تلاقي المرجعيتيْن الدينية والسياسية للطائفة السنية على عنوان التصدي للإرهاب
انتخاب دريان المفتي السادس للجمهورية اللبنانية
| بيروت - من آمنة منصور |
1 يناير 1970
12:39 م
بدا من الصعب فصل انتخاب رئيس المحاكم الشرعية السنية العليا القاضي الشيخ عبد اللطيف دريان امس مفتياً للجمهورية اللبنانية، قبل نحو شهر من إنتهاء ولاية المفتي الحالي الشيخ محمد رشيد قباني في 15 سبتمبر المقبل، عن مساعي النهوض بالواقع السني في لبنان على قاعدة «الاعتدال» ومحاربة الارهاب التي شكّلت القاعدة التي عاد الى اساسها الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى بيروت بعد غياب اضطراري لأكثر من ثلاثة اعوام.
وجاءت كلمة دريان، وهو المفتي السادس في تاريخ الجمهورية اللبنانية، بعيد انتخابه وبعدها خطاب الرئيس الحريري على الغداء الجامع لكل أطياف الطائفة الذي أقامه على شرف المفتي الجديد في دارته (بيت الوسط) لتكرّس «خريطة الطريق» التي تتلاقى عليها المرجعيتان الدينية والسياسية السنية في مقاربة التحديات الهائلة في المنطقة ولا سيما ملف التطرف كما الواقع اللبناني وتعقيداته.
ولعلّ أبرز الأبعاد لانتخاب الشيخ دريان انه يطوي صفحة القطيعة التي استمرت لنحو ثلاثة أعوام بين قباني والقيادة السنية السياسية والتي تجلّت في انقسام غير مسبوق على مستوى المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى، بين مجلس برئاسة المفتي قباني، وآخر برئاسة نائب رئيس المجلس عمر مسقاوي، وهو المجلس الممدَّد له والذي حصل على شرعيّته من القرار الذي صدر عن مجلس الشورى بعدم قانونية المجلس الآخر (الموالي لقباني).
وبذلك تكون الوساطة العربية التي اضطلعت مصر بدور بارز فيها اضافة الى دولة الكويت، خطّت «النهاية السعيدة» وأعادت لم شمل البيت الإسلامي السني من خلال التسوية التي نصت على عدة بنود أبرزها: اعتبار المجلسين الشرعيين القائمين حالياً منحلين في تاريخ 15 ستبمبر المقبل، إسقاط الدعاوى الناشئة بين الطرفين، عقد لقاء مصالحة بين رئيس الحكومة ورؤساء الحكومات السابقين والمفتي قباني وعقد مؤتمر إسلامي موسع في دار الفتوى.
وكان النهار الإنتخابي قد شهد معركة محسومة النتيجة سلفاً بين رئيس المحاكم الشرعية الشيخ دريان وبين الشيخ أحمد الكردي الذي رشّحته هيئة العلماء المسلمين وسط اعتصام نفّذه بعض علمائها امام دار الفتوى مشددين على «حق العلماء في اختيار رئيسهم الديني ورفع الوصاية السياسية عن دار الفتوى، واثبات عدم وجود اجماع على مرشح واحد».
وقد حضر الى دار الفتوى 93 من أصل 103 اعضاء تتألف منهم الهيئة الناخبة التي تضم: رئيس الحكومة والرؤساء السابقين للحكومة، الوزراء المسلمون السنة الحاليون، النواب السنة الحاليون، اعضاء المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى (الممددة ولايته)، العلماء وقضاة الشرع الحاليين، العلماء وقضاة الشرع المتقاعدون، امين الفتوى في بيروت وطرابلس، المدير العام للأوقاف الاسلامية. وجاءت النتيجة فوز دريان بنيله 74 صوتاً مقابل تسعة للكردي، فيما تم إلغاء صوتين ووجدت 8 أورقاء بيضاء.
رئيس الحكومة تمام سلام، الذي حيا في كلمة مقتضبة «سيد هذه الدار سماحة المفتي الدكتور محمد رشيد قباني على مواكبته لهذه العملية الديموقراطية»، تلا بعد فرز الأصوات محضر جلسة الإنتخاب وأعلن فوز دريان بمنصب مفتي الجمهورية اللبنانية، لافتا إلى أن المفتي الجديد «سيستلم مهامه في 15 سبتمبر في اطار حفل تسليم وتسلم».
ثم كانت كلمة دريان الذي اكد أن الذي جرى «هو تعبير عن إرادة قوية من جانب كل المسلمين في لبنان في مواجهة المشكلات وتسديد المسار والتصميم على متابعة المهام والدور والإسهام المعهود من جانب هذه الدار العريقة في صون الشأنَيْن الإسلامي والوطني»، مضيفاً: «كلي تصميم أن أكون على مستوى الامانة التي عهدتم لي بها في رعاية الشأن الديني والوقفي والقضائي والخيري بحسب المراسيم والقوانين والأعراف المرعية وبما تقتضيه النزاهة والشورى».
وقال: «لا مجال اليوم ولا بعد اليوم، للانقسام بين المفتي والمجلس الشرعي الاسلامي الأعلى فقد وضع مشترعونا على طريق واضحة في التعاون والتضامن وأداء المهام والصلاحيات، وقد تلقينا درسًا بل دروسًا في هول ما يحصل»، مضيفاً: «لذا أنا مصرّ على العودة إلى مسار الألفة والوحدة والعمل بقدر الوسع والطاقة مع المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى للاستعداد لما هو ضروري».
واذ شدد على «ان ديننا دين الاعتدال والتسامح والتربية الاسلامية لو استقامت فستعالج كل مشكلات التطرف ويجب القيام بمهام اصلاحية»، اكد ان «بيننا وبين المسيحيين شراكات ووجوب عيش كريم ولو اختلفنا في بعض الامور فاننا لا نختلف على الحق في الدين والوطن والحرية والكرامة والعيش المشترك». وسأل: «كيف يُرغم المسيحي في الموصل على ترك الدار وتتهدد حياته وكرامته باسم قهر فاجر ما انزل الله به من سلطان؟ ويجب ان نقوم معاً بالواجب الديني والاخلاقي والوطني بمحاكمة هذه الفئة المتطرفة كما كافحنا التطرف دفاعا عن ديننا وانساننا».
ولاحظ «اننا تحملنا عبء النزوح السوري وعبء اللجوء الفلسطيني وبين هذا وذاك تحملنا وما نزال نتحمل العسف والقتل والاغتيال من القريب وغير القريب»، مضيفاً: «أتضامن واتعاطف مع المسيحيين فنحن معا نستطيع القيام بالكثير انطلاقا من لبنان وطن الرسالة والانسان. وستبقى دار الفتوى على صورة المسلمين واللبنانيين في سماحهم واقتناعهم العميق بوطنهم ودولتهم وعيشهم المشترك وانتمائهم العربي والديني. وسنبقى اهل العيش المشترك والمبادرة والدولة».
وبعدما زار دريان المفتي قباني الذي رحّب بخلَفه، كان الموعد في «بيت الوسط» حيث بارك الرئيس الحريري للشيخ دريان، وقال: «ان روح الرئيس الشهيد رفيق الحريري معنا في هذا اليوم لتبارك الجهد الذي قمتم به وتوصلتم من خلاله الى اختيار الشيخ دريان ليتولى قيادة دار الفتوى في مرحلة من اصعب المراحل في تاريخ لبنان. الامال معقودة عليكم يا صاحب السماحة في حماية الوحدة الاسلامية والتاكيد على الاعتدال والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، فالتحديات التي تواجه لبنان والامة كثيرة».
المفتي الجديد... السيرة الذاتية
المفتي الجديد للجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان من مواليد بيروت في العام 1953، هو رئيس المحكمة الشرعية السنية العليا ومدير عام المحاكم الشرعية السنية.
تقلّد مناصب عدّة أخرى منها أمانة سرّ مفتي الجمهورية اللبنانية الشهيد الشيخ حسن خالد، وكان مدير مكتب المفتي الشيخ محمد رشيد قباني، ومديراً لمؤسسة الخدمات الاجتماعية التابعة لمؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية في بيروت.
وتلقى المفتي المنتَخَب دراسته الثانوية الشرعية في أزهر لبنان في بيروت، وحصل على شهادتي الإجازة في أصول الدين والشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وتابع دراساته العليا في الأزهر في مصر ودراساته التربوية العليا في جامعة عين شمس بالقاهرة، وحصل على إجازات متعددة في العلوم الإسلامية المتنوعة من علماء.