رواق الفكر

شبابنا... في التيه

1 يناير 1970 12:45 ص
عجيب أمر الأطفال يبكون حين ينفجر البالون في وجوههم رغم انهم هم من يقومون بنفخه.

وما براميل الدمار والخراب في العراق والشام والتي انفجرت في وجوه نافخيها الا دليل على طفولة التفكير وبدائية التعامل معها.

تنظيمات تكفيرية وأخرى متطرفة وثالثة جاهلة تجد ضالتها في مناطق العربان حيث القمع والإقصاء والتخلف... والانفجار يولد الانفجار والتطرف وليد الكبت.

شاهدت برنامجا للإعلامي داوود الشريان، يشكو في لقائه مع الضيف من هجرة أبناء المملكة ومناطق اخرى ثم الاندماج في تنظيمات الضياع تحت مسمى الجهاد...

(وحديثي هنا عن جهاد الإجرام وقتل الأبرياء وليس الجهاد الصحيح والمقاومة الحقة والدفاع عن الارض والعرض والدين)، أما الجهاد في سبيل الله ؛ تلك العبارة التي لامست شغاف قلوبنا منذ كنا في المرحلة الابتدائية حين ندرس في الفصل حديث بني الاسلام على خمس! فإن لها صدى روحانيا يداعب قلوب المؤمنين ويحلق بهم نحو جنة عرضها السماوات والأرض كما يقولون.

المهم انه باسم الجهاد خرجت اليوم عشرات من التنظيمات ترفع لواءه وتتبعها صيحات الله اكبر، وما اكثر مدعي هذا اللواء وما اكثر مخالفيه!

والسؤال الكبير في هذه المرحلة... لماذا تهفو نفوس هؤلاء الشباب الذين ذكرهم (الشريان) في برنامجه نحو الجهاد المزعوم والتنظيمات المتطرفة؟! وكيف تولدت عندهم هذه الأفكار المنحرفة؟ وأين مناهج التعليم الديني والعقيدة الاسلامية وتعاليم الفقه الاسلامي الصحيح؟ وأين ذهبت عقود من التربية والتعليم والمنهج النقي؟

اعتقد ان هناك خللا عميقا في تعاطي الأزمات والتعامل معها بالنظر الى مظاهرها ونتائجها وترك أسبابها الفاعلة في تشكيلها ومقدماتها.

لا اريد ان ادخل في تفاصيل طبيعة التعليم الديني وفقه الردود الذي ساد المنطقة عقودا من الزمن، والذي شكل معه جيلا من الطلاب الذين يسعون الى الانتصار الشخصي وإلحاق الهزائم الفكرية والفقهية لخصومهم دون مراجعات جادة لأصول المنطلقات الفكرية والفقهية التي ينطلقون منها.

ومع تقدم الزمن وتآكل الذهن والفكر تتحول الجفوة الفكرية والمناكفة الفقهية الى حالات من العنف اللفظي وإخراج المخالف من دائرة الحق المعصوم... والمحصلة النهائية؛ تتلاقح مسيرة الصراع الكلامي بولادة جيل من الشباب متشددا، عنيفا، ناقما، تقاذفت امام ناظريه رموز القوى الفقهية والدينية بألسنة حادة، ليعلن غاضبا خروجه عن ذلك كله - بعد أن تهاوى تعظيم شعائر الله من نفسه - بالجهاد المقدس المزعوم والانضمام لكتائب الشهداء والرحيل عن طفولة التفكير والنفخ في بالونات التيار الديني ومتعلقاته.

وكردة فعل لذلك، يسعى بعض المثقفين الكبار من ذوي الحدة إلى تذويب تلك الانساق الفكرية وأبعادها عن الطريق، من خلال دعم القوى الليبرالية المتطرفة كمحاولة لإعادة صياغة الصراع بأسلوب التوازن الثقافي والفكري، هنا يأخذ الصراع شكلا اخر وبأسلوب مختلف ولكن مع ذات المنطلقات وذات الأسس الفكرية والفقهية... فتزداد البالونة انتفاخا... بل تتلون وتأخذ في الانتفاخ المشوه مع نتوءات متباينة!

لابد إذاً من عودة الذات ونقدها... الى حالة الرشد الثقافي والفكري ووضع أساسيات التعامل مع هكذا شباب قبل فوات الأوان.

من الممكن ان تتم مراجعات جادة للفكر المغالي المتطرف والفقه الضيق المحدود... دون تهميش او تمييع للنص وتوجيهات القرآن... ودون تزلف للسادة والكبراء... مراجعات صادقة تبحث في أسباب انتشار لغة الإقصاء الديني وتداعياته وارتداداته، ومراجعات اخرى راسية تسعى لإحياء خطاب التعايش مع الانسان لإنسانيته دون النظر لدينه او مذهبه او عرقه.

الانسان ابن بيئته، يؤثر ويتأثر بها، لنحيي الارض الموات، ونزرع شبابا مستنيرا محبا لوطنه وأمته ويتسلح بالعلم النافع ونسقيه بالرعاية والإرشاد... لنفوت الفرصة على من ينفخ في بالونات شباب الأمة ونراجع تلك الأدبيات وننقد وسائل الانحراف فيها ونعتذر في محل الاعتذار... فالأمة الحية هي من تصحح مسيرتها وتتجدد قبل ان يتجاوزها الزمن وتتخلف عن الركبان.