الحريري: ما يتعرض له المسيحيون في الموصل اعتداء على عروبتنا وإسلامنا
لبنان يستعيد «التسويات الظرفية» لإبقاء الحكومة «خط الدفاع» الدستوري الأخير
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
11:11 ص
تعكس الخطوات التي تتخذها حكومة الرئيس تمام سلام في مواجهة الأزمات التي يواجهها لبنان الطبيعة الهشة لواقع العلاقات الذي يجمع أطرافها السياسيين من جهة وصعوبة تَجاوُز الطابع الظرفي الموقت لأي قرار تتخذه وسط أزمة الفراغ الرئاسي التي تبدأ اليوم شهرها الثالث.
وقد برز هذا الامر بوضوح في الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء اللبناني امس وتجاوز من خلالها أزمة كادت تهدد بعدم دفع رواتب الموظفين في القطاع العام هذا الشهر وأمكن بشق النفس التوصل الى تسوية توفر التغطية القانونية لدفع الرواتب. ولكن هذه التسوية، التي ارتكزت على الإنفاق من احتياطي القانون 238 الذي كان قد أقره مجلس النواب أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وتم بموجبه إقرار اعتماد إضافي على موازنة 2005 (مخصص لتغطية أي نفقات إجرائية مستجدة، تحتاج اليها الوزارات والإدارات)، حملت دلالة مهمة لجهة انها جاءت ثمرة حوار مباشر بين كتلة «المستقبل» النيابية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة وحركة «أمل» (بزعامة الرئيس نبيه بري) عبر وزير المال علي حسن خليل. وأمكن التوصل اليها قبل نهاية الشهر وحلول عيد الفطر بعد طول مماحكات ومناورات تتصل بالطابع القانوني لموضوع الإنفاق المالي اذ حاول رئيس مجلس النواب نبيه بري استدراج «كتلة المستقبل» وقوى 14 آذار الى حضور جلسة تشريعية لإصدار قانون بتغطية الإنفاق فلم ينجح في ذلك ولكنه نال في المقابل بداية معالجة للملفات المتصلة بالإنفاق وسلسلة الرتب والرواتب في الايام المقبلة.
وهذا التوازن السلبي الإيجابي في آن واحد يبدو بمثابة الخط البياني الذي يحكم عمل الحكومة في الظرف الراهن اذ ان مجلس الوزراء خاض ايضاً امس مماحكات معقّدة لحلّ مشكلة تعيين مجلس لعمداء الجامعة اللبنانية وهي مشكلة تحوّلت الى معركة محاصصة حزبية وسياسية وخرجت عن إطارها الاكاديمي بفعل طغيان اللون الحزبي والسياسي على التعيينات.
وقالت مصادر وزارية مطلعة لـ «الراي» ان من غير الوارد توقع اي طابع اخر غير الطابع الظرفي لتسويات جزئية كتلك التي اعتُمدت امس لئلا يكون البديل تعطيل عمل مجلس الوزراء وإلحاقه بمجلس النواب المعطل وبرئاسة الجمهورية الشاغرة. وتشير المصادر في هذا السياق الى ان جميع الاطراف بدأوا يظهرون واقعية واضحة في التعامل مع واقع ان الحكومة صارت الجامع الدستوري الاخير في البلاد وتجنُّب تعطيلها ولو استلزم الامر تسويات ظرفية وقصيرة المدى لتسيير أمور الناس في الحدود البديهية والاولويات الملحة. ذلك ان دفع الرواتب مثلا لأشهر ثلاثة سيفرض التوقف عن صرف نفقات الوزارات في أوجه اخرى عدة، كما ان ثمة تسوية ظرفية مماثلة تجري الاستعدادات لها لملف سلسلة الرتب والرواتبن من دون اغفال المفاعيل «التبريدية» المرتقبة لجلسة «كسر الجليد» بين الرئيس بري وفريق 8 آذار من جهة وبين و14 آذار من جهة أخرى التي تُعقد غداً السبت من أجل توحيد التضامن النيابي مع شعب غزة ومسيحيي الموصل.
وتشير المصادر نفسها الى ان هذا الواقع سيبقى على هذا المنحى الى ان يُبت مصير الاستحقاق الرئيسي الآخر وهو مصير الانتخابات النيابية التي يفترض ان توجه وزارة الداخلية الدعوة الى الهيئات الناخبة في العشرين من اغسطس المقبل علما ان ثمة مهلة ثلاثة أشهر لإجراء الانتخابات قبل 20 نوفمبر. وإذ يغلب الانطباع بان التمديد لمجلس النواب الحالي يبدو خياراً حتمياً، فان المصادر تخشى من احتمال عدم التوصل الى تفاهمات واسعة على التمديد ولا على اي قانون انتخاب جديد بما يفتح الباب جدياً على فراغ مجلسي ايضاً.
ولذا تقول المصادر ان بداية تحركات سياسية نيابية ستتظهّر مع الأسبوعين الأولين من اغسطس المقبل بقصد السعي الى تمديد توافُقي لمجلس النواب وتجنُّب خطر تمدُّد الفراغ الى مجلس النواب، معربة عن اعتقادها ان عودة الحوار بين حركة «أمل» وكتلة «المستقبل» بدفع من النائب وليد جنبلاط قد تتطور لاحقاً نحو بلورة غالبية نيابية واسعة للتمديد لمجلس النواب ولو خالف هذا الاتجاه تكتل العماد ميشال عون الذي يرفض حتى الساعة التسليم بانتفاء حظوظه في تكوين تفاهم على اعتماده مرشحاً توافقياً رغم الاشارة القوية في هذا الاتجاه التي وجهها الرئيس سعد الحريري في خطابه الأخير الذي تجاوز عملياً اي امكان للتوافق على عون الذي لم يستطع الحصول على موافقة مسيحية عليه (من مسحيي 14 آذار)، لينقل الحريري النقاش في الملف الرئاسي من البيت المسيحي الى المستوى الوطني على ان تتكثف الاتصالات على هذا الصعيد بعد عيد الفطر.
وفي حين تعتبر دوائر سياسية في بيروت ان العماد عون يحاول الاستفادة من الحدَث العراقي وتحديداً تهجير المسيحيين من الموصل لاعتبار ان انتخابه هو «تعويض» في الساحة اللبنانية للمسيحيين ورسالة بأن واقعهم في لبنان مختلف ساعياً تالياً الى حشْر «المستقبل» في زاوية السير به او اعتبار انه يكمل ما بدأ يُمارس بحق المسيحيين في العراق، كان لافتاً موقف للرئيس سعد الحريري من هذا الملف اذ اعرب عبر «تويتر» عن «تضامنه الكامل مع أشقائنا المسيحيين في الموصل» وقال إن «ما يتعرضون له مرفوض بكل المعايير الدينية والإنسانية، وهو اعتداء على عروبتنا وإسلامنا».
البطريرك الماروني يريد محاورة «داعش»: لنتفاهم على أساس إنسانية الإنسان التي تجمعنا
| بيروت - «الراي» |
وجّه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي دعوة مفاجئة لتنظيم «داعش» إلى الحوار «على أساس إنسانية الإنسان التي تجمعنا»، ومنتقداً في الوقت نفسه «الدولة الاسلامية» بسبب ما قامت به في العراق وتهجيرها المسيحيين من الموصل، واصفاً أعمالها «بالقضاء على جوهر الإسلام واعتماد لغة السلاح والإرهاب والعنف».
وجاء كلام الراعي خلال عشاء اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام اذ قال عند التطرق الى الملف العراقي، انه «لم يكن أحد يتصوّر ما آلت إليه البلاد من نزاع وحرب وخراب وقتل ودمار على أيدي مكوّنات هذا الوطن. ولم يخطر على بال أحد أن تعود منظّمة «داعش» أي «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، بالإنسانية والمدنية إلى هذا الحدّ من التراجع إلى الوراء، حتى الوصول إلى تهديد المسيحيين الآمنين المخلصين لوطنهم، المقيمين في الموصل العزيزة، وطردهم من بيوتهم وأراضيهم ومصادرة كلّ ممتلكاتهم، وإخراجهم منها فقط بالثياب التي عليهم، وسلبهم كل ما يحملون من مال أو حلي أو أمتعة، من دون أي شفقة أو رحمة أو أدنى شعور إنساني».
ووجه رسالة لـ «داعش» بالقول: «واحدة فقط تجمعنا بكم هي إنسانية الإنسان. تعالوا نتحاور ونتفاهم على هذا الأساس. فلا قيم الدّين تجمع بيننا وأنتم تنقضون جوهر الإسلام وتعاليمه؛ ولا فن السياسة الشريف، فأنتم تعتمدون لغة السلاح والإرهاب والعنف والنفوذ، أما نحن فلغة الحوار والتفاهم واحترام الآخر المختلف، ولغة التعددية في الوحدة، ولغة الديموقراطية وحقوق الإنسان. ونسألكم ماذا فعل المسيحيّون في الموصل وكل العراق العزيز سوى الخير والتقدم والازدهار، على جميع المستويات الثقافية والاقتصادية والإنمائية والحضارية كي تعاملوهم بمثل هذا الحقد والتعدّي؟ لماذا تهدمون ثقافة وحضارة بنيناهما معاً، مسيحيين ومسلمين، منذ 1400 سنة من الحياة المشتركة؟ ألم يكن المسيحيون في أساس النهضة الحديثة في العراق؟ ولماذا تهدمون التراث العراقي الثمين من كنائس قديمة تعود إلى القرن الرابع والخامس، ومخطوطات نفيسة أصبحت ملك البشرية، وهي في عهدة السلطة المدنيّة، وتستفيد منها على كلّ صعيد؟».
وشدد على «اننا نعلن من جديد تضامننا مع إخواننا المسيحيين في الموصل وكلّ العراق العزيز. نتضامن مع كنيسة المسيح التي في العراق، ونلبّي نداء غبطة أخينا البطريرك لويس روفائيل ساكو، بطريرك بابل للكلدان، ملتزمين الصلاة وكلّ مساعدة لصمود المسيحيين في أرضهم ووطنهم. فالعراق بحاجة إليهم اليوم أكثر من أي وقت. إنّه بحاجة إلى إنجيل المسيح، إنجيل المحبة والأخوّة، إنجيل السلام والعدالة».
وفي الشق اللبناني وتحديداً الانتخابات الرئاسية، أشار الراعي إلى ان «في لبنان السّادة نوّاب الأمّة يطعنون مرّةً أخرى، واليوم بالذات، كرامة رئاسة الجمهورية وكرامة الشعب اللبناني ولبنان، بعدمِ اكتمال النصاب والإحجام عن انتخاب رئيس للجمهورية، من دون أن يتمكّنوا من اتّخاذِ أي مبادرة إيجابية، أو أي مبادرة عملية إنقاذية شجاعة من الفريقَين المتنازعَين 14 و8 آذار ومن الفريق الوسطي، لا على صعيد المرشّحين، ولا على صعيد طرح للحلول». سائلاً: «هل الى هذا الحدّ هم مكبّلون في قراراتهم وآرائهم وحرياتهم، ومرتهنون لمصالحَ شخصية أو فئوية من الداخل، ولارتباطاتٍ مؤسفة مع الخارج؟».
وكان البطريرك الماروني علق في تصريح صحافي على المبادرة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري في خطابه الأخير، مؤكداً أنها «ممتازة جداً ويجب أن تُنفّذ». وقال: «مبادرة الرئيس الحريري قيّمة وتمثل خريطة طريق لإنجاز الانتخابات الرئاسية ويجب أن تحظى بالاهتمام السياسي والإعلامي الملائمين».