د. سليمان الخضاري / فكر وسياسة

غزة... كم حاولت أن أتجنّبك!

1 يناير 1970 04:49 م
فعلا لقد حاولت كثيرا وكثيرا أن أتجنب الكتابة في الشأن الفلسطيني، لعدة أسباب، وأهمها، أنني وبمنتهى الصراحة، مشوش و «متلخبط».. كثيرا!

أنا مثل الكثير من أبناء جيلي نمثل حلقة الوصل بين جيلين متناقضين، جيل قومي ثوري احتلت القضية الفلسطينية منه محل القلب والقطب من الرحى، وجيل أزعم أنه لا يفقه تلك الشعارات ولا يستوعب أيا منها.

نشأنا وفلسطين كانت قضيتنا الأولى، والقدس وتحريرها هو غاية أحلامنا، ومناهجنا الدراسية منصبة على تحفيظنا أننا أمة عربية واحدة، وأن شعوبنا تمتلك كل أسباب الوحدة، وأن اسرائيل هي ورمة سرطانية خبيثة، نبتة غريبة لا تنتمي للأرض التي زرعت فيها قسرا، وكانت الخطب العصماء لأساتذتنا الفلسطينيين في ذكرى النكبة ويوم الأرض وغيرها من مناسبات ارتبطت بالقضية الفلسطينية تلهب حماسنا لدرجة أن زملاءنا من الكسالى وبطيئي الفهم يقفزون طربا وتلتهب أكفهم تصفيقا وحناجرهم هتافا – دون فهم أحيانا- ردا على قصيدة حماسية أو خطبة للأستاذ محمود أستاذ اللغة العربية مشرفنا الإذاعي والذي كان بحق خطيبا مفوها!

كان الشعور بالانتماء والتوحد مع القضية الفلسطينية عارما وشديدا، حتى زلزله الغزو الصدامي وما لحقه من مواقف مخزية لمنظمة التحرير يومها، والمسألة فعلا تحتاج لدراسة معمقة، فلقد وجد جيلي نفسه فجأة دون قضية مرجعية، محتارا من موقف القيادة الفلسطينية، وساخطا على دعمه السابق للفلسطينيين بدون حدود.

عبثا حاولنا الانسلاخ عن قضية فلسطين، بكل ما أوتينا من قوة، رغبة في الانقطاع عن ماض سابق، وثأرا لكرامتنا الوطنية التي أصيبت في الصميم، وبينما خلت نفسي نسيت فلسطين وكما يقول أهلها «بعت الكضية»، وجدت نفسي أهرع لمستشفى الصباح إثر اندلاع الانتفاضة الثانية حين سمعت أن مجموعة من الأسرى الفلسطينيين تم جلبهم للكويت لتلقي العلاج، حاملا بعض اللعب والشوكولاتة، ومقبلا يد الطفل الفلسطيني الذي قابلته في المستشفى، سائلا إياه قبل ذلك: «بأي يد قذفت الصهاينة بالحجر لأقبلها»!

كل السياسة وكل الخلاف مع أي فلسطيني يخمد تماما وتحل محله حالة غريبة من التعاطف والتأثر والتوحد مع فلسطين وشعبها عند أي عدوان..

يفهم الكثيرون من أبناء جيلي ما أقول.. وبعيدا عن الخلافات الأيديولوجية وتعقيداتها.. فما زلنا لا نستطيع إلا أن نكون مع خيار المقاومة والتيار الداعم لها في حال ما تم تخييرنا بين تيارين... الاستسلام... أو المقاومة!

[email protected]