نزلاء دار الرعاية بعثوا برسائل إلى أقرانهم خارج الأسوار ولسان حالهم يقول «هذا جناه أبي عليّ...»

الأحداث المحكومون... نصائح من خلف القضبان!

1 يناير 1970 09:47 ص
وصايا نزلاء دار الرعاية:

• أحمد: أقول لأقراني خارج أسوار الدار ابتعدوا عن أصدقاء السوء واهتموا بدراستكم حتى لا تندموا

• محمد: أحذر المراهقين من الاستهتار والانجرار وراء المشاكل وعدم طاعة الوالدين حتى لا يصلوا إلى هنا

أحمد الشمري:

• لدينا في الدار 17 نزيلاً أعمارهم بين 12 و18 سنة ونعمل على تأهيلهم ليعودوا أسوياء

• فور استقبالنا الحدث المحكوم نجري له تشخيصاً نفسياً واجتماعياً وندرس وضع أسرته

• التعليم إجباري في الدار إضافة إلى البرامج والأنشطة الدينية للعمل على تقويم سلوكه

• نضع لكل نزيل برنامجاً تأهيلياً دقيقاً بحسب جرمه والحكم الصادر بحقه

مساعد الظفيري:

• أعداد النزلاء تكثر في الصيف مع إغلاق المدارس وتفرغ الشباب للتسكع وارتكاب المخالفات

شريف عثمان:

• نبدأ بمراقبة سلوك النزيل فور وصوله ونمنحه المكافآت عندما نرى تحولا إيجابيا لديه

هناء محمد:

• قسّمنا النزلاء إلى مجموعتين فوق الـ 15 عاماً ودونه... وننسّق مع «التربية» بشأن تحصيلهم العملي
رغم أعوادهم الغضة الطرية التي لم تقسُ بعد، فقد كانت كلماتهم تدل على أن قائلها قد خبر الحياة وعرك أحداثها... ندموا «ولات ساعة مندم» فأرادوا بصدق طفولة لم تغادرهم أن يمنعوا قرناءهم من الوقوع في فخ ألقى بهم خلف باب دار الرعاية الاجتماعية الحديد الذي كلما نظرت إليه أعينهم فاضت من الدمع «من سوء ما كسبته أيديهم».

إنهم نزلاء دار الرعاية الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية دانتهم بجرائم وجنح، فأودعوا هناك لتأهيلهم كي يعودوا إلى الحياة الطبيعية بعد أن انحرفوا عنها... محمد أحدهم، فهو يغالب دموعه كلما نظر إلى الباب الحديد ويكتم نحيبه خلف صوت آلة الطباعة التي يعمل عليها، خشية أن يسمعه أحد من زملائه أو المسؤولين عن العمل، فهو يرى أنه سجين جدران وإن اتسعت مساحته، وحبيس نفس وإن رحب فضاؤها.

محمد وزملاؤه يقضون فترة الحبس في دار الرعاية الاجتماعية للفتيان بعد إدانتهم وصدور أحكام بحقهم، في قضايا مختلفة تنوعت بين القتل والسرقة والسلب بالقوة وهتك العرض... فالمجرمون الصغار لا تزال ملامح الطفولة والبراءة تتشبث في قسمات وجوههم الصغيرة، وتذكر من يراهم أنهم مازالوا صغارا وضحايا ظروف أسرهم ونواياهم، فهم جميعا يحاولون قول الحقيقة التي أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه، لعلهم يجدون صدرا حانيا يلقون عليه رؤوسهم بعدما فقدوه خارج الأسوار.

في المقابل فإن القائمين على دار الرعاية يؤكدون أن الدار ليست سجناً بل دار تأهيل اجتماعي ونفسي يحرصون فيها على العمل لإعادة تقويم السلوك وترميم تصدعاته التي تساقطت أجزاء منها بسبب الأسرة والبيئة والمجتمع.

«الراي» زارت دار الرعاية الاجتماعية في إدارة رعاية الأحداث بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وخرجت بالتالي:

سجن ودراسة

في البداية قال الحدث أحمد البالغ من العمر (18 عاماً) ان وجوده في دار الرعاية الاجتماعية جاء بسبب ارتكابه السرقة التي تُعد إحدى القضايا التي يجرمها القانون والتي على اثرها تم إيداعه في هذه الدار منذ ثلاثة أشهر تقريباً.

وأضاف ان إدارة الدار تقوم بجهود كبيرة لمساعدتهم على تخطي هذه المرحلة وانها لم تحرمهم من حق التعليم، لاسيما أنه مازال طالباً في الصف الثاني عشر وهو ما يعد ميزة تتميز بها الدار لأن النزلاء من الأحداث ولا يمكن حرمانهم من حق التعليم.

وتابع: أوجه الشكر لإدارة الدار على كل الخدمات التي تقدمها للأحداث سواء كانت رعاية صحية أو اجتماعية أو نفسية أو ترفيهية، وان كنت نادماً على فعلتي فإنني أذكر من هم خارج أسوار الدار بضرورة الالتزام بأداء الصلاة وترك أصدقاء السوء والتركيز على التحصيل العلمي حتى لا يكون مصيرهم هنا في دار الرعاية الاجتماعية.

من جانبه، قال الحدث محمد البالغ من العمر (18 عاماً)، ان ايداعه إلى هذه الدار بسبب مشاجرة كانت بين عدد من المراهقين والتي انتهت به خلف أبواب الدار، ولهذا على جميع المراهقين الحذر من الأخطاء والاستهتار فآخرها الندامة ولا شيء غيرها لأن من يقع في الجريمة يودع في هذه الدار التي تسلب أبوابها حرية الحدث.

وأضاف: دخلت الدار منذ أربعة أشهر تقريباً، لكني مازلت غير منسجم لأن الدار تعني سلباً للحرية ولهذا على الجميع حسن اختيار الأصدقاء فالصاحب ساحب وعليهم بطاعة الآباء وسماع نصائحهم.

وتابع: ان خرجت من هذه الدار فلن أعود لما كنت عليه في السابق فلا مشاجرات ولا أصدقاء سوء يشغلونني عن الدراسة والتحصيل العلمي الذي يعد أفضل طرق النجاح.

رعاية المنحرفين

من جانبه، قال مدير دار الرعاية الاجتماعية للفتيان أحمد الشمري ان دار الرعاية الاجتماعية للفتيان هي إحدى الدور التابعة لإدارة الأحداث في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وهي المختصة برعاية فئات الأحداث المنحرفين والذين أتموا سن السابعة ولم يتجاوزوا الثامنة عشرة سنة وأمرت محكمة الأحداث بإيداعهم في الدار حتى تحسين سلوكهم وتهيئ أسرهم لحسن رعايتهم والاطمئنان على تكييفهم بالبيئة التي يعيشون فيها بصورة سوية ومناسبة.

وقال الشمري: إن عدد الأحداث المودعين في الدار خلال هذه الفترة بلغ 17 حدثاً تنوعت الأسباب التي أودعوا على اثرها الدار، وشملت السلب بالقوة والسرقة وهتك العرض ودخول مسكن واستيلاء على مال الغير بالقوة والقتل الخطأ، وتتراوح أعمار الأحداث الموجودين في الدار في ما بين سن الثانية عشرة والثامنة عشرة، وهي فترة المراهقة التي تحتاج إلى متابعة دقيقة من قبل الأهل حتى لا يقع الحدث في السلوك المنحرف الذي يؤدي في النهاية إلى ارتكاب الجرائم.

وعن الإجراءات التي تتبعها الإدارة مع الحدث فور وصوله ذكر أن الدار تستقبل الحدث نتيجة لصدور حكم إيداع في الدار من قبل نيابة الأحداث ونبدأ بعدها بعرضه على جهاز فني متخصص يشمل اخصائياً نفسياً واجتماعياً وذلك لإعداد مذكرة عن حالة النزيل والأسباب التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة بالإضافة إلى دراسة علاقة الحدث بأسرته ومتانة هذه العلاقة والبحث عن سبل تقويتها إذا كانت تعاني من بعض التصدعات الطارئة ناهيك عن المتابعة داخل الدار من قبل الجهاز الفني.

وعن طبيعة عمل الجهاز الفني ذكر الشمري أن عمله دقيق ومهم لأنه يختص بمتابعة الحدث داخل الدار من خلال وضع خطة متابعة لسلوك وتصرفات وأفعال الحدث خلال ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى حث الحدث على مواصلة التعليم إن كان منقطعاً عنه، فالتعليم إجباري في الدار ناهيك عن البرامج والأنشطة الدينية التي تضعها الدار لزرع الوازع الديني لديهم حتى نستطيع تقويم السلوك وإصلاح الأخطاء.

دورات متخصصة

وذكر ان دار الرعاية الاجتماعية للفتيان تقدم أنشطة صباحية كالطباعة والميكانيكا والتجارة بالإضافة إلى التنسيق الدائم لإعداد وتنظيم دورات متخصصة بالتعاون مع الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، والتي تكون في مدة أقصاها ثلاثة أشهر.

وتحدث الشمري عن قضية تقييم الحدث فقال إنها تخضع لمعايير عدة منها نوع القضية التي أودع الحدث بسببها فلا يمكن توحيد الفترة الزمنية لمن ارتكب قضية اغتصاب وهتك عرض، كمن أودع بسبب مشاجرة، فكلا الحالتين بحاجة إلى برنامج تأهيلي دقيق حتى يستفيد الحدث من فترة وجوده داخل الدار ولا يعود لمثل هذه الأفعال التي يجرمها القانون مرة أخرى بعد خروجه من الدار، بالإضافة إلى ضمان إنهاء الحدث البرنامج المعد له من قبل القائمين على العمل داخل الدار والذين يعدون تقريراً شهرياً لكل نزيل.

أما إذا كان هناك حالات يتم السماح لها بالزيارات الخارجية ولا تعود إلى الدار، فقال الشمري: نعم هناك بعض الحالات التي يسمح لها بالخروج في عطلة نهاية الأسبوع لكنها لا تعود مرة أخرى إلى الدار وهذا يعد هروباً مما يوقع الحدث في قضية جديدة فإدارة دار الرعاية الاجتماعية تملك القرار الفني ونيابة الأحداث هي التي تملك القرار القضائي، وفي مثل هذه الأحوال نرفع إلى النيابة كتاباً بتغيب الحدث وعدم عودته من الزيارة الخارجية حتى تباشر صلاحياتها وفق القانون المنظم لمثل هذه الحالات.

وبسؤاله عما إذا كان للدار أساليب عقاب تتبعها الادارة تجاه النزلاء قال الشمري ان الادارة لديها عدة أساليب لمعاقبة الاحداث تبدأ بحرمان الحدث من الزيارات الخارجية، مشيرا إلى أن الادارة تعمل على اعادة تقييم السلوك، فعملها اجتماعي وليس امنيا فادارة الدار لا تتعامل مع (الاحداث) كما تتعامل ادارات السجون مع نزلائها ولهذا لا يوجد لدينا أي عقوبة غير مقبولة بالنسبة لاعمار النزلاء فالعقوبة لدينا تتمثل في حرمان الحدث من الزيارة الخارجية ولا نفكر في الحبس الانفرادي إلا في اضيق الحدود.

أسر ترفض أبناءها

وهل هناك اسر ترفض السماح لابنائها بالزيارات الخارجية؟ اجاب الشمري: نعم هناك بعض الاسر تفضل عدم السماح لابنائها بالزيارة الخارجية وذلك بحجة عدم القدرة على السيطرة على سلوك هذا الحدث ولذلك تفضل هذه الاسر بقاء ابنائها في الدار فترات اطول حتى يتم تغيير سلوكهم وترك عاداتهم السيئة السابقة والتي ادت إلى دخولهم الدار.

ولفت إلى أن الادارة تلجأ إلى العزل الانفرادي في حدود ضيقة ولكنه خيار متاح في حال وجود حدث يصر على مخالفة القوانين واللوائح بالرغم من التحذير الذي يتلقاه من قبل المسؤولين فتضطر الادارة بعد اجتماع اللجنة المختصة إلى عزل الحدث في الانفرادي لمدة محدودة لا تتجاوز اليومين.

ولفت الشمري إلى أن جنسيات الاحداث متنوعة ومتفرقة فيما بين الجنسية الكويتية واليمنية والايرانية والسورية والمصرية بالاضافة إلى فئة غير الكويتيين.

إيواء الاحداث

من جانبه، قال نائب مدير دار الرعاية الاجتماعية للفتيان مساعد الظفيري ان دار الرعاية الاجتماعية فتختص بايواء الاحداث الذين ارتكبوا قضايا في حق المجتمع وذلك بهدف تقويم سلوكهم من خلال البرامج التأهيلية التي تقدمها الدار لهم.

واضاف أن ابرز القضايا التي يودع على اثرها الاحداث هي السرقات والمشاجرات والتي تزداد اعداد مرتكبيها خلال العطلة الصيفية والتي تغلق فيها المدارس ابوابها ويبدأ الاحداث في اتباع السلوك الخاطئ في ظل غياب الاسرة.

وتابع أن ادارة رعاية الاحداث احدى ادارات قطاع الرعاية الاجتماعية في وزارة الشؤون وتختص بتنفيذ سياسة الوزارة في توفير الرعاية الاجتماعية لحالات الاحداث التي تعوقها ظروفها الاجتماعية والبيئية والذاتية عن التكيف مع المجتمع، اما دار الرعاية الاجتماعية فتختص برعاية فئات الاحداث المنحرفين الذين امرت محكمة الاحداث بايداعهم فيها حتى تحسن سلوكهم واعادة تقويم الاخطاء لديهم قبل دمجهم مرة اخرى للعيش في المجتمع.

ومن جانبه، قال الاخصائي الاجتماعي في دار الرعاية الاجتماعية للفتيان شريف عثمان ان دور الاخصائي الاجتماعي يبدأ فور وصول الحدث إلى الدار وذلك من خلال وضع تقييم كامل للحدث والاسباب التي ادت إلى ارتكاب الجريمة وذلك لوضع خطة زمنية يمكن من خلالها اعادة تقويم سلوك الحدث وفق معطيات كل حالة.

واضاف أن العمل يشمل المتابعة الدائمة لكل حدث ومراقبة دقيقة لسلوكه وذلك من خلال كيفية تعامل الحدث مع نظرائه النزلاء أو الادارة أو خلال الزيارات الداخلية فاذا اكتشفنا تغير السلوك إلى الافضل نبدأ بمنح مكافآت للحدث، ومن اهمها الزيارات الخارجية حتى يذهب إلى اسرته التي يجب عليها مساعدتنا في سرعة ترميم السلوك وطرد أي انحراف من تصرفات الحدث.

علاقة الحدث بأسرته

من جانبها، قالت الاخصائية الاجتماعية في دار الرعاية الاجتماعية هناء محمد ان طبيعة عملنا تركز على دراسة علاقة الحدث باسرته وفتح قنوات للتواصل المباشر مع الاسرة، وذلك بهدف ازالة كل الخلافات القائمة بين الحدث واسرته والعمل على اعادة دمجه في الاسرة ثم المجتمع.

واشارت إلى أن ابرز الاسباب التي تؤدي إلى انحراف الابناء هي الدلال الزائد والترف وتوافر المال لدى الاحداث بكثرة وفي أي وقت وغياب دور الاسرة في متابعة ابنائها سوء اختيار الاصدقاء وغياب الوازع الديني لدى الاحدث بالاضافة إلى تفكك الاسر فكل هذه الاسباب تؤدي إلى ضياع الحدث واقدامه على الجريمة حتى يتم تقويم السلوك والابتعاد عن الجريمة.

واضافت لدينا تنسيق كامل مع وزارة التربية حتى تتم مواصلة التحصيل العلمي لكل حدث ولا يتأخر عن زملائه من خلال مراقبة شؤون الطلبة وهو ما يعد أمرا مهما بالنسبة للتقييم الشهري بالاضافة إلى الحرص على دمج الحدث مع زملائه النزلاء داخل الدار لانها مرحلة مهمة بالنسبة له فهي اولى محطات تغيير السلوك ان اراد الاصلاح.

وتابعت أن ادارة دار الرعاية الاجتماعية للفتيان قامت بتقسيم النزلاء الاحداث إلى مجموعتين اطلقت على الاولى اسرة خالد بن الوليد وهي التي تضم عشرة ابناء، ممن تقل اعمارهم عن 15 سنة في حين المجموعة الثانية اطلق عليها اسرة عمر بن الخطاب وتضم سبعة ابناء وهم من تجاوزوا الخمسة عشرة عاما.

زيارات أسبوعية وتواصل أسري



قال مدير الدار احمد الشمري ان ادارة الدار حريصة على الزيارات المستمرة للنزيل سواء كانت الزيارات الداخلية أو الخارجية فهي تساعد الادارة كثيرا على اعادة دمج الحدث مع اسرته وبيئته مرة اخرى فنحن لا نضعهم بمنعزل عن البيئة الخارجية فدورنا وهدفنا اعادة تأهيلهم لا عزلهم، ولهذا لدينا زيارات داخلية والتي تكون مرة واحدة في الاسبوع أو الخارجية التي تمنح للنزيل في نهاية الاسبوع حتى يتم تقييم كل حدث بالتعاون مع اسرته في كل مرة يخرج فيها في عطلة نهاية الاسبوع الامر الذي يساهم في عملية التقييم واعادة الدمج.

النزلاء لا يعرفون قراءة الفاتحة



اشار مدير الدار إلى ابرز الاسباب التي تم رصدها في سلوك الاحداث المنحرفين فقال ان الامر المؤسف الذي نرصده في الغالبية العظمى للحالات التي يتم ايداعها في الدار هو عدم قدرتها على اداء الصلاة وجهلها لابسط آيات القرآن الكريم وحتى الفاتحة التي تعد الاهم بالنسبة لاقامة الصلاة، وهذا أمر مؤسف لان احداثا بهذه الاعمار لا يفقهون امور دينهم مما يقلل الوازع الديني لديهم ويدفعهم إلى الجريمة.

واضاف انهم في الدار يعملون جاهدين على تكثيف البرامج الدينية بالاضافة إلى تفكك الاسر يعد من اهم الاسباب التي تؤدي إلى سوء سلوك الحدث ولهذا فعملية تقويم السلوك يجب أن تكون عملية مشتركة بين الدار والاسرة حتى نصل إلى النتائج المرجوة، فلا يمكن لنا أن نسمح بخروج حدث لم ينصلح سلوكه.