رؤساء بلديات في مناطق حسّاسة لـ «الراي»: لا أمن ذاتياً... بل حراسة بلدية

1 يناير 1970 02:15 م
عادت عبارة «الأمن الذاتي» تأخذ حيزاً في وسائل الإعلام اللبنانية بعد التقارير عن قيام مجموعات من الشبان في مناطق عدة لا سيما الحدودية منها مع سورية في البقاع بحراسات ليلية لمواجهة احتمال أي تسلل لتنظيم «الدولة الإسلامية» وتفادياً لتكرار تجربة عرسال.

فجأة شقّ الحديث عن «الأمن الذاتي» طريقه إلى المشهد اللبناني في ظل المعلومات عن ان هذا «الخيار» لم يقتصر على قرى حدودية في البقاع فقط، بل طال بلدات مسيحية وعلوية في شمال لبنان لا سيما الكورة وأعالي منطقة الضنية بعد ازدياد الخشية من هجوم يقوم به مسلحون متطرفون وأخذ رهائن تمهيدا لتأسيس إمارة على غرار ما يحصل في العراق. وبحسب التقارير نفسها، لم تسْلم بلدات شيعية في الجنوب وقرى درزية في جبل لبنان من هذه «العدوى» ولاسيما تلك التي تؤوي نازحين سوريين.

وإذا كانت مرحلة الحرب الأهلية التي عاشها لبنان على مدى 15 عاماً حوّلته إلى ما يشبه «جمهوريات» ذات «حِمايات ذاتية»، فإن مرحلة ما بعد اتفاق الطائف الذي أنهى مرحلة الاقتتال الداخلي لم تنجُ من بعض «عوارض» الأمن الذاتي ولا سيما في مناطق نفوذ «حزب الله» وحركة «أمل» خصوصاً في الضاحية الجنوبية وذلك لضرورات تتصل بـ «أمن المقاومة» وقيادييها، قبل ان يأتي الخوف من «الدولة الاسلامية» ليعمّم هذه «الحال» وسط خشية من ان تتمدد كـ «بقعة الزيت» بالتزامن مع تقارير عن عملية تسلُّح واضعة الدولة اللبنانية ومرتكزاتها امام تحدٍّ هو الأكبر منذ ان رفعت الحرب «الراية البيضاء».

«الراي» استفسرت عن هذه الظاهرة من رؤساء بلديات موزَّعين على الخريطة اللبنانية تحدّثوا عن مخاوف الناس والمعلومات عن «لجان شعبية» في المناطق الحساسة رافضين الحديث عن «امن ذاتي» بل عن زيادة التحوّط الأمني عبر «الحراسة البلدية».

رئيس بلدية القاع (البلدة البقاعية ذات الغالبية المسيحية) ميلاد رزق نفى ما يتم اثارته عبر وسائل الاعلام عن وجود لجان شعبية «فالأمر لا يتعدى قيام ثلاثة إلى أربعة شبان سكارى من سكان بيروت كانوا يقومون بزيارة للمنطقة بنصب حواجز ليلية»، مؤكداً «عدم وجود أمن ذاتي بمعنى الكلمة في المنطقة بل شرطة بلدية تحرس في الليل ضمن البيوت السكنية»، مضيفاً: «بالنسبة لنا أبلغنا الأهالي أن مَن يرغب بالحراسة عليه التقدم بطلب لدى البلدية لنقوم برفعه إلى وزارة الداخلية للحصول على موافقتها، إذ يحق لنا تعيين ما بين ستين إلى سبعين شرطي بلدية».

مخاوف أهالي القاع ازدادت بعد أحداث عرسال ما دفعها إلى تكثيف الحراسة الليلية حيث قال رزق: «رأينا كيف خرج النازحون من خيمهم بأسلحتهم وشاركوا في القتال ضد الجيش اللبناني، وهذا ما نخشى تكراره في منطقتنا، فلدينا ما يتجاوز ثلاثين ألف نازح».

اجراءات استثنائية تتخذها القاع ولا سيما في المناسبات الدينية في الكنائس وعند خروج الطلاب من مدارسهم خشية من عبوة أو سيارة مفخخة.

الأمر ذاته أكده رئيس بلدية حارة صيدا (الجنوب) سميح الزين معتبراً ان «الحديث عن الأمن الذاتي في الحارة لا أساس له من الصحة فما يسمونه أمناً ذاتياً لا يتعدى كونه حراسة ليلية لشرطة البلدية. الأمن ممسوك ولا داعي للخوف واجراءاتنا عادية وإن كنا نقوم بالحراسة بطريقة سريّة، ولدينا سوريون لا يقومون بأي تجمعات، والوضع تحت السيطرة ولا شيء يثير الإزعاج، وبشكل عام لا يهمنا سوى وضع المخيم الذي في جوارنا».

أما الأمن الذاتي في القبيات (شمال لبنان) فيتمثل بحسب رئيس بلديتها عبدو مخول عبدو «بالشرطة البلدية التي تقوم بحراسة مفارق الطرق المؤدية إلى منطقة الهرمل ووادي خالد وعكار العتيقة نظراً لحساسية وضعها وكثرة العابرين عليها ليلاً نهاراً»، نافياً أخذ شباب المنطقة هذه المهمة على عاتقهم. ويضيف: «أما دور شرطة البلدية فيتمحور حول الحفاظ على الأمن. وفي حال الاشتباه بسيارة أو دراجة نارية لها الحق بتوقيفها، ولا سيما بعد ارتفاع موجة السرقات، فالفقر يولد العنف سواء من اللبنانيين أم النازحين السوريين لكن لا توجد تعديات مسلحة».

وعما إذا كانت المخاوف ازدادت بعد أحداث عرسال أجاب: «كلا، ورغم أن عكار تؤوي الكثير من النازحين إلا أن القبيات وهي إحدى قرى عكار لا تحتضن اعداداً كبيرة من النازحين، لذلك لم نقدم على أي اجراء استثنائي».

بلدية عاليه لا يوجد في «قاموسها» ما يسمى «أمنا ذاتيا» كما يؤكد رئيس بلديتها وجدي مراد الذي قال: «نحن نؤمن بأمن الوطن، هناك جيش وقوى أمن داخلي وشرطة بلدية، فعندما تبدأ المناطق بتطبيق صيغة الأمن الذاتي، يعني أننا بدأنا نقسم البلد إلى أحزاب وعائلات وتشبيحات، فالأمن الذاتي خطوتان والثالثة ينهار لأن الهدف منه غايات غير نبيلة».

وأضاف مراد: «نحن كبلدية نقوم بواجبنا في الحفاظ على الأمن من خلال التنسيق التام مع الأمن الداخلي والجيش اللبناني، وقمنا برفع عدد شرطة البلدية لتأمين الحراسة الليلية، وعناصر الشرطة يمارسون مهماتهم بصورة موقتة حيث نقوم بالتجديد لهم كل ثلاثة أشهر، ونحن نعمل بالقانون وبالقانون فقط».

عدد الشرطة الرسمية في بلدية عاليه 18 عنصراً «لكن لدينا اليوم نحو 60 عنصراً اضافياً سمح لنا بهم وزير الداخلية والبلديات، والوضع الأمني جيد جداً، لا توجد مشاكل مع النازحين ولا مع الذين يعبرون في المنطقة ولا مع السكان، والمشكلة الوحيدة التي نعانيها هي كثافة النازحين داخل الغرف، ولذلك من المفترض أن يعطى أمر من وزارة الداخلية للدرك أو البلديات لتحديد عدد قاطني الغرف بحيث لا يتجاوز الاثنين وبحد أقصى ثلاثة للغرفة الواحدة. أما عدد النازحين في عالية فكبير».

وزير الداخلية والبلديات السابق مروان شربل كان سباقاً بالطلب بتسليح وتدريب شرطة البلدية لمساعدة القوى الأمنية في الحفاظ على الأمن، وقال لـ «الراي»: «طلبتُ تسليح شرطة البلدية بمسدسات وليس برشاشات وقذائف «آر بي جي»، فهي شرطة أمنية بحسب القانون، مهمتها حفظ الأمن والنظام ضمن مناطقها، وقد تم العمل بطرحي وجرى التقدم بطلبات شراء المسدسات كما تم اخضاع عناصر الشرطة لدورات تدريبية. فبلدية بيروت مثلا ً تضم ما يقارب 700 حارس كانوا جالسين في بيوتهم يحصلون على رواتبهم آخر كل شهر من دون أن توكل إليهم أي مهمة، فجرى تدريبهم في معهد قوى الأمن الداخلي للمحافظة على الأمن وقمع المخالفات من خلال قيامهم بدوريات وذلك بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية».

وبحسب شربل فان «شرطة بيروت لا علاقة لها بالأمن الذاتي الذي يقع عند قيام أشخاص لا علاقة لهم بالدرك والجيش والأمن العام وشرطة البلدية بوضع حواجز وفرض الأمن بمنطقتهم، وفي لبنان لا توجد هذه الظاهرة، وكل ما يؤخذ من اجراءات يكون بالتنسيق مع الجيش والقوى الأمنية، وحتى حماية قرى بعلبك الهرمل تتم بالتنسيق مع الجيش اللبناني، كما هو حاصل في اسرائيل على سبيل المثال، ففي المستوطنات كل المدنيين مسلحون من قبل الجيش الاسرائيلي للدفاع عن مستوطنتهم».

وختم: «تطبيق الأمن الذاتي في لبنان اليوم يعني العودة إلى عهد الحرب اللبنانية وعهد الميليشيات والعودة إلى الانقسام وهذا غير موجود ولا وارد الآن».

«سباق التسلّح» على خط السجال السياسي



| بيروت - «الراي» |

خرق المشهد اللبناني في الأيام الأخيرة سجالاً حول موضوع تسليح بعض الفئات في عدد من المناطق التي عمدت الى تعزيز إجراءات الحماية من ضمن «الأمن الذاتي».

ودخلت قوى «14 آذار» بقوة على هذا الملف متهمة عبر أمانتها العامة

«التيار الوطني الحر» بقيادة العماد ميشال عون بدعوة المسيحيين الى حمل السلاح «بالشركة مع حزب الله»، محذرة من ان «التيار يدفع بذلك لبنان الى اعادة انتاج الحرب الاهلية».

وعزت مصادر في قوى «14 آذار» هذا الموقف الى انه جاء رداً على موقف علني لأحد نواب «التيار» وبناء على معلومات عن عمليات تسلح تحصل في مناطق عدة بالتنسيق بين «التيار» و«حزب الله» وبعلم بعض الاجهزة.

غير ان «التيار الحر» سارع الى الرد على ما وصفه بـ «تعليقات صبيانية حاقدة»، مشدداً على ان «تاريخ التيار يشهد على مقاومته السلمية على مدى اكثر من 15 عاماً وهو ليس في حاجة الى شهادة حسن سلوك من أحد خصوصاً من بقايا ميليشيات». وأعرب عن «خشيته ان يكون هذا الاتهام الملفق غطاء يتلطى خلفه اصحابه ليبرروا حملهم هم للسلاح».

وكانت «كتلة المستقبل» البرلمانية (الرئيس سعد الحريري) اعتبرت في اعقاب اجتماعها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة ان «الدعوات الرائجة على ألسنة بعض المتطرفين المتعصبين والمتهورين للتشجيع على حمل السلاح المناطقي او المذهبي او الحزبي او الميليشيوي غير الشرعي بحجة الدفاع عن النفس بوجه الارهاب هي دعوات مستنكرة ومردودة ومرفوضة والكتلة تحذر من ان التشجيع على هذه الافعال يفتح الباب على اخطار كبيرة سبق للشعب اللبناني أن جربها واكتوى بنارها. فلا سلاح للدفاع عن اللبنانيين الا سلاح الشرعية والجيش وقوى الامن الداخلي».

ولفتت الى ان «كل الاطراف السياسية اللبنانية تشارك في الحكومة والحكم وليس من مصلحة لأحد في تسييب الامن والاستقرار في البلاد أو العودة الى تجربة الميليشيات التي ثبت فشلها. إذ إن السلاح غير الشرعي هو الذي يستجلب سلاحاً مقابلاً، كما أن الاستبداد يستولد التطرف والارهاب وهذا بدوره يستولد تطرفاً وإرهاباً مقابلاً ليبرر وجوده واستمراره».