حفيد حسب الله: فرقتنا الشعبية آخر ما بقي من زمن الفن الجميل ... عبد السلام النابلسي أساء لنا وسعاد حسني أنصفتنا

1 يناير 1970 11:21 م
|القاهرة - من نهى الملواني|

أظنك لم تكن تتصور أنهم شخصيات حقيقية يعيشون معنا في زمن الكمبيوتر والإنترنت والتكنولوجيا المتطورة، لكن الحقيقة أنهم موجودون بالفعل هناك على قهوة «الآلاتية» بشارع محمد علي «بالقرب من وسط القاهرة» يجلسون عليها.. في انتظار أي «فرح» أو «لقمة عيش» - على حد تعبيرهم - وكأنهم شخصيات هاربة من زمن لم نعرف عنه شيئا أو من فيلم عربي قديم لا يدرون بما يحدث حولهم من تطور.

وكل مشكلتهم.. هذا الوافد الموسيقي الجديد الـ «دي ـ جي» الذي أثر على الطلب عليهم وجعلهم لا يجدون العمل إلا في موسم رمضان والأعياد.

إنهم فرقة حسب الله الذين ذهبنا إليهم في شارع محمد علي، وتحدثنا مع الريس «محمد مخلوف» ابن حسن مخلوف، وهو آخر رئيس للفرقة.

 وكان هذا نص «الراي» معه:

• كيف بدأت فرقة حسب الله.. وهل الشاويش حسب الله كان شخصية حقيقية بالفعل؟

- الفرقة بدأت تقريبا في العام 1860 .. على يد «الشاويش حسب الله» وهو شخصية حقيقية ولكنه لم يكن صاحب الفرقة وإنما كان يعمل في فرقة سواري الخديو عباس حلمي..حيث كانت هناك فرقة دائمة خاصة بالقصر الملكي للعزف في جميع المناسبات الرسمية.

ولكن الشاويش حسب الله لم يستمر في السواري وإنما استقال منها وكون أول فرقة موسيقية نحاسية بالشارع..حيث لم يكن لها مقر ثابت وإنما كانت تتجول في شوارع القاهرة.

إلى أن استقرت في شارع محمد علي.. وكان وقتها أشهر الشوارع التي تحتضن أهل الفن.

• وكيف كان حال الفرقة.. عندما انطلقت من شارع محمد علي؟.

- عندما جاءت الفرقة لشارع محمد علي كان عدد أفرادها قد وصل إلى 11 فردا، وكان لهم زي مميز وموحد أقرب إلى زي رجال الحرس الملكي البريطاني، وكانت هذه الفرقة مشهورة بإحياء حفلات الزواج.. حيث كان أفرادها ينتظمون في صفين يسبقان العريس قبل دخوله، وكان لابد أن يتقدمهم عازفو النقرزان والطبل البلدي وكان الشاويش حسب الله أو «حسبو أفندي» كما كان أفراد الفرقة ينادونه هو قائد الفرقة.

• كيف كانت طباع وسمات «حسبو أفندي»؟

- حسبما سمعت عنه من والدي، كان رجلا أنيقا جدا يهتم بمظهره وجميع أعضاء فرقته، كما كانت لديه معزوفات خاصة به تحفظها الفرقة وترددها.. ووقتها لم تكن هناك نوتة موسيقية.

 ولذلك كانوا يقومون بإجراء بروفات دائمة حتى لا ينسوا المعزوفات التي كان على رأسها السلام الملكي الذي كان السلام الرسمي للدولة في ذلك الوقت، وكان لابد أن يعزف في الأفراح.

• ومن رئيس الفرقة حاليا؟

- أنا آخر رؤساء الفرقة، ونحن بشكل عام نتوارث هذه «المريسة» أبا عن جد، ولكن للأسف أبنائي لم يحبوا هذه المهنة، لذلك نحن نخشى على الفرقة من أن تختفي مع الزمن، خاصة أن عددنا الآن «5» فقط. وقد أصبحت أنا وفرقتي آخر ما بقي من فرقة حسب الله، ولكننا لانزال نحافظ على الزي الموحد والمميز لنا، بل ونسير على النهج نفسه الذي توارثناه عن آبائنا، وأنا وأعضاء فرقتي آخر ما بقي من هذا الزمن الجميل.

• وهل لايزال هناك طلب على الفرقة؟

- للأسف «الشغل» أصبح قليلا جدا ولا نجد فرصة العمل إلا فيما ندر، لدرجة أننا نجلس على القهوة طوال النهار تقريبا في انتظار لقمة العيش. وغالبا ما نطلب في الأفراح البلدي، وهناك من يطلبنا أيضا على سبيل أننا جزء من التراث أو «أنتيكة» يضحك المعازيم عليها.

• ولكني أعلم أن الأفراح الشعبية لم تكن تخلو من وجود فرقة حسب الله؟

- هذا الأمر كان في الماضي، أما الآن فالوضع اختلف تماما، خاصة بعدما أصبح الجميع يعتمد على الـ «دي جي»، فضلا عن أن مزاج الناس تغير وأصبحوا لا يميلون إلى الموسيقى الشرقية الأصيلة.

• ولماذا لم تسعوا إلى تطوير أنفسكم؟

- لأننا لابد أن نحافظ على شكلنا الذي توارثناه واعتاد الناس علينا به، بالإضافة إلى أن التطوير نفسه يحتاج إلى أموال وهذا طبعا غير متوافر لنا.. حتى إننا لم نفصل زيا جديدا منذ «7» سنوات.. خاصة أن ملابسنا تتكلف أكثر من 100 جنيه للبدلة الواحدة. والموسم الوحيد في السنة الذي تنتعش فيه الأمور إلى حد ما هو شهر رمضان.. حيث تطلبنا بعض الفنادق في الخيام الرمضانية لإضفاء جو شرقي.

• معظم الناس لم تعرف فرقة حسب الله إلا من خلال أفلام السينما القديمة.. فما رأيك في الصورة التي ظهرت بها في السينما؟

- فرقة حسب الله ظهرت في أفلام كثيرة، ولكن في فيلم «شارع الحب» تحديدا كانت الفرقة هي محور أحداثه، ولكننا نشعر أن هذا الفيلم لم ينصفنا، لأن الشكل الذي ظهر به عبدالسلام النابلسي.. أساء لنا، خاصة في مثل ذلك الوقت.. حيث كانت الفرقة لها شأن كبير وتجوب البلاد بطولها وعرضها.

كما أن الشاويش حسبو نفسه وقتها - حسبما سمعنا عنه - كان يمتلك عمارة في شارع محمد علي، وكان يحرص على أن يكون زر الجاكيت الذي يرتديه مطليا بالذهب وكانت الفرقة تحيي أفراح الملوك والأمراء والباشوات. أما عن الفيلم الذي أظهر شارع محمد علي على حقيقته بالفعل واقترب كثيرا من طبيعة حياتنا فهو فيلم «خلي بالك من زوزو».

• يقال إن فرقة حسب الله هي التي اخترعت ظواهر مثل «كدابين الزفة» أو «لبيسة المزيكة».. فهل هذا حقيقي؟

- ربما يكون ذلك حقيقيا ..وفكرة «كدابين الزفة» أنهم كانوا مكملين للفرقة، وغالبا ما يكون عددهم من خمسة لستة أفراد ويقتصر دورهم على الوقوف في صفين أمام موكب العريس والعروس لإضفاء بهجة خاصة، وذلك بهدف زيادة الأجر والحصول على «النقطة» أيضا.

حيث إن الفرقة بهؤلاء ستأخذ حسابها على أساس 11 فردا، فهم ستة إضافة إلى الخمسة الأساسيين.. لذلك أطلق عليهم كدابين الزفة لأنهم ليس لهم دور حقيقي.

• وهل لاتزال هذه الفكرة موجودة؟

-لا.. فعدد أفراد الفرقة الآن هم العازفون فقط.

• هل توجد فرقة حسب الله أخرى في مصر غيركم؟

- لا.. نحن فقط، ولا توجد أي فرقة غيرنا.

• ألم تفكروا مرة في تغيير مقركم من شارع محمد علي إلى مكان آخر؟

- لا طبعا.. فشارع محمد علي هو المقر الرئيسي للفرقة منذ نشأتها ولم نغيره أبدا ومن يريدنا يعرف مقرنا في هذا الشارع.. بالإضافة إلى أنه توجد هنا أشهر متاجر للآلات الموسيقية وورش تصنيع المزمار والعود والرق، وهذه هي الآلات التي نستخدمها في الفرقة.

• هل تتوقع أن تستمر فرقة حسب الله في ظل هذا التطور الذي يلاحقنا من كل اتجاه؟

- أنا أتمنى هذا ولكن أظنه.. شيئا صعبا جدا، خاصة أنه لا يوجد من يرث هذه المهنة من بعدنا، فأنا آخر من ورثها من عم «حسن مخلوف» رحمه الله.



الريس محمد مخلوف حفيد حسب الله



أحد أعضاء الفرقة