جزى الله النائب محمد هايف المطيري خيراً كثيراً بقدر نواياه الحميدة، البالغة مبلغاً وقدره خمسة مليارات دولار أميركي لإصلاح التعليم والصحة والإسكان وأشياء أخرى كثيرة...
إلا أن سعادة النائب يقول في تصريحه لـ «الراي» أمس إن اقتراحه سيقدم مع مجموعة من النواب، ولم يقل ما إذا كان هؤلاء هم أعضاء في المجلس نفسه الذي أقر موازنة الدولة العجيبة قبل أقل من عشرة أيام، والتي رصدت 15 مليون دينار للإنفاق على «المشاريع الجديدة»، ضمن الباب الرابع من الموازنة من أصل 19 ملياراً.
تبقى المبادرة مرهونة بمضمونها وتفاصيلها، وعساه حلماً أن تنفق الكويت خمسة مليارات دولار في أوجه استثمار بالإنسان الكويتي، بدلاً من إنفاقها لإسقاط القروض. لكن الاقتراح الذي أعلن عنه فيه ثلاثة أنواع من الافتئات على الأقل: أحدها على الحكومة ومبدأ الفصل بين السلطات، والآخر على الوظيفة التخطيطية للموازنة، والثالث على كيفية إدارة الأموال العامة.
- أولاً، هذا ليس شغل النواب أن يخططوا وينفذوا، بل إنه افتئات على وظيفة الحكومة، التي يفترض بها أن تقوم بهذا الدور لأن الجهاز التنفيذي الذي يستوعب 95 في المئة من القوى العاملة الكويتية يعمل تحت يدها، وهو من يفترض أن يعرف الإحصاءات والحاجات والتوقعات والدراسات. إذاً ما الذي يدري النواب بحاجات قطاع التعليم وحاجات الصحة؟ وعندما يأتي هكذا اقتراح «كبير» من النواب، فهذا يعني أن النواب لا يرون أن في البلد حكومة، أو أن الحكومة مستقيلة من دورها لصالح الحكومة الحقيقية المكونة من 50 عضواً!
- ثانياً، «الموازنة» هي خطة الحكومة لعام، ويمكن لها في البلدان التي تحترم نفسها أن تأتي في سياق خطط أكثر امتداداً. فهل أذن المؤذن لصلاة الفجر ليستفيق النواب بعد إقرار الموازنة بأيام ويتقدموا بهذا الاقتراح العظيم؟ لنقل إنهم استفاقوا، ما هو تصورهم لصرف هذه الأموال؟ خطة خمسية؟ خطة عشرية؟ خطة العام المقبل فقط؟ من داخل الموازنة أم من خارجها؟
- ثالثاً، مثل هذا الاقتراح يعني أن بعض النواب ليس لديهم فكرة عن كيفية إدارة الأموال العامة وصرفها، فضلاً عن عدم معرفتهم بمهام السلطة التشريعية. أليس من العجيب أن يوافق النواب على «الموازنة، ليتقدموا بعد أيام قليلة باقتراح لإنفاق مبالغ تساوي ربع الميزانية العامة؟
تلك ملاحظات «في النظام» فقط على ضفاف الاقتراح ليس إلا، من دون الخوض في تفاصيله. ولعل ما يبررها أن مناقشات الموازنة تحت قبة قاعة عبدالله السالم لم تتطرق إلى أي مما يجري الحديث عنه الآن في سياق اقتراح الخمسة مليارات.
إذا قدّر لهذا الاقتراح أن يسلك مسلك الجد وتتسع دائرة النقاش فيه ضمن المؤسسات الدستورية، فسيكون ذاك النقاش سليماً في موضوعه، لكنه خاطئ في سياقه، وظالم في منطلقاته للديموقراطية والدستور.
الخوف من أن تتحول التنمية إلى مادة تشبه ملف إسقاط القروض وإزالة الدواوين، مادة للاستهلاك بين انتخابات وأخرى.