الرياض مدّدت مهمة سفيرها في بيروت لمواكبة التطورات عن كثب
لبنان يتهيأ لـ «شهر مفصلي» في سبتمبر
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
12:59 م
يتعاطى اللبنانيون مع محنهم الوطنية والسياسية والأمنية والاجتماعية على قاعدة «عندما ترى مصائب سواك تهون عليك مصيبتك»، وهو الانطباع الذي يساور الذين يشاهدون تقارير حية عن الموت الذي طارد المسيحيين الفارين من الموصل او الايزيديين العالقين في جبال سنجار او بقايا الجثث المتحللة في غزة او الأجساد الممزّقة بالبراميل المتفجّرة في حلب وأخواتها. ورغم ان «البروفة» المخيفة التي شهدتها منطقة عرسال اخيراً والتي بدت معها نيران المنطقة كأنها انتقلت مع «داعش» وأشباهه الى لبنان، أقلقت اللبنانيين، فان المسارعة الى تطويق الحريق بالوقوف خلف الجيش اللبناني وبـ «الصدمة الايجابية» التي أحدثتها عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى بيروت، اديا الى تبريد المناخ اللبناني وترييحه.
ومع الانحسار النسبي للأخطار الأمنية استعادت الأجندة السياسية - الاجتماعية حضورها وسط انتظام جميع أطراف الصراع تحت سلطة «مجلس قيادة الدولة» المتمثل بالحكومة الائتلافية التي تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية «المغيّب» مع تعطيل عملية انتخاب رئيس جديد منذ 25 مايو الماضي نتيجة عوامل متداخلة، داخلية واقليمية، ضاغطة.
وأظهرت حكومة الرئيس تمام سلام، التي عقدت جلسة منتجة امتدت لنحو سبع ساعات اول من امس، تفاهماً ضمنياً بين أطراف الصراع على ضرورة المضي قدماً في مهادنة ذات دلالات بالغة، تقوم من جهة على التكيّف مع الفراغ في سدة الرئاسة الاولى، ومن جهة ثانية على حماية «ستاتيكو» الانتظار الذي يحكم في لبنان في لحظة اقليمية لاهبة ومتحركة.
غير ان الانشغالات في اجراءات تسيير عجلة الدولة وأزمة الكهرباء المتعاظمة و«عصيان» المدرّسين عن تصحيح مسابقات الطلاب والأثقال المالية والاجتماعية والأمنية لـ «جيش» النازحين السوريين، لم تحرف الأنظار عن المسألة التي تتصدّر أولويات «جدول الأعمال» اللبناني والمتمثلة بالحاجة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وبتّ مصير الانتخابات النيابية المرتقبة.
وثمة مَن يرى في سبتمبر المقبل شهراً مفصلياً في لبنان كونه «بوابة العبور» التي من شأنها حسْم خط سير المأزق الدستوري - السياسي في لبنان، فإما تفاهم على سلة واحدة من الملفات تتناول رئاسة الجمهورية وحكومة العهد العتيد والانتخابات النيابية، وإما ترحيل هذا التفاهم الى ما بعد اتضاح الخيط الابيض من الاسود في المنطقة، وتالياً تمديد الفراغ في الرئاسة الاولى وتمديد عمر البرلمان الحالي الممدّدة ولايته أساساً حتى 20 نوفمبر المقبل.
وفيما استمرّ الاهتمام منصباً على متابعة قضية العسكريين وعناصر قوى الأمن الداخل الاسرى لدى تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» و«لواء فجر الاسلام» (بايع تنظيم داعش) بزعامة عماد جمعة الذي اوقفه الجيش صباح السبت في 2 اغسطس الجاري والذي شكل إلقاء القبض عليه الشرارة التي أشعلت معركة عرسال، خطف الأنظار قرار المملكة العربية السعودية تمديد مهمة سفيرها في بيروت علي عواض عسيري فترة اضافية محدودة، وذلك نظراً الى عدم امكان تعيين سفير جديد في ظل الفراغ الرئاسي القائم.
وعكس هذا القرار الاهمية التي تعلّقها الرياض على متابعة الواقع اللبناني عن كثب في شقه الامني الذي يتصدّره ملف محاربة الارهاب الذي واكبته المملكة بمكرمة مليار دولار لتسليح الجيش والقوى الامنية الاخرى، وفي شقه السياسي الذي ينصبّ على محاولة إخراج الملف الرئاسي من عنق الزجاجة. علماً ان عسيري الذي كان أنهى جولاته الوداعية على المسؤولين اللبنانيين تمهيداً لانتقاله الى باكستان اعلن بعد قرار تمديد اقامته في بيروت «أن حكمة خادم الحرمين الشريفين وحرصه الدائم على تقديم الدعم اللازم له، ومتابعة التطورات الدقيقة الحالية، قضت ببقائي في لبنان لمتابعة الأجواء الحالية والاستحقاقات المقبلة».
وكانت الجلسة «الماراثونية» التي عقدها مجلس الوزراء اللبناني، اول من امس، خلصت الى قرار بقبول الهبة المقدمة من السعودية بما يعادل مبلغ مليار دولار اميركي لتسليح وتجهيز الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة، بعد اعتبارها هبة عينية، وسط معلومات عن ان نصف قيمة الهبة ستعطى للجيش والنصف الآخر للقوى الامنية على ان تكون الحصة الابرز لقوى الأمن الداخلي ثم الأمن العام ثم أمن الدولة.
في موازاة ذلك، بقيت الانظار شاخصة على عنوانيْ الانتخابات الرئاسية والتمديد للبرلمان اللذين يتشابكان وسط تصاعُد «الكباش» حيال «الأثمان السياسية» لتمرير التمديد الجديد لمجلس النواب الذي يبدو في حكم الاضطراري الا اذا صحّ ما توقّعه النائب «المخضرم» ميشال المر، وهو صاحب الباع الطويل في السياسة اللبنانية والذي عُرف في «جمهورية الطائف» بانه «طابخ الرؤساء» حين اعلن، اول من امس، ان «سبتمبر طرفه بالشتي مبلول وفهمكم كفاية».
وفي حين لفت، امس، نفي مصادر الحريري (موجود في جدة لمتابعة قضية الهبة الجديدة للجيش اللبناني) أن يكون حصل اي لقاء بينه وبين وزير الخارجية جبران باسيل (صهر العماد ميشال عون) في جدة في اطار الحوار المفتوح حول امكان السير بعون مرشحاً توافقياً، أعطى رئيس البرلمان نبيه بري اشارة جديدة الى ربطه اي موافقة على التمديد للبرلمان بالإفراج عن العمل التشريعي لمجلس النواب الذي تربطه 14 آذار وعون بانتخاب رئيس للجمهورية كي لا يبدو البلد من دون «رأس» وكأن «شيئاً لم يكن».
واعلن بري تعليقاً على ما يطرح حول التمديد لمجلس النواب ان «المثل الشعبي يقول مين جرّب المجرّب كان عقلو مخرّب، ونحن جربّنا التمديد لمدة سنة وخمسة أشهر على أساس أننا سنعمد خلال هذه الفترة إلى إقرار قانون انتخابي جديد وانتخاب رئيس جمهورية جديد، إلا أننا لا أقررنا قانون انتخاب ولا انتخبنا رئيساً بل على العكس عطّلوا التشريع».
واذ اشار الى ان الموضوع كان مدار بحث بينه وبين الرئيس سعد الحريري «وجرى الاتفاق على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية لكن في الوقت عينه يجب أن تسير الأمور في البلد»، قال ردا على سؤال عما إذا كان التوافق على التشريع يفتح الباب أمام التمديد لمجلس النواب ان الصيغة الأمثل هي أن ننتخب رئيساً للجمهورية وننجز الانتخابات النيابية في مواعيدها لكن «إذا طُرحت الأمور بهذا الشكل فحينها لكل حادث حديث».