المرأة... والرجل في البيت!
| عبدالله محمود الهزاع |
1 يناير 1970
11:09 ص
كثر على لسان النساء المسلمات في هذه الأيام قول: (المرأة هي الرجل في البيت)، وغيرها من العبارات الدالة على أن المرأة هي الراعية في بيتها من دون الرجل. وعند التأمل والنظر إلى الواقع نجد أنّها حقيقة مرة، وآفة معضلة مُحدثة خيمت على مجتمعنا الكويتي. فالرجل في هذه الأيام يظهر لزوجته في بداية زواجهما محاسن الأخلاق، وبشاشة الوجه، وسعة الصدر، والكرم والجود، والكفاءة على تحمل المسؤولية وخذ من أمثلة الشهامة ما شئت، حتى إذا أرهقته الأيام، وجاء الأبناء، وكثرت المسؤولية، وزادت الرعية، عجز عن تحمل الأمانة، وسرعان ما يسقط قناع «الشهامة» فيكشف لزوجته عن وجهه الحقيقي. فيلقي عليها عبء الحياة! غير مبال لها ولا لأبنائه الذين رزقه الله إياهم، فيذهب لأصحابه في (الدواوين) ويسهر إلى ما شاء الله، ويترك مسؤوليات البيت بالكلية، فالزوجة: هي الأم، وهي المربية، وهي (السائق) الذي يأخذ الأبناء مِن وإلى المدرسة، وهي التي تذهب لقضاء حاجات المنزل من أطعمة وأشربة وغيرها، وهي الخادمة، وهي الأب!
فإذا ما قصرت في وظيفة من وظائفها التي لم يكلفها الله بها، أسمعها كلاماً كالسم، والسم أحلى منه! لماذا نسيتي أن تذهبي للقاء أولياء الأمور في مدرسة الولد؟ ولماذا لم تأخذي فلانا للحلاق لقص شعره؟ ولماذا لم تعلمي البنت على عدم التأخر في خروجها من المنزل؟ وما هي وظيفتك أنت يا (رجل)؟! متى كانت المرأة رجلاً في الإسلام؟! أبعد هذا التقصير والتفريط المخزي، الناتج عن قلة الرجولة وعدم المسؤولية، وانتكاسة الفطرة تعترض عليها وتخلي مسؤوليتك؟! أتحسب أنّ الله لا يراك؟! بلى وربي ليحاسبنّك ملك الملوك وأعدل العادلين وأسرع الحاسبين، الذي يراك من فوق سبع سماواتٍ. فعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) رواه البخاري. وقوله عليه الصلاة والسلام: (وكلكم مسؤول): أي محاسب ومسؤول أمام الله.
فاستيقظوا يا رجال! فإنّ تحميلكم لزوجاتكم ما لا يطقن من عبء الحياة ومشاقها تخريب لأنوثتهن التي جعلها الله فيهن، وتغيير لفطرهن، والعجب كل العجب ممن اشترط على زوجته العمل قبل الزواج! حتى إذا رباها على الكدح والشقاء معه لكسب لقمة العيش، قال: زوجتي لم تعد امرأة! أبعد أن أفسدتها تندب حالك؟ ثم تبحث عن امرأة أخرى تتزوجها لتكون أكثر أنوثة منها، فإذا ما تزوجت الأخرى اشترطت عليها ما اشترطت على الأولى و...؟! فاتقوا الله عباد الله في نساء المسلمين، فإنهن أمانات في أعناقكم، أخذتموهن من بيوت أهاليهن على أن تحفظوهن وتكرموهن حتى يأتيكم الأجل. قال تعالى: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا)، وأحسنوا إليهن، قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)، وقال: (وعاشرهن بالمعروف). وفي الصحيحين عن النبي– صلى الله عليه وآله وسلم-: (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا)، متفق عليه. وقال:(رفقا بالقوارير) ، متفق عليه.
فإن كرهتم منهن خلقا فاصبروا، فلا كامل إلا الله وحده، ولعلكم ترضون منهن خلقا آخر، قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيها خيراً كثيراً)، فيكون الخير الكثير في الولد الصالح أو غير ذلك. واجعلوا عباد الله حديث المصطفى –صلى الله عليه وآله وسلم- نصب أعينكم، (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي. فالتزموا هديه –عليه الصلاة والسلام- ففيه الصلاح في المعاش والفلاح في المعاد. وهذه وصيتي إلى أختي المسلمة:
أولا: أوصيك بتقوى الله في نفسك، فإنك محاسبة يوم القيامة وموقوفة بين يدي الجبار، لا تنفعك شفاعة الوسطاء في الدنيا، فاحفظي نفسك وعفي فرجك، وكوني أُماً مثالية يقتدى بها، فإنّ الأبناء مفطورون على تقليد والديهم منذ الصغر، ولكي في سيرة أمهات المؤمنين والصحابيات الجليلات– رضي الله عنهن- أسوة حسنة.
ثانيا: اتقي الله في زوجك، فإن من واجب المرأة طاعة زوجها، وتلبية أوامره، وكسب رضاه، ولا تلتفتي لبعض مشايخ الفضائيات الذين يزعمون أن المرأة ليس من شأنها رعاية زوجها وخدمته، فعن أبي هريرة– رضي الله عنه- أن رسول الله– صلى الله عليه وآله وسلم- قال (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت). رواه ابن حبان وصححه الألباني فإن أمر الزوج امرأته أن تطهي له الطعام، وتنظف منزله، وتحسن ثيابه، وترتب محله، -وغيرها من الأمور التي يعرفها (جيل الأجداد) وتكاد أن تنقرض في عصرنا الحاضر- كان واجبا على المرأة تلبية طلبه وامتثال أمره، وإلا فما فائدة المرأة؟ وما معنى كونها (ربة بيت)؟ وإن كانت المرأة للاستمتاع بها في نظر البعض فقد أهانوا المرأة المسلمة وأهانوها من حيث يشعرون أو لا يشعرون، لأنهم جعلوها كالدابة، وما عرفوا حقها وقدرها. وجاء في الحديث عن النبي–صلى الله عليه وآله وسلم-: (لو كنت آمراً أحدا ليسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)، رواه الترمذي وابن ماجه. وفي الحديث دليل على أنّ تعظيم الزوج أمر مطلوب شرعاً، ولا يخفى على كل مميز مهما اختلفت ديانته: أنّ تربية الأبناء على تعظيم الأب واحترامه، وعدم مخالفة أمره، يرفع هيبته في نفوس الأبناء، ليمتثلوا له السمع والطاعة له، فتقل أخطاؤهم خشية معاقبته لهم، وتتكبل انحرافاتهم، وهكذا تنضبط مسيرة الحياة الأسرية. وهذا أدب نبوي علمنا إياه رسول الله– صلى الله عليه وآله وسلم- مع كل من ولاه الله علينا من أب أو حاكم أو عالم.
ثالثا: ربي أبناءك على الصلاة ولزوم العبادة، والتنفل، وذهاب الأولاد للمساجد، ومحافظة البنات على الصلاة في وقتها، وتحفيظهم جميعا كتاب الله، وما تيسر من كلام خير البشر رسول الله– صلى الله عليه وآله وسلم-، وعلميهم التوحيد والعقيدة الصحيحة، والأدعية المأثورة، ولا تربيهم على سماع المنكرات، ورؤية المحرمات، والذهاب للأسوقة والجلوس فيها –وهي آفة مجتمعنا- فعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: (لا تكونَنَّ - إن استطعت - أوَّل مَن يدخل السوق، ولا آخر مَن يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها يَنصب رَايته) رواه مسلم. لتخرجي للإسلام جيلا ينفع الله به الإسلام والمسلمين. وبعد، فإن التقصير عن الواجب أمر لابد من وقوعه كوناً، فليصبر الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها، وليُكمّل الواحد منهم الآخر. عسى الله أن ينفع بآبائنا وأمهاتنا، ويصلح ذرياتنا، ويحفظ أبناء المسلمين بحفظه.