«حزب الله» مستعدّ للتوافق على رئيس جديد للجمهورية

الحريري يفتح الأبواب أمام الخروج من المأزق السياسي وارتداداته الأمنية

1 يناير 1970 12:59 م
رسمت عودة الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري المفاجئة الى لبنان مساراً جديداً للواقع السياسي الذي اكتسب دينامية جديدة ليس بالضرورة ان تفضي الى إخراج البلد من مأزقه المؤسساتي المترتب على استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية ولكنها على الأقلّ ستساهم في «تصفيح» الوضع الأمني الذي تعرّض لاهتزاز خطير من خلال أحداث عرسال الأخيرة.

والواقع ان الساعات الاولى من رجوع الحريري قدّمت أجوبة واضحة عن المسار الذي سيتبعه وعن ملابسات هذه العودة التي تحدّت كل المخاطر الامنية التي كانت فرضت عليه المغادرة في ابريل 2011، وصولاً الى ارتسام ملامح المرحلة المقبلة و»قواعد الاشتباك» فيها انطلاقاً من «خطوط حمر» واضحة حددها زعيم «المستقبل» امام تياره كما قوى 14 آذار وزواره.

واذا كانت عودة الحريري حملت عنواناً رئيسياً هو تنفيذ الهبة التي اقرّها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمليارِ دولار أميركي للقوى الامنية والعسكرية، واستطراداً قيادة الاعتدال في لبنان في اطار محاولة تكوين «درع واق» يقيه تشظيات «جنون التطرف» المتطاير في العراق وسورية، فان الثوابت التي عبّر عنها زعيم «المستقبل» حيال العلاقة مع «حزب الله» و«أخطائه» وتأكيد ان مواجهة الارهاب «لا تتم إلا من خلال دعم الدولة اللبنانية وإقفال الحدود، والخروج من الأتون السوري»، كما بإزاء الملف الرئاسي، شكّلت مؤشراً قوياً دحض كل التأويلات عن ان رجوع الحريري جاء من ضمن تسوية اقليمية. علماً ان اوساطاً سياسية رأت «ان هذه الخطوة تعكس في جانب منها، معطوفة على المكرمة السعودية، الاهمية التي تعلّقها الرياض ومن خلفها المجتمع الدولي على عدم سقوط لبنان في قبضة التطرف وهو ما حتّم على الحريري ان يأخذ على عاتقه مخاطر أمنية كبيرة بقرار العودة، حرصاً على تكاتف الجهود خلف المؤسسة العسكرية في حربها على الارهاب وقطع الطريق على محاولات «شيْطنة» الطائفة السنية.

وقد أكمل الحريري امس رسم خطوط تعاطيه مع الواقع اللبناني بملفاته الساخنة الداخلية محدداً عبر اوساطه الثوابت الآتية:

* أن لا حاجة لأي لقاء مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «لان ثمة خلافاً سياسياً اساسياً على خلفية انخراطه في الحرب السورية ويجب أخذ الأمور على مهل» وهو الموقف الذي كرّس «ربط النزاع» مع الحزب.

* أن اللقاء مع رئيس البرلمان نبيه بري سيتم عاجلاً أم آجلاً، وهو ما فُهم منه انه في إطار تفعيل الاتصالات في اطار محاول البحث عن مخارج للفراغ الرئاسي وتحصين الوضع الداخلي حيال ازمات المنطقة.

* حسْم خياراته في الملف الرئاسي على قاعدة أنه لن يتخلى عن حلفائه وأنه لا يضع فيتو على أحد في الانتخابات الرئاسية شرط أن يحصل التوافق بين المسيحيين بداية، و»أن التعاون مع التيار الوطني الحر كان له ايجابيات كثيرة ونتمنى أن يُستكمل بغض النظر عما سيحصل في الرئاسة من أجل مصلحة البلد»، وهو الموقف الذي يعني عملياً سقوط حظوظ العماد ميشال عون الذي لفت امس اتصاله بالحريري لتهنئته بالعودة.

* حرص الحريري على اعتبار ان عودته يمكن ان تعطي زخماً للملف الرئاسي ولكن مع تشديده على ان هذه مسؤولية جميع الاطراف وليس زعيم «المستقبل» وحده، علماً ان اوساطه اشارت الى انه سيبدأ الحوار مع مختلف القوى السياسية على قاعدة أهمية التوافق على الرئيس مع تاكيده ان لا إنتخابات نيابية قبل الرئاسية.

وفي موازاة ذلك، تعتقد مصادر بارزة في قوى «8 اذار» ان الحريري عاد وفي جعبته ثلاثة ملفات: المكرمة السعودية، الانتخابات الرئاسية، والانتخابات النيابية، مشيرة عبر «الراي» الى ان الحريري لم يعد الى لبنان إلا بعدما أدركت المملكة العربية السعودية ان ما من احد يستطيع ان يفرض على الآخر رئيساً للجمهورية من دون توافق، إضافة الى ان الوضع المتفجر الذي تسببت به داعش والنصرة وتهديدهما للأمن القومي اللبناني اعتبرته السعودية خطراً على أمنها ايضاً، وهو ما دفع الى تليين الموقف وفتح المجال لمشاورات بصدر رحب يعتقد ان الحريري سيبدأها الاسبوع المقبل مرسلاً إشارات ايجابية عن رغبته في لملمة الامور والتوجه نحو مرشح توافقي للرئاسة، الامر الذي يمكن من خلاله سحب فتيل الجمود ودفع العملية السياسية الى الأمام».

ورأت هذه المصادر «ان المملكة العربية السعودية وايران ليس لديهما مرشح للرئاسة وهو امر موكل بأطراف الداخل الذين عليهم ايجاد المساحة المشتركة التي يقفون عليها لاختيار الرئيس الجديد، الذي سيكون للحريري دوراً فيه كرئيس محتمل للحكومة المقبلة في حال تم التوافق»، لافتة الى «ان عودة الحريري كانت بطلب سعودي اكيد لإضفاء اجواء ايجابية بعد التحديات التكفيرية التي فرضت على لبنان جراء الحرب الدائرة في سورية والعراق والتي طالت شظاياها بلدة عرسال اخيراً».

وتحدثت هذه المصادر عن «ان حزب الله على استعداد للتعاون والتخاطب من اجل صيغة مشتركة يتوافق عليها الطرفان ليصبح للبنان رئيساً جديداً يحكم في غمرة الصراع الموجود على أرضه في ظل وضع دقيق إنتشرت فيه قوات داعش والنصرة، وكذلك قوات عبدالله عزام، ليس في البقاع والشمال فحسب بل في قلب بيروت».

وكانت قوى 14 آذار التي استعادت «نبْضها» ومشهديتها باجتماعها الموسع برئاسة الحريري ليل الجمعة دعت «لضبط الحدود اللبنانية السورية من خلال نشر الجيش، مدعوما بقوات الأمم المتحدة، كما يتيح القرار 1701»، ومشددة على «إن ضبط الحدود بكل الاتجاهات لا يكتمل إلا بانسحاب «حزب الله» الفوري من القتال الدائر في سورية».

اما الحريري، الذي استقبل امس سفراء دول مجموعة الدعم الدولية للبنان، وشرح لهم المساعدة التي قدمها الملك عبدالله والمجهود لوضعها موضع التنفيذ، فأبلغ الى تيار «المستقبل» «ان هبة خادم الحرمين الشريفين فتحت طريق العودة إلى بلدي الحبيب والعودة هي أهم مكافأة لي».

واذ اكد «ان تقوية الدولة ومؤسساتها والجيش اللبناني خصوصاً تحمي الاعتدال»، قال: «إذا كان حزب الله يرتكب اخطاء بحق لبنان فهذا لا يعني ان نرد عليه بأخطاء مماثلة، أو أن نلجأ إلى كسر شوكة الدولة وهيبتها»، مكرراً «ان تدخل حزب الله في سورية لم يجلب للبنان الا الاذى (...) وعرض الجيش والقوى الامنية لاعتداءات من المجموعات الارهابية. وقد رأينا كيف يدفع الجيش ضريبة غالية من دماء شبابه بسبب اصرار حزب الله على فرض امر واقع لم يوافق عليه احد من اللبنانيين»، ومضيفاً: «اذا سقط الجيش لا سمح الله، نكون نحن اول الخاسرين، ولن يربح احد سوى النظام السوري وبشار الاسد ومن معهم».