مَنْ خليفة مَنْ؟ ومَنْ يتبع مَنْ؟ ومَنْ نصَّب مَنْ؟ / صراع بين «داعش» و«القاعدة» و«النصرة»... والقائمة تكبر
أكثر من «خليفة» للمسلمين في وقت واحد!
| كتب عماد المرزوقي |
1 يناير 1970
06:42 م
• ليبيا مرشحة لتقام فيها «خلافة» ثانية للجهاديين إذا احتدم الصراع بين الليبراليين والإسلاميين
• خلاف بين البغدادي والملا عمر حول من يتكلم باسم المسلمين «خليفة» لهم
• «داعش» لا يعترف بالملا عمر أو أي أمير آخر غير أميرها
• التعدد يمكن أن يكون بداية لحرب قد تندلع بين أنصار الخلفاء الثلاثة
• أي من «الخلفاء» الثلاثة لم يحز على أي شرعية من أي مؤسسة علمية أو دينية للمسلمين
في أول مصادفة تاريخية ثلاثة «خلفاء» للمسلمين يظهرون مرة واحدة في هذا العصر. واحد على الأرض (علنا) والآخر افتراضي (مختبىء) والثالث ينتظر. على الأرض أبو بكر البغدادي الذي نصبه أنصاره في تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) خليفة لكل المسلمين. الثاني الافتراضي مختبىء منذ 2001 ونصبه سابقا قبل نحو عقدين أنصار القاعدة والمسلمون الباكستانيون والأفغان وهو الملا عمر الذي اختفى منذ غزو الولايات المتحدة وحتى الآن وتعتبره القاعدة أميرا للمؤمنين وخليفة للمسلمين. والثالث هو الخليفة التي رجحت تقارير ان جبهة النصرة ستبايعه في سورية.
قد يعطي التعدد في «الخلفاء» الحرية للجهاديين في اختيار خليفتهم ويصبح لكل جماعة خليفة. كما يمكن أن يشتت خيار الجهاديين حول أي من الخلفاء هؤلاء يجب أن يتبعوا وايهم له الشرعية. كما يمكن أن يكون هذا التعدد بداية لحرب قد تندلع بين أنصار الخلفاء الثلاثة. لكن تجب الاشارة الى أن أيا من «الخلفاء» الثلاثة لم يحز على اي شرعية من أي مؤسسة علمية أو دينية للمسلمين.
الى ذلك فان الخلفاء الثلاثة المزعومين لم يحصل احد منهم على مبايعة بإجماع كل الجهاديين. فأتباع «النصرة» لا يريدون مبايعة غير أمير الجبهة ابو محمد الجولاني في سورية خليفة للمسلمين. واتباع القاعدة في العالم وخصوصا في افغانستان لا يرون الا الملا عمر خليفة واتباع البغدادي لا يرون غيره خليفة. كما أن ظهور اكثر من خليفة قد يشجع على سبيل المثال تنظيم جماعة انصار الشريعة في ليبيا وتونس لاختيار زعيمهم ابو عياض خليفة للمسلمين في حال سيطر الاسلاميون على مناطق كبيرة في ليبيا.
هذا التعدد في «الخلفاء» يفتح الباب امام احتمالات كثيرة اهمها نشأة امارات اسلامية متعددة في البلاد العربية بدعوى اقامة الخلافة، حيث ان أي جماعة تستطيع افتكاك أرض أو الاستيلاء عليها وتقيم عليها خلافة وتنصب أميرا لها وخليفة.
المخاوف تزداد لأن تعداد الجهاديين في تزايد وخطرهم في تزايد خصوصا على المناطق الحدودية العربية، فهم في الحدود السورية - العراقية وفي الحدود الليبية -المصرية وهم في الحدود الجزائرية - التونسية وفي الحدود المالية - الجزائرية، وهم ايضا يرابطون في الحدود الأفغانية - الباكستانية وهم أيضا على الحدود العراقية -الأردنية. انهم في كل مكان.
ورصدت تقارير دولية تحركات الجهاديين في السنوات الأخيرة على انها تحركات نشطة بنسق متسارع حيث تفرخت خلايا جهادية كثيرة في العديد من المناطق العربية ولم يعد تواجد الجهاديين حكرا على مناطق الصراع بل امتد الى مناطق يمكن ان نطلق عليها بالحاضنات المستقبلية للعنف الاجتماعي. وهذه الحاضنات تتوافر كثيرا في المناطق التي تتعزز فيها مؤشرات التهميش الاجتماعي والفقر والبطالة. فقد أظهرت سابقا دراسة على موقع «بوفرتيز» أن «المشكلة الحقيقية في نزوع عدد من الشباب الى العنف والسلوك العدواني هو الشعور بالحرمان والنقص وعدم المساواة وهذه المؤشرات الاجتماعية تتوافر كثيرا في المجتمعات الفقيرة او غير الديموقراطية والتي تكون فيها نسب أمية مرتفعة. فهناك أطفال كثر في دول فقيرة لم يذهبوا الى المدراس اطلاقا وكان هذا سببا وجيها في تحول نسبة كبيرة الى عالم الاجرام والعنف. في نهاية المطاف الفقر يدفع الفرد الى اليأس والاحباط واللجوء إلى الجريمة».
ومثل هذه المؤشرات على تردي الأوضاع الاجتماعية تتوافر كثيرا في دول عربية. فبالاضافة الى مناطق الصراع المعروفة (سورية، العراق، فلسطين، ليبيا،) هناك دول اخرى تعرف تدهور الأوضاع الاجتماعية وزيادة معدلات الاكتئاب فيها وهي من أهم الأسباب الدافعة نحو الشعور بالاحباط والاقبال على العنف كوسيلة تعبير عن الغضب، ومن بين هذه البلدان نذكر مصر والسودان واليمن وتونس ولبنان والأردن. أغلب هذه الدول تعرف ظروفا اقتصادية صعبة قد تكون محفزا ليأس شريحة كبيرة من الشباب، الأمر الذي دعى آلافا منهم الى الهجرة للبحث عن فرصة عمل ومنهم من هاجر ايضا للبحث عن متنفس للغضب لشعور بعدم الرضا في بلده. ومن بين الذين هاجروا للتعبير عن غضبهم من تردي الأوضاع في بلدانهم برز نجم الجهاديين أو المقاتلين الذي تورط بعضهم في أعمال عنف وجرائم بشعة دالة على سلوك عدواني وغير انساني.
ومع بروز اكثر من «خليفة» و«أمير للمؤمنين» قد يزيد حماس المقاتلين للهجرة الى اماكن تجمع الجهاديين في العراق اساسا وفي سورية، وقد يكون الاتجاه الثالث مستقبلا نحو ليبيا التي تعيش الظروف نفسها التي مر بها العراق.
ويبدو ان الغرب لا يفضل الاسلاميين في ليبيا ويدعم بطريقة غير مباشرة قوات اللواء خليفة حفتر الذي يقاتل كتائب الثوار الاسلاميين بدعوى اقامة دولة مدنية لا دينية يحكمها الاخوان والمتشددون. اما الاسلاميون فيرون ان لديهم حقا وشرعية في ادارة مستقبل ليبيا على ان تكون دولة تتفق سياستها مع الشريعة. وهذا الاختلاف في تفسير مفهوم الدولة بين الليبراليين والاسلاميين قد يدفع الى سيناريو عراقي اذا دعمت الدول الاقليمية والكبرى طرفا على حساب آخر، واذا ما تم دعم حفتر على حساب الاسلاميين فإن الاسلاميين قد يتراجعون ويتخذون موطنا لهم يتمترسون فيه بغاية رغبتهم في اقامة حكم ذاتي يتبع المنهاج الاسلامي وقد يكون قريبا من طابع الخلافة. فهناك تيار جهادي متشدد يتواجد في ليبيا متمثل في تنظيم انصار الشريعة الذي بايع زعيمه التونسي ابو عياض خليفة «داعش» ابو بكر البغدادي. كما أكّدت تقارير إعلامية متطابقة أن تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا يعتزم تأسيس مقر جديد آخر لدولة الخلافة، وتسميته بـ «الدولة الإسلامية» كفرع تابع لـ «داعش». لكن من يضمن عدم خروج انصار الشريعة والجهاديون الآخرون عن بيعة البغدادي اذا اصبح لهم تمكين على احد اقاليم ليبيا. ويذكر ان اغلب قيادات انصار الشريعة من التونسيين والليبيين وهذا ما قد يقود الى احتمالات صراع متوقع على زعامة الجهاديين والخلافة بينهم وبين العراقيين الذين يرأسون المناصب العليا لمجلس «الخلافة الداعشية» في العراق. كل الاحتمالات موجودة كما ان احتمالا ان تكون هناك ولاية داعشية في ليبيا يعتبر واردا اذا بقي الود بين انصار الشريعة و«داعش». لكن قد ينقلب هذا الود الى انفصال كما حدث بين «داعش» و«جبهة النصرة» التي بدورها تفكر في تنصيب خليفة لها.
لكن ما هو طريف في الجانب الآخر من الموضوع هو ان الخلاف بين زعامة الخلافة الاسلامية بدأ منذ أول مناسبة دينية اسلامية بعد اعلان البغدادي نفسه خليفة للمسلمين، حيث نشر كل من «الخليفتين» و«اميري المؤمنين» على حد زعمهم -الملا عمر وابو بكر البغدادي - قبيل مناسبة عيد الفطر بيانين منفصلين كل واحد منهما يهنئ جميع المسلمين بالعيد باسم «امير المؤمنين»، وهو الأمر الذي اثار غضب انصار «داعش» الذين احتجوا على بيان الملا عمر في ظل وجود «خليفة» شرعي حسب اعتقادهم وهو ابو بكر البغدادي. فمن خليفة من؟ ومن يتبع من؟ ومن نصب من؟ وكيف يختار المسلمون خليفتهم هل بالقتال ام القول الحسن والموعظة والدعوة بالتي هي أحسن؟!