«كباريه»... فيلم البطولات الجماعية الذي يأخذنا إلى قلب الحدث

1 يناير 1970 10:14 ص

من الكازينوهات إلى الكباريهات تهب موجة جديدة للبطولات الجماعية في السينما المصرية تكشف عوالم خفية لا يعرفها الا رواد هذه الأماكن البعيدة كل البعد عن القيم والعادات والتقاليد وحتى الدين. فيلم «الريس عمر حرب» قدم عالم القمار وما يدور فيه من خبايا المقامرين والتصميم على الفوز حتى وان خسروا كل شيء. أما فيلم كباريه الذي يتطرق إلى عالم خاص جدا له قوانينه وقواعده يكشف المستور في هذه الغابة المخيفة.

السينما المصرية منذ عهدها قدمت العديد من الأفلام التي تتطرق إلى خفايا عالم الكباريه بكل صوره لتأخذك مشاهد عديدة الى الزوج السكير المغلوب على أمره أو الزوج الخائن الذي يتردد على بنات الليل وحتى الشخص الذي يمر في أزمة عاطفية ويحاول بشتى الطرق نسيانها , وغيرها من المشاهد سواء المؤثرة أو المضحكة. كباريه قدم تناقضات كثيرة وازدواجا في الشخصية لأناس يعملون في الكباريه دون ارادتهم , وحتى بإرادتهم ليغوص في عالم مبهم للكثيرين ويفتح المجال للعديد من التساؤلات المنطقية لأول فيلم في تاريخ السينما المصرية تدور أحداثه كاملة في الكباريه.

الكباريه العالم المخجل

يعتبر الكباريه عالم مخجلا لكثير من موظفيه فمنهم نهلة «جمانة مراد» التي تعيش في حي فقير جدا تظهر بدور بنت بلد بارة بوالدتها جدا تقوم على رعايتها وغسلها واطعامها وجلب الدواء لها حتى تقدم على الدخول في جمعية لتوفير حج امها, بالمقابل تخرج من المنزل مرتدية الجلباب الاسود والطرحة لعدم كشف امرها وتبتعد لترتدي ملابس العمل المثيرة والمغرية لتدير بنات الليل, نهلة تعيش ازدواجية واضحة تحاول أن تخفيها بكل الطرق.

 فؤاد حامد «صلاح عبدالله» شخصية محورية في الفيلم فهو صاحب الكباريه الذي ورثه عن والده. يلقب بملك اللذة والمتعة. يعيش في تناقض عجيب فهو يتلقى التعليمات اليومية من موظفيه ويتلو عليهم القوانين الصارمة لكباريه على حد قوله «البريمو ولازم يفضل البريمو والزبون جاي للمتعة واذا لم يحصل عليها لن يعود», بالمقابل هو متدين لا يقرب الخمر ولا النساء ويحافظ على الصلاة ويشرب اللبن ويسمع الادعية الدينية والتواشيح ويؤدي العمرة عاماً تلو العام.

 المتر دوتيل علام «احمد بدير» يعيش ايضا في تناقض واضح حيث يستقبل الزبائن ويقدم لهم كل التسهيلات والراحة اللازمة... بالمقابل يحاول أن ينهي عمله قبل آذان الفجر ليلحق بالصلاة, أما علاء مرسي والذي يقوم بدور كيت أي جامع النقوط في الصالة فهو فقير معدم لا يملك مصاريف مدرسة ابنته المحجبة فيضطر الى سرقة اموال النقوط لدفع القسط , يبقى الممثل الرائع «خالد الصاوي» فقد قدم دوراً مختلفاً تماماً عما عهدناه به ونجح باقتدار في تجسيد دور المغني الشعبي بلعوم الذي يحب زوجته لكنها تترك منزل الزوجية لتذهب لبيت اهلها غاضبة تطلب الطلاق بسبب عمله في الكباريه ومصادقته لسيدة عراقية ثرية تنفق عليه من الألف الى الياء دون خجل ما سبب له مشاكل كثيرة مع زوجته التي تعايره باننا نعيش بـ«فلوس وحدة ست».

في مشهد فكاهي رائع قدم العريس «سليمان عيد» الذي يتأهب لليلة زفافه بالاحتفال بطريقته الخاصة بقبوله جميع انواع المخدرات وحبوب الفياغرا التي تبرع بها الجميع لاسعاده في هذه الليلة.

اما ابو السعود المغني الشعبي فنعيش معه صراعا من نوع آخر لمحاولة وصوله لقلب جماهير الصالة ومنافسة بلعوم.

الفنان القدير عبدالامام عبدالله

يعتبر فناننا القدير عبدالامام عبدالله من خيرة فناني الكويت بشكل خاص والخليج بشكل عام حيث اتحفنا بأدوار رائعة وبصمات جميلة خلال مشواره الفني الطويل, في هذا الفيلم وان كنت شخصيا ارفض تعزيز دور الخليجي في السينما المصرية بتقديم ادوار سطحية وساذجة وغير محببة لكونه من مرتادي صالات القمار والكباريهات وتشويه صورته بشكل أو بآخر, فان المبدع عبد الامام عبدالله أو جاسم الخليجي الثري الذي سقط اسمه من ملصق الفيلم سهوا او عمدا لا اعرف, قدم افضل ما لديه في اجمل دور خلال مشواره الفني الرائع. دور يتسم بالعفوية والشفافية والفكاهة بكل معانيها في طرح مبررات دخوله عالم الكباريهات ليخون زوجته ويستمتع بهذه الخيانة مع الفتيات الجميلات وان كان يحسب لزوجته الف حساب عندما تتصل به فيهرع للخارج لمكالمتها, اذ انه يعتبر من أهم الشخصيات التي تقدم له كل التسهيلات والخدمات بكافة انواعها.

الخلية الارهابية وتنظيف الكباريه

مولانا الفنان محمود الجندي العقل المدبر للخلية الارهابية التي تريد على حد قولهم تنظيف المكان من المعاصي تقوم بارسال الارهابي شعلان «فتحي عبد الوهاب» بعد غسله وحلق ذقنه وترديد الشهادتين وتحزيمه بحزام ناسف, ودخوله الكباريه على انه زبون اتى للمتعة ليذهل مما يحصل بالداخل ويثار بطريقة ما من الخلية الجميلة لفتيات الليل يحاول بكل الطرق تفجير الحزام لكنه يفشل بعد تكرار العملية وهذا ما يجعله ينهار ليقرر شرب البيرة لدرجة السكر, ليأخذه علام ويحاول أن يجعله يصحو من سكره حتي يأتي بشخص اخر من الخلية ويدخل الكباريه ويفجر المكان بكل ما فيه رغم محاولات شعلان ثنيه عن ذلك كون ان هناك اشخاصا لا يستحقون الموت لانهم اسوياء ويخافون الله وسوف يتوبون.

ماذا يريد الفيلم ان يقول؟؟؟

من يشاهد الفيلم لابد ان يسأل ماذا يريد الفيلم وما الرسالة التي يقدمها للجمهور؟, هل الازدواجية في شخصيات موظفي الكباريه تغفر لهم دخولهم هذا العالم البشع, والتناقض الذي يعيشون فيه يبرر وجودهم في هذه الغابة المخيفة والتي تقطع فيها رقاب وتهدم بها بيوت ونحلل لهم ذلك ونغفر لهم رذيلتهم وخطاياهم بحجة لقمة العيش, ام الوسطية مطلوبة في الحياة فمن يريد ان يصلي يدخل المسجد ومن يريد أن «ينبسط» يدخل الكباريه, الفيلم يقدم تبريرات عديدة لحالات انسانية فقيرة ومعدمة لابد ان نغفر لها عملها في الكباريه حتى وان حادت عن جادة الصواب, ويقدم حالات انسانية اخرى يصعب تجاوزها او حتى غفرانها.

 رتم الفيلم سريع وجميل ومتكامل العناصر وكوميدي من الدرجة الاولى والمخرج سامح عبد العزيز هو البطل الحقيقي في ادارة الممثلين بتقنية عالية, والمؤلف احمد عبدالله الذي كتب العديد من الافلام الجميلة تميز بهذا الفيلم الرائع, لذا اعتبر الفيلم الاول لمجموعة الافلام التي قدمت هذا الصيف.



دنيا سمير غانم في مشهد درامي مؤثر



خالد الصاوي في لقطة من الفيلم



جمانة مراد