بدراسات لمعرفة ما يجب القيام به كي لا نتصرف بطريقة عشوائية، فتبين لنا أن 85 في المئة من الحوادث، يقع الحق فيها على السائق إما بسبب السرعة أو شرب الكحول وعدم وضع حزام الأمان وكتابة الرسائل أثناء القيادة. اخترنا العمل على سببيْ السرعة والشرب، وبناءً عليه بدأنا حملة توعية وقمنا بحملات إعلامية مرتين بالسنة، بالإضافة إلى مشروع «تاكسي نايت» وهي حفلة ممنوع القدوم إليها بالسيارات، وأنشأنا ممرات للمشاة أمام المدارس. وقبل إنشاء الجمعية كانت الحوادث تزيد بين 13 و17 في المئة في السنة، فيما هي اليوم أصبحت ترتفع بنسبة تراوح بين 1 و2 في المئة، ما يعني أن رسالتنا تصل».

... «بحب السرعة... بموت فيها». قد يكون هذا الشعار معبّراً عن «القدَر» الذي ينتظر كل من تسوّل له نفسه زيادة الضغط على «دعسة» البنزين، لكنه لا يعبّر عن الموت والاعاقة التي يسببها بعض «المغامرين» للآخرين نتيجة جهل واستخفاف بأرواحهم وأرواح الناس.