هكذا حمل القدَر العسكري الشاب لنقل خدمته من صيدا إلى عرسال تاركاً طفلته «رهف» وزوجته الحامل
والد الجندي علي السيد لـ «الراي»: خبر ذبْحه صحيح... 90 في المئة
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
02:16 م
... «ذُبح، لم يُذبح». انه الجندي في الجيش اللبناني علي احمد السيد، ابن بلدة فنيدق في عكار بشمال لبنان الذي تصدّر مواقع التواصل الاجتماعي منذ ليل الخميس مع اعلان المدعو «ابو مصعب» حفيد البغدادي، وهو أحد عناصر «الدولة الاسلامية» في ريف دمشق وجبهة القلمون عبر موقع «تويتر» عن ذبحه.
كالنار في الهشيم انتشر الخبر - الصاعقة على مواقع التواصل الاجتماعي ولاسيما بعدما نشرت حسابات تُعتبر من داعمي «داعش» صورة لشخص مقطوع الرأس قالت انه للجندي اللبناني الذي تم أسْره في 2 اغسطس الجاري خلال المواجهات التي اندلعت في عرسال وجرودها بين الجيش اللبناني وتنظيميْ «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة» من ضمن ما لا يقلّ عن 37 عسكرياً ورجل أمن (أُطلق 8 منهم في اطار رسائل حسن النية من الخاطفين في مرحلة المفاوضات السابقة).
وفيما لم يصدر اي بيان رسمي عن «الدولة الاسلامية» حول تصفية الجندي اللبناني (وهو من مواليد 1985) الذي أرفقت الصفحات التي يتبناها التنظيم بنشر صورته مقطوع الرأس مذيلة بعبارة «تم بحمد الله جز رقبة عسكري من الجيش الصليبي على يد الدولة الاسلامية، وسيصدر بيان أو فيديو من مؤسسة رسمية والله غالب على أمره»، طلبت قيادة الجيش اللبناني عدم تداول اي صورة او خبر عن الموضوع تحت طائلة الملاحقة القانونية بانتظار صدور بيان خلال 24 ساعة. اما وزير الداخلية نهاد المشنوق فاعلن ان قيادة الجيش شكلت لجنة من الخبراء لفحص الصورة التي نشرت عبر مواقع التواصل من أجل التأكد من الحقيقة.
وعلى وقع حركة الاحتجاجات التي انفجرت في عكار على شكل قطع طرق واعتصامات «جوالة» استنكاراً لـ «الجريمة» ومطالبةً بالافراج عن العسكريين الاسرى، قوبلت صورة السيّد المزعومة مذبوحاً التي هزّت لبنان من أقصاه الى أقصاه بقراءتين:
* الاولى شككت في صحتها، خصوصاً ان «الدولة الاسلامية» كانت مددت مهلة ذبح العسكري الاول التي كانت أمهلتها للحكومة اللبنانية اذا لم تنفذ مطالبه باطلاق سجناء من رومية لـ 48 ساعة بدأت مساء الخميس، علماً ان مصادر اسلامية لم تستبعد ان تكون الصورة تم التلاعب بها عبر «الفوتوشوب»، من دون ان تجزم بذلك.
واستعان المشككون في عملية الذبح بانه في تاريخ 3 اغسطس الجاري بثت «جبهة النصرة» مقطع فيديو لجنديين من الجيش اللبناني يعلنان انشقاقهما عنه والرقيب علي السيد هو أحدهما قبل ان يظهر السيد بعد ذلك مع 6 اخرين محتجزين لدى «الدولة الاسلامية» في الفيديو الذي سلمته هيئة علماء المسلمين الى الحكومة اللبنانية عقب انتهاء أحداث عرسال أي بعد عرض الفيديو الأول بأيام.
* والثانية استندت الى تهديدات أمير تنظيم «الدولة» في القلمون «أبو طلال الحمد» وتسريبات مصادره التي نُقل عنها تاكيدها أن علي السيد هو المقتول، وأنه لن يكون المذبوح الأخير.
ووفق أصحاب هذه القراءة فان الفيديو الذي ظهر فيه السيد وهو يعلن انشقاقه نسفته مصادر قريبة من تنظيم «الدولة» كانت أكّدت حينها أن علي ورفيقه «أُجبرا على أداء هذا الدور، وأن البندقية التي في حوزتهما هي لزوم الإخراج».
وبين التشكيك وعدمه، بدت عائلة علي السيّد أقرب الى تصديق «الفاجعة». فالوالد وهو مختار فنيدق (احدى قرى قضاء عكار التي تنتظرالافراج عن ثلاثة من أبنائها) أكد لـ «الراي» أنه «لا يوجد شيء رسمي إلى الآن، لكننا تأكدنا من عدة مصادر أن الخبر صحيح بنسبة 90 في المئة، وحتى الجيش اللبناني لم يصدر بياناً رسمياً يوضح الأمر».
وتوجّه أحمد السيّد، الوالد «المفجوع» الذي تلقى المعلومات المتداولة عن تصفية ابنه بالدموع والغضب، إلى الحكومة قائلاً «كتر خيرك لمساهمتك بهدر دم العسكريين».
«الراي» كان لها كذلك حديث مع الوالد قبل يوم من «التغريدة» التي قد تشكل منعطفاً خطيراً في قضية المخطوفين العسكريين، وقد تحدث حينها بصوت عصره الوجع على فلذة كبده الرقيب في الجيش «ابن الدولة الذي لطالما وقف متأهباً لحمايتها وحماية أرضها» قائلاً: «آخر المعلومات هو الشريط الذي تم عرضه على شاشات التلفاز، حيث عرّف علي عن نفسه وتم قطع البث فوراً، لكن بحسب المعلومات التي وصلتنا فإن الحكومة تسلمت شريطاً آخر احتفظت به مراعاة لمشاعر الأهالي».
الرقيب علي، الأب لطفلة تدعى رهف عمرها سنة وشهران، كان ينتظر ولادة زوجته الحامل قبل أن يخطفه المسلحون الذين هاجموا عرسال، فسحبوه إلى الداخل السوري وعلّقوا أحلامه على لائحة مطالب.
القدَر دفع بابن مختار فنيدق إلى نقل خدمته من صيدا إلى عرسال قبل ما يقارب أسبوعين من اندلاع الأحداث. الوالد الذي كان متلهفاً لمعاودة عناق ولده أطلق حينها صرخة من القلب علّها تصل إلى مسامع المسؤولين في الدولة: «نريد أولادنا أياً يكن الثمن حتى لو اضطروا إلى اعطائهم حجارة سجن رومية».
وعما إذا كانت لديه مخاوف من تهديدات «الدولة الاسلامية» ببدء تصفية الأسرى قال: «طبعاَ لدينا مخاوف، لا أعلم لماذا لا يتم تحقيق مطالبهم، في الماضي اسرائيل قامت بعملية كومندوس في صيدا لاسترجاع ساق وقدم جندي لها وقامت في النهاية بمبادلتها بسبعين شخصاً، فهل يعقل ان عشرات الأسرى ترفض حكومتنا مبادلتهم؟ المفاوضات تتطلب تنازلات، وهذا ما تقوم به جميع الدول ما عدا الحكومة اللبنانية التي تصرح أنها لا تفاوض عصابات، وأسالها لماذا قامت بمفاوضتها عندما تعلق الأمر بمخطوفي أعزاز ومن بعدها معلولا؟ أليس أولادنا بشر، أليسوا أبناء الدولة؟».